قوله رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَا الأُصُولُ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الإِنسَانِ مَعرِفَتُهَا؟ فَقُل: مَعرِفَةُ العَبدِ رَبَّهُ، وَدِينَهُ، وَنَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. )
هذه الأصول الثلاثة:
(مَعرِفَةُ العَبدِ رَبَّهُ) هذا الأصل الأول.
(وَدِينَهُ) هذا الأصل الثاني.
(وَنَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ) هذا الأصل الثالث.
هذه الأصول الثلاثة هي التي يُسْأل عنها الميت في قبره، وهي فتنة القبر، وقد جاء أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ استعاذ من فتنة القبر، فقال: «اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ، وَالهَرَمِ وَالمَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ» رواه البخاري(6368) عنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
هذه الأسئلة الثلاثة مَنْ عرفها وآمن بها فقد وجد حلاوة الإيمان، كما قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» رواه مسلم(34)عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
قال رَحِمَهُ اللهُ: (فَإِذَا قَيلَ لَكَ: مَن رَبُّكَ؟ فَقُل: رَبِيَ اللهُ الَّذِي رَبَّانِي وَرَبَّى جَمِيعَ العَالَمِينَ بِنِعَمِهِ) هذا معنى الرب.
والربوبية قسمان: عامة، وخاصة.
الربوبية العامة: ربوبية الخلق والملك والتدبير والإنعام، هذه عامة لجميع الخلق.
الربوبية الخاصة: ربوبية النُّصرة، والهداية، والحفظ، والرعاية، وهذه لأولياء الله عَزَّ وَجَل.
ويشمل النوعين قوله تَعَالَى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)﴾ [الفاتحة: 2].
ومن معاني الرب: المالك، والسيد، والمنعم، والمربي، والمصلح.
والرب إذا كان محلى بـ«أل» فهو خاص بالله لا يطلق على غيره، أما إذا أضيف فيجوز أن يطلق على المخلوق، كما قال الله عن نبيه يوسف عليه الصلاة والسلام: ﴿ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ﴾ [يوسف: 41]. فهنا بمعنى: السيد.
قوله: (وَهُوَ مَعبُودِي لَيسَ لِي مَعبُودٌ سِوَاهُ) وهذا هو توحيد الألوهية.
(وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾) الحمد: الإخبار بمحاسن المحمود مع المحبة والتعظيم.
تعريف العالمين، العالمين: جمع عالَم –بفتح اللام أما عالم بكسر اللام فهو ضد الجاهل-: وهو كل ما سوى الله.
قوله: (وَأَنَا وَاحِدٌ مِن ذَلِكَ العَالَمِ) أي: يقول المجيب في جوابه: (وَأَنَا وَاحِدٌ مِن ذَلِكَ العَالَمِ) فلا يخرج شيء من الكائنات عن العالَم.
قوله: (فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفتَ رَبَّكَ؟ فَقُل: بِآيَاتِهِ وَمَخلُوقَاتِهِ)
آيات الله على قسمين:
كونية: وهي المخلوقات ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾[فصلت: 37].
وآيات شرعية: وهي الوحي المنزل من عند الله على أنبيائه ورسله.
قال رَحِمَهُ اللهُ: (وَالدَّلِيلُ قَولُه تَعَالَى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾) فنحن نعرف ربنا بآياته الكونية والشرعية، فالمخلوقات والآيات الشرعية تدل على الخالق.
قوله تَعَالَى: ﴿ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾ فيه النهي عن عبادة غير الله، ومنه السجود، السجود عبادة خاصة بالله، كما قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» رواه الترمذي(1159) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو في «الصحيح المسند» (1286) لوالدي رَحِمَهُ الله.
وقد ثبت أن الشمس والقمر يكوَّران يوم القيامة، روى البخاري(3200) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشَّمْسُ وَالقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، أي: ويرمى بهما في النار كما في بعض الروايات، وهذا ليس من باب التعذيب للشمس والقمر، فهما مسخَّران لله سُبحَانَهُ، ولكنه من باب التبكيت والتوبيخ لعابديهما.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَقَولُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾الآية )
قوله سُبحَانَهُ: ﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ خلق سبحانه السموات في يومين، وخلق الأرض في أربعة أيام، كما في سورة فصلت.
والسموات: سقف الأرض، قال تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)﴾ [الأنبياء: 32]. كما أن العرش سقف الجنة، بل وسقف المخلوقات، النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ» رواه البخاري (7423) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
﴿ ثُمَّ اسْتَوَى ﴾استوى لها أربعة معانٍ في اللغة العربية: علا، وارتفع، وصعد، واستقر. والاستواء صفة فعلية من صفات الله الفعلية، وأما العلو فهو صفة ذات، قال سُبحَانَهُ: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) ﴾ [سبأ: 23].
﴿ عَلَى الْعَرْشِ ﴾ العرش لغة: السرير.
﴿ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ﴾ أي: يغطي الليل النهار بظلامه.
﴿ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ أي: يبادر سريعًا في وقته.
﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ﴾ أمر الله عَزَّ وَجَل على قسمين:
أمر كوني قدري: وهذا يتعلق بالمخلوقات، كما في قول الله: ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ﴾ [الأحقاف: 25].
وأمر شرعي ديني: وهذا يتعلق بشرع الله، وهي: أوامره ونواهيه، كقوله تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) ﴾ [النحل: 90].
ومن الفروق بينهما:
الأمر الكوني يتحقق ولا يمكن أن يتخلف.
الديني قد يقع وقد لا يقع.
﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ في هذه الآية دليل أن القرآن كلام الله وليس بمخلوق؛ لأن القرآن داخل في الأمر، ففيه رد على المعتزلة القائلين بخلق القرآن.
﴿ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ أي: تعاظم الله رب العالمين سبحانه، وتبارك من خصائص الله عَزَّ وَجَل، فلا يقال للمخلوق: تبارك، وهذا من الأخطاء التي يقع فيها العوام.