هل كتب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده؟
جواب الشيخ: ما كتبَ، وبعضهم وهو أبو الوليد الباجي يقول: كتب يوم الحديبية.
وممكن كتبَ، أو أمرَ كاتبَه.
[المرجع/ مراجعة تدريب الراوي الشريط التاسع لوالدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]
وقوله رَحِمَهُ الله: وبعضهم وهو أبو الوليد الباجي يقول: كتب يوم الحديبية. يشير إلى رواية: « فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكِتَابَ، فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، لا يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلاحٌ إِلَّا فِي القِرَابِ، وَأَلَّا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ، إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهُ، وَأَلَّا يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا» رواه البخاري(2699) عن البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقد نقل الذهبي عن القاضي عياض رَحِمَهُما الله في «سير أعلام النبلاء»(8/540) ما يلي: وَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو الوَلِيْدِ فِي حَدِيْث الكِتَابَةِ يَوْم الحُدَيْبِيَة الَّذِي فِي «صَحِيْح البُخَارِيّ »، قَالَ بِظَاهِرِ لَفظه، فَأَنْكَر عَلَيْهِ الفَقِيْهُ أَبُو بَكْرٍ ابنُ الصَّائِغ، وَكَفَّرهُ بِإِجَازته الكَتْبَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ، وَأَنَّهُ تَكذِيبٌ لِلقُرْآن، فَتَكَلَّم فِي ذَلِكَ مِنْ لَمْ يَفهم الكَلامَ، حَتَّى أَطلقُوا عَلَيْهِ الفِتْنَةَ، وَقبَّحُوا عِنْد العَامَّة مَا أَتَى بِهِ، وَتَكلّم بِهِ خُطَبَاؤُهم فِي الجُمَع، وَقَالَ شَاعِرهُم:
بَرِئْتُ مِمَّنْ شَرَى دُنْيَا بآخِرَةٍ ... وَقَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَدْ كَتَبَا
فَصَنَّف القَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ رِسَالَةً بَيَّنَ فِيْهَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ قَادحٍ فِي المُعجزَة، فَرَجَعَ بِهَا جَمَاعَةٌ.
قال الذهبي: يَجوز عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ اسْمه لَيْسَ إِلَّا، وَلاَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنه أُمِّيًّا، وَمَا مَنْ كَتب اسْمَه مِنَ الأُمَرَاء وَالوُلاَة إِدمَانًا لِلعلاَمَةِ يُعَدُّ كَاتِبًا، فَالحكمُ لِلغَالِب لَا لِمَا نَدَرَ.
وَبَعْضُ العُلَمَاء عدَّ مَا كَتَبَهُ يَوْم الحُدَيْبِيَة مِنْ مُعجزَاته؛ لِكَوْنِهِ لَا يَعرِفُ الكِتَابَة وَكَتَبَ.
فَإِنّْ قِيْلَ: لاَ يَجُوْزُ عَلَيْهِ أَنْ يَكتب، فَلَو كتب لارتَاب مُبطل، وَلقَالَ: كَانَ يُحْسِنُ الخَطّ، وَنظر فِي كتب الأَوَّلين.
قُلْنَا: مَا كَتَبَ خَطًّا كَثِيْرًا حَتَّى يَرتَاب بِهِ المُبطلُوْنَ، بَلْ قَدْ يُقَالَ: لَوْ قَالَ مَعَ طول مُدَّةِ كِتَابَةِ الكِتَاب بَيْنَ يَدَيْهِ: لا أَعْرفُ أَنْ أَكْتُب اسْمِي الَّذِي فِي خَاتِمِي، لارتَاب المبطلُوْنَ أَيْضًا، وَلقَالُوا: هُوَ غَايَةٌ فِي الذَّكَاء، فَكَيْفَ لاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ؟ بَلْ عَرفه، وَقَالَ: لا أعْرف. فَكَانَ يَكُوْنُ ارْتيَابهم أَكْثَرَ وَأَبلغَ فِي إِنْكَاره، وَاللهُ أَعْلَمُ.
ووجهه الحافظ ابن كثير في « الفصول في سيرة الرسول »(296)، وقال: وَقَد عُلِمَ أَنَّ المُقَيَّدَ يَقضِي عَلَى الُمطلَقِ، فَفِي الرِّوَايَةَ الأُخرَى: «فَأَمَرَ عَلِيًّا فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وهذه الرواية المشار إليها في كلام الحافظ ابن كثير عند مسلم (1784)(93) عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «اكْتُبْ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا بِاسْمِ اللهِ، فَمَا نَدْرِي مَا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مَا نَعْرِفُ بِاسْمِكَ اللهُمَّ، فَقَالَ: «اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ»، قَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَاتَّبَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ».. الحديث.