قوله تعالى في الثناء على كتابه العزيز: ﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)﴾ [الواقعة: 79]. وتفسيره كما في «صحيح البخاري»: «لاَ يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِالقُرْآنِ، وَلاَ يَحْمِلُهُ بِحَقِّهِ إِلَّا المُوقِنُ».
وهذا ذكره الفراء في «معاني القرآن» تفسير سورة الواقعة، قال: وَيُقَالُ: لا يَمَسَّهُ، لا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ مَنْ آمَنَ به.
قال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ. كما في «تفسير القرطبي»(17/226).
قال الحافظ في «فتح الباري»: وَحَاصِلُ هَذَا التَّفْسِيرِ: أَنَّ مَعْنَى لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ لَا يَجِدَ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ، وَأَيْقَنَ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدَ اللَّهِ، فَهُوَ الْمُطَهَّرُ مِنَ الْكُفْرِ، وَلَا يَحْمِلُهُ بِحَقِّهِ إِلَّا الْمُطَهَّرُ مِنَ الْجَهْلِ وَالشَّكِّ، لَا الْغَافِلُ عَنْهُ الَّذِي لَا يَعْمَلُ، فَيَكُونُ كَالْحِمَارِ الَّذِي يَحْمِلُ مَا لَا يَدْرِيهِ. اهـ.
وجمهور أهل العلم على أن ﴿ لَا يَمَسُّهُ﴾ يعني: لا يمس القرآن المحدث حدثًا أكبر أو أصغر، والصحيح ﴿ لَا يَمَسُّهُ﴾ أي: في اللوح المحفوظ لا يمسه إلا المطهرون وهم الملائكة؛ إذ لو كان المراد البشر لقال: «المتطهرون»، فلما قال: «المطهرون» دلَّ على أن المراد الملائكة.
قال القرطبي: قال الإمام مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي قَوْلِهِ ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْآيَةِ الَّتِي فِي (عَبَسَ وَتَوَلَّى) ﴿ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)﴾[عبس:12-16].
يُرِيدُ: أَنَّ الْمُطَهَّرِينَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ وُصِفُوا بِالطَّهَارَةِ فِي سُورَةِ (عَبَسَ). اهـ من «تفسير القرطبي»(17/225).