جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 3 يناير 2023

(50) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

 

[مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ أَزوَاجَهُ أُمَّهَاتُ المُؤمِنِينَ]

من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن أزواجه أمهات المؤمنين، والدليل هذه الآية: ﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾، ومعنى هذه الأمومة كما قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ في «الفصول»: (الاحتَرَامُ، وَالطَّاعَةُ، وَتَحرِيمُ العُقُوقِ، وَوُجُوبُ التَّعظِيمِوكذلك تحريم الزواج بهن، وتحريم العقوق، فكيف من يعق أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، ويتهمها بما برأها الله سُبحَانَهُ منه؟!

لا يدخل في هذه الأمومة تحريم الزواج ببنات أمهات المؤمنين؛ فقد زوَّج النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رقية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبعد أن توفيت في غزوة بدر، زوجه بأم كلثوم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وزوج فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وزوج زينب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أبا العاص بن الربيع رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وأما الخلوة بنساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حرام، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)﴾ [الأحزاب: 53].

قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره»(6/381) بعد أن ذكر المراد بأمومة نساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم للمؤمنين: وَلَا يَنْتَشِرُ التَّحْرِيمُ إِلَى بَنَاتِهِنَّ وَأَخَوَاتِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ سَمَّى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَنَاتِهِنَّ أَخَوَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا هُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي «الْمُخْتَصَرِ»، وَهُوَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْعِبَارَةِ لَا إِثْبَاتِ الْحُكْمِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زوجات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم هل هن أمهات المؤمنين والمؤمنات أم أمهات المؤمنين فقط؟

 قال ابن العربي رَحِمَهُ اللهُ في «أحكام القرآن»(3/542): اخْتَلَفَ النَّاسُ، هَلْ هُنَّ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، أَمْ هُنَّ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ خَاصَّةً؟

 عَلَى قَوْلَيْنِ: فَقِيلَ: ذَلِكَ عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

 وَقِيلَ: هُوَ خَاصٌّ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ إنْزَالُهُنَّ مَنْزِلَةَ أُمَّهَاتِهِمْ فِي الْحُرْمَةِ، حَيْثُ يُتَوَقَّعُ الْحِلُّ، وَالْحِلُّ غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ بَيْنَ النِّسَاءِ، فَلَا يُحْجَبُ بَيْنَهُنَّ بِحُرْمَةٍ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّاهُ. فَقَالَتْ: «لَسْت لَك بِأُمٍّ، إنَّمَا أَنَا أُمُّ رِجَالِكُمْ»، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ.

 هذا ترجيح ابن العربي رَحِمَهُ اللهُ وقد تعقبه القرطبي رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره»(14/123وقال: قُلْتُ: لَا فَائِدَةَ فِي اخْتِصَاصِ الْحَصْرِ فِي الْإِبَاحَةِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ تَعْظِيمًا لِحَقِّهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ صَدْرُ الْآيَةِ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾، وَهَذَا يَشْمَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ ضَرُورَةً. اهـ.

فالدليل يرد قول ابن العربي، الله عزوجل يقول: ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فالدليل عام يشمل الرجال والنساء، وكذلك ما بعده ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ عام يشمل الرجال والنساء.

أما قول عائشة: أَنَا أُمُّ رِجَالِكُمْ وَلَسْتُ أُمَّ نِسَائِكُمْ. رواه ابن سعد في «الطبقات»(10/171وسنده ضعيف جدًّا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 هَل يَدخُلُ النِّسَاءُ فِي الخِطَابِ لِلذُّكُورِ؟

مثل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [هود: 118]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ [هود: 118الصحيح أنهن يدخلن قال تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ [الأحزاب: 21]. وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾ [الحشر: 7]. ولا يخرجن إلا بدليل يخصصهن، وفي القاعدة: الأصل عموم التشريع إلا ما خصصه الدليل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هل يقال في إخوة أمهات المؤمنين أخوال المؤمنين كمعاوية بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق؟ فيه خلاف بين أهل العلم، وقد ذكر هذه المسألة شيخ الإسلام في «منهاج السنة»(4/369-370).

والذين قالوا: إخوة أمهات المؤمنين أخوال المؤمنين قصدُهم إثبات مصاهرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا دليل على ذلك أنه يقال: أخوال المؤمنين، وهذا الذي رجحه الشنقيطي في «أضواء البيان» في تفسير سورة الأحزاب(رقم الآية: 6).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَهَل يُطلَقُ عَلَى بَنَاتِهِنَّ أَخَوَاتُ المُؤمِنِينَ؟

ليس على هذا دليل، ولكن هن أخوات المؤمنين من حيث الأُخوة الإيمانية ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]. أما باعتبار أن أمهاتهن أمهات المؤمنين، فيقال لبناتهن: أخوات المؤمنين، هذا ليس عليه دليل، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هَل يُقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: أَبُو المُؤمِنِينَ؟

ذهب بعضهم إلى أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين، ودليلهم ما يلي:

قوله تعالى: ﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6]. قال الشنقيطي رَحِمَهُ الله في «أضواء البيان»(6/232): يُفْهَمُ مِنْ هذه الآية أَنَّهُ هُوَ صلى الله عليه وسلم أَبٌ لَهُمْ.

