هل كان يوجد مكاسب لوالدي رَحِمَهُ الله؟
والدي رَحِمَهُ الله يقنع بالشيء الضروري، وقد كان مِنْ أحد أسباب رفعَتِه، واشتهار صِيتِهِ-مع علمه وتقواه- قناعته وزهده.
أما المكاسب فوالدي لديه أراضي كثيرة، في الأسفل والأعلى كما يقولون، ولم يبقَ من ورثة أبيه أحد سوى والدي وأخته، وقد جعل رَحِمَهُ الله نصيبه بعضه سكنات للطلَّاب.
وبعضه دفعه لبعض أقربائه من بني عَمِّه رَحِمَهُم الله، فكانوا يزرعونه أنواعًا من الحبوب والثمار، كالبُرِّ والشعير والذُّرَة البيضاء والصفراء.
ومن الفواكه: العنب والزبيب والرمان والخوخ.
وكانوا يعطون والدي النصف من الغَلَّةِ(...)، فكان ينتفعُ به هو وضيوفه، الخبز في البيت من هذه الحبوب، والفواكه من تلكَ الثِّمار، وإذا لم يكن موسم الفواكه فيوجد الزبيب يكرم به ضيوفه، وقد ينفد في وقتٍ سريع قبل أن يأتيَ موسم الفواكه.
ومرةً أُشِير عليه أن يكونَ لمطبخ الطلاب شيءٌ يعود لمصالحه، فجعلوا مزرعةَ دجاج، ولكن مع الأيام رأوا أنها أثْقَلَتْ، ولم تأتِ بمنفعةٍ. فتُركِتْ، ثُمَّ جُعِلَ المكان سكنات للطلاب أصحاب العوائل، وقد عَلِقَ به هذا الاسم، فصاروا يسمون ذلك المكان وما حوله بـ المزرعة.
وقد يصل إليه شيءٌ من فاعلي الخير، بعضه خاص، وبعضه للطلَّاب.
ولنعْلَمْ أنَّ عفَّةَ النفسِ وعدمَ ذِلَّتِهَا عند والدي أغلى وأعز من حُطَامٍ فانٍ زائل.
وقد كُنَّا نسمع منه النصائح المتتالية في الحث على العفَّة وعزَّة النَّفْسِ، وإليكم مثالَيْنِ في ذلك:
-محمد بن رافع القشيري: كان آية في الزهد.
أرسل له السلطان بمال، فقال محمد: قد كادت الشمس أن تغرب، أي قد قرب أجله؛ لأنه كان بلغ من العمر قدر ثمانين فرده، ثم دخلت ابنته وقالت: إنا محتاجون لشيء من المال فأبى.
علَّق عليه والدي رَحِمَهُ الله بقوله: لأنه من مدَّ يده ذَلَّ؛ فلهذا ترك أخذه رَحِمَهُ الله.
-ومرَّة دخل إلى الرئيس كما أخبرنا رَحِمَهُ الله وقبل أن يخرجَ قال له: اطلب ما تريد، فقال له والدي: لا أحتاج شيئًا ولم آتِ لهذا.
(...) فِي «الْقَامُوسِ»(1039): الْغَلَّةُ: الدَّخْلُ مِنْ كِرَاءِ دَارٍ وَأُجْرَةِ غُلَامٍ وَفَائِدَةِ أَرْضٍ.