من كذَّب بكرامة الله سُبحَانَهُ لَم يَنَلْهَا
قال الحافظ ابن كثير في آخر كتابه القيم «الفصول في سيرة الرسول»(360) وهو يتكلم عن الشفاعة في خروج الموحدين من النار: وَقَد أَجمَعَ عَلَى قُبُولِهَا أَئِمَّةُ الإِسلَامِ فِي قَدِيمِ الدَّهرِ وَحَدِيثِهِ