 وقراءة ﴿ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ .

 وقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ» رواه أبو داود في «سننه» (8) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وذكره والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله في «الصحيح المسند» (1326).

 ومنع ذلك بعض أهل العلم؛ لقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾، والجواب عن هذه الآية كما قال الحافظ ابن كثير: (وَلَكِنَّ المُرَادَ أَبَاهَمُ فِي النَّسَبِفالآية تنفي الأبوة في النسب، أما الأبوة الإيمانية وأبوة التربية والتعليم فلا تنفيه الآية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ]

وَأَزوَاجُهُ أَفضَلُ نِسَاءِ الأُمَّةِ

من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن أزواجه أفضل نساء الأمة، ولم يقيد الحافظ ابن كثير فضل نسائه على هذه الأمة، بل أطلق؛ ليعم نساء هذه الأمة وغيرها.

لِتَضعِيفِ أُجْرِهِنَّ، بِخِلَافِ غَيرِهِنَّ قال تعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا(30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) [الأحزاب: 30-31].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أفضل نساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم

أفضل نساء النّبِيّ صلى الله عليه وسلم خديجة وعائشة، واختلفوا أيهما أفضل خديجة أو عائشة، قال ابن القيم في «بدائع الفوائد»(3/684) عن شيخه شيخ الإسلام رَحِمَهُما اللهُ: أنه سئل عن خديجة وعائشة أمي المؤمنين أيهما أفضل؟

 فأجاب: بأن سَبْقَ خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين لم تشركها فيه عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به غيرها، فتأمل هذا الجواب الذي لو جئت بغيره من التفضيل مطلقًا لم تخلص من المعارضة. اهـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأين أفضل عائشة أو فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما؟

قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «بدائع الفوائد»(3/1101): الخلافُ في كون عائشة أفضلَ من فاطمة أو فاطمة أفضلُ، إذا حُرِّرَ محلُّ التفضيل صار وفاقًا، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيمُ.

فإن أُريْدَ بالفضل كثرةُ الثواب عند الله؛ فذلك أمر لا يُطَّلَعُ عليه إلا بالنَّصِّ؛ لأنه بحَسْب تفاضُل أعمال القلوب لا بمجرَّد أعمال الجوارح، وكم من عامِلَين أحدُهما أكثرُ عملًا بجوارحه، والآخرُ أرفعُ درجة منه في الجنة.

وإن أُريْدَ بالتفضيل التفضيل بالعلم؛ فلا ريبَ أن عائشة أعلمُ وأنفعُ للأمَّة، وأدَّت إلى الأمَّة من العلم ما لم يؤَدِّ غَيْرُها، واحتاج إليها خاصُّ الأمَّةِ وعامَّتها.

وإن أريد بالتفضيل شرَف الأصل وجلالة النَّسَب؛ فلا ريب أن فاطمةَ أفضل؛ فإنها بضعةٌ من النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك اختصاصٌ لم يَشْرَكْها فيه غيرُ إخوتها.

وإن أريد السيادةُ؛ ففاطمةُ سيّدَةُ نساء الأمَّة.

وإذا ثبتتْ وجوهُ التفضيل ومواردُ الفضل وأسبابُه، صارَ الكلامُ بعلمٍ وعدل، وأكثرُ الناس إذا تكلَّم في التفضيل لم يفصِّلْ جِهَات الفضل ولم يوازن بينها، فيبخسُ الحق، وإن انْضَافَ إلى ذلك نوع تعصُّبٍ وهوىً لمن يُفَضِّلُهُ تكلَّمَ بالجهلِ والظلمِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ تَحرِيمُ نِكَاحِ زَوجَاتِهِ اللَّاتِي تُوُفِّيَ عَنهُنَّ إِجمَاعًا

هذا بإجماع أهل العلم أنه لا يجوز نكاح زوجاته بعده؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) [الأحزاب: 53وأيضًا لأنهن أزواجه في الجنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 المَرأَةُ الَّتِي لَم تَتَزِوَّجِ بَعدَ مَوتِ زَوجِهَا هِيَ لَهُ فِي الآخِرَةِ

فمن لم تتزوج بعد وفاة زوجها فهي له في الآخرة، وإذا تزوجت بعده فقد جاء حديث: «الْمَرْأَةُ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا» أي: في الجنة، والحديث ذكره الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في «السلسلة الصحيحة» (1281).

وكَمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا الدَّردَاءِ قَالَت لَهُ زَوجَتُهُ عِندَ الاحتِضَارِ: يَا أَبَا الدَّردَاءِ، إِنَّكَ خَطَبتَنِي إِلَى أَهلَي فَزَوَّجُوكَ، وَإِنِّي أَخطِبُكَ اليَومَ إِلَى نَفسِكَ، قَالَ: فَلَا تَزَوَّجِي بَعدِي. فَخَطَبَهَا بَعدَ مَوتِهِ مُعَاوِيَةُ-وَهُوَ أَمَيرٌ- فَأَبَت عَلَيهِ.

وَرَوَى البَيهَقِيُّ مِن حَدِيثِ عِيسَى بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ السُّلَمِيِّ، عَن أَبِي إِسحَاقَ، عَن صَلِةَ، عَن حُذَيفَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِامرَأَتِهِ: إِن سَرَّكِ أَن تَكُونِي زَوجَتِي فِي الجَنَّةِ فَلَا تَزَوَجِّي بَعدِي فَإِنَّ المَرأَةَ فِي الجَنَّةِ لِآخِرِ أَزوَاجِهَا فِي الدُّنيَا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَنْ طلقها النّبِيّ صلى الله عليه وسلم في حالِ حياته

في المسألة أقوال:

 فمنهم من قال: يحرم الزواج بها مطلقًا، أي: دخل بها أو لم يدخل. ومنهم من قال: تحرم على غيره إن كان قد دخل بها، ومنهم من قال: تحل حتى وإن كان قد دخل بها.

الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ يؤيد هذا القول الأخير؛ مستدلًا بآية التخيير﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) [الأحزاب: 51].، فخيرهن الله بين الدنيا وبين البقاء عند النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ووجه الدلالة أنها لو كانت إذا طلقت لا تحل لغيره لما كان في تخييرها فائدة.

قال ابن كثير في «البداية والنهاية»(5/302) عن هذا القول: وَهَذَا قَوِيٌّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.

أما من دخل صلى الله عليه وسلم بها وتوفي عنها وهي في عصمته، فلا يجوز لأحد الزواج بها إجماعًا، والدليل قول الله: ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)﴾.

ومن تزوج بها ثم فارقها قبل أن يدخل بها تقدم فيه خلاف، والحافظ رَحِمَهُ اللهُ في «البداية والنهاية»(5/302) يذكر هذه المسألة، ويقول: مَنْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بها، فهذه تحل لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْقِسْمِ نِزَاعًا.

قال: وَأَمَّا مَنْ خَطَبَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ عقده عَلَيْهَا، فَأَوْلَى لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَأَوْلَى. اهـ.

وهذه المسألة مجرد خِطبة من غير عقد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حُكمُ قَاذِفِ أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ بِمَا بَرَّأَهَا اللهُ مِنهُ وَحُكمُ ذَلِكَ فِيمَن عَدَاهَا مِن زَوجَاتِهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنهُنَّ

قاذف عائشة أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يقتل إجماعًا ردة لا حدًّا؛ لأنه لو كان حدًّا يكون قتله كفارة له، ولكنه يقتل ردة؛ لأنه مكذب للقرآن، قال عَزَّ وَجَل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) [النور: 11-12]. الآيات.

قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم» (17/117): وَهِيَ بَرَاءَةٌ قَطْعِيَّةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، فَلَوْ تَشَكَّكَ فِيهَا إِنْسَانٌ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23)} [النور: 23]: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّهَا بَعْدَ هَذَا وَرَمَاهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ بَعْدَ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَانِدٌ لِلْقُرْآنِ، وَفِي بَقِيَّةِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُنَّ كَهِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وقال رَحِمَهُ الله في «البداية والنهاية»(14/376) عن هذه المسألة: يَكْفُرُ إِنْ كَانَ قَدْ قَذَفَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِجْمَاعِ.

 وَفِي مَنْ قَذَفَ سِوَاهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفُرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَضِيَ عَنْهُنَّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 حُكمُ سَابِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

هذا من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قتل من سبه؛ والدليل قوله عَزَّ وَجَل: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)﴾ [التوبة: 65-66]. وحَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ فِي الأَعمَى الَّذِي قَتَلَ أُمَّ وَلَدِهِ لَمَّا وَقَعَت فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَلَا اشهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ» رواه أبو داود (4361وهو في «الصحيح المسند» (605) لوالدي رَحِمَهُ الله.

 وقد نقل شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ في «الصارم المسلول» إجماع العلماء أن من سب النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد يجب قتله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَنْ سَبَّهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم

هذا من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه إذا سب رجلًا، والمراد: رجلًا مؤمنًا، كما في الحديث: عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخَذتُ عِندَكَ عَهدًا لَن تُخلِفَهُ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ المُؤمِنِينَ آذَيتُهُ، أَو شَتَمتُهُ، أَو جَلَدتُهُ، أَو لَعَنتُهُ، فَاجعَلهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُربَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيكَ يَومَ القِيَامَةِ». رواه البخاري ومسلم، فإذا سب رجلًا مؤمنًا أن الله يجعله رحمة له وكفارة وقربة تقربه إلى ربه.

وهنا تنبيه مهم ذكره الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم»(16/152وقال: وَإِنَّمَا كَانَ يَقَعُ هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِرِ وَالشَّاذِّ مِنَ الْأَزْمَانِ، وَلَمْ يَكُنْ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا لَعَّانًا، وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُمْ قَالُوا: ادْعُ عَلَى دَوْسٍ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا»، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.