جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 21 فبراير 2023

(8)من أحكام النكاح وآدابه

 

هل التعدد مباح أم مستحب؟

نحن استفدنا من والدي رَحِمَهُ اللهُ أنَّ التعدد مباح.

أي: لا يصل على حدِّ السنية والاستحباب، وهذا قول جمهور أهل العلم.

قال المرداوي رَحِمَهُ الله في «الإنصاف»(8/16): وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يَزِيدَ عَلَى وَاحِدَةٍ، إنْ حَصَلَ بِهَا الْإِعْفَافُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وقال الشافعي: وأحِب له أن يقتصر على واحدة وإن أبيح له أكثر؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا [النساء: 3] [النساء: 3].

فاعترض ابن داود على الشافعي، وقال: لِمَ قال الاقتصار على واحدة أفضل، وقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين زوجات كثيرة، ولا يفعل إلا الأفضل، ولأنه قال: «تناكحوا تكثروا»؟

 فالجواب: أن غير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان الأفضل في حقه الاقتصار على واحدة؛ خوفًا منه ألَّا يعدل، فأما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه كان يؤمَن ذلك في حقه.

وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تناكحوا تكثروا»، فإنما ندب إلى النكاح لا إلى العدد.

وقال صاحب «زاد المستقنع»: وَيُسَنُّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ، فعلَّقَ عليه الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع»(12/10) وذكر قولين لأهل العلم.

وقال عن القول الثاني: وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يسن أن يقتصر على واحدة، وعلَّلَ ذلك بأنه أسلم للذمة من الجَوْرِ؛ لأنه إذا تزوج اثنتين أو أكثر فقد لا يستطيع العدل بينهما، ولأنه أقرب إلى منع تشتت الأسرة، فإنه إذا كان له أكثر من امرأة تشتت الأسرة، فيكون أولاد لهذه المرأة، وأولاد لهذه المرأة، وربما يحصل بينهم تنافر؛ بناء على التنافر الذي بين الأمهات، كما هو مشاهد في بعض الأحيان، ولأنه أقرب إلى القيام بواجبها من النفقة وغيرها، وأهون على المرء من مراعاة العدل؛ فإن مراعاة العدل أمر عظيم، يحتاج إلى معاناة، وهذا هو المشهور من المذهب.

فإن قال قائل: قوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ[النساء: 3] ألا يرجَّح قولُ من يقول بأن التعدد أفضل؟ لأنه قال: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ، فجعل الاقتصار على واحدة فيما إذا خاف عدم العدل، وهذا يقتضي أنه إذا كان يتمكن من العدل فإن الأفضل أن ينكح أربعًا؟

قلنا: نعم، قد استدل بهذه الآية من يرى التعدد، وقال: وجه الدلالة أن الله تعالى يقول: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً[النساء: 3فجعل الاقتصار على واحدة فيما إذا خاف عدم العدل.

ولكن عند التأمل لا نجد فيها دلالة على هذا؛ لأن الله يقول: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ [النساء: 3كأنه يقول: إن خفتم ألا تعدلوا في اليتامى اللاتي عندكم، فإن الباب مفتوح أمامكم إلى أربع، وقد كان الرجل تكون عنده اليتيمة بنت عمه أو نحو ذلك، فيجور عليها، ويجعلها لنفسه، ويخطبها الناس ولا يزوجها، فقال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاء، أي: اتركوهن والباب أمامكم مفتوح لكم، إلا أنه لا يمكن أن تتزوجوا أكثر من واحدة إذا كان في حال خوف عدم العدل، فيكون المعنى هنا بيان الإباحة لا الترغيب في التعدد.

وعلى هذا فنقول: الاقتصار على الواحدة أسلم، ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان يرى من نفسه أن الواحدة لا تكفيه ولا تعفه، فإننا نأمره بأن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة، حتى يحصل له الطمأنينة، وغض البصر، وراحة النفس. اهـ.

فاستفدنا صحة تقرير  ما قاله والدي رَحِمَهُ الله، أن التعدد مباح، وأن الاستدلال بآية النساء على أن التعدد أفضل في غير موضعه؛ لأنها في سياق الإنكار على من يتزوج باليتيمة ويظلمها.

وقد يصل إلى حدِّ السنية إذا كان عنده القدرة المالية والبدنية والعدل، وعنده نية حسنة مما هو معروف من مصالح التعدد، وكلٌّ أعرف وأدرى بنفسه، فالمسألة مسؤولية أمام الله عَزَّ وَجَل، وكلٌّ أعرف بنفسه، والرجل يحتاج إلى قلبٍ من حديد، أما إذا كان عاطفيًّا، رقيق القلب فهذا يتعب، يشقى؛ لأنه سيلعب به النساء ويصير فريسةً لهُنَّ.

-حال حديث: «إن الله كتب الغيرة على النساء، فمن صبرت احتسابا كان لها مثل أجر شهيد»، هذا الحديث فيه عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم، وذكره الذهبي في ترجمته من «ميزان الاعتدال»(3/20إشارة إلى أنه من مناكيره.

وذكره الشيخ الألباني في «الضعيفة»(813وقال: منكر.

ويغني عنه قول ربِّنا عَزَّ وَجَل: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾ [الزمر: 10].

وهذا من الفتن والامتحان بالنسبة للمرأة، والسلامة لا يعادلها شيء، كما روى أبو داود (4263) عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ايْمُ اللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ، وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا». ومن ابتُليت فلتصبر.

والله أحكم الحاكمين هو الذي قدَّر هذا وشرعه، ولكن بشرط القدرة على الإنفاق والعدل ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء: 3].

هل يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إذا تزوج عليها زوجها؟

ثبت عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» رواه أبو داود (2226).

فإذا كان طلبها الطلاق؛ لمجرد أنه تزوج عليها، هذا في غير ما بأس، هذه كبيرة.

ويبقى إذا خشيت على دينها الفتنة. تخشى المرأة على دينها؛ تخشى ألا تصبر، أو تخشى أن تمتنع من القيام بحقوق الزوج، فإنها مطالَبة ما دامت في عصمته مطالبة بالقيام بحقوقه، إذا كان لا يتنازل عن حقوقه، فإذا كانت تخشى على دينها، على ضعف إيمانها وعقيدتها فلا بأس يجوز لها أن تطلب الطلاق.

 أخرج البخاري (5276) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الكُفْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا.

فالمختلعة ترد المهر للزوج.

وقد سمعت والدي الشيخ مقبل الوادعي رَحِمَهُ الله يقول: إذا خشيت على دينها من الفتنة لها أن تطلب الطلاق. وهذا قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «فتاوى نور على الدرب»، قال رحمه الله: فإذا تعذر الصبرُ على الزوج وخافت المرأة ألَّا تقيم حدود الله الواجبة عليها لزوجها، فلا بأس أن تطلب الطلاق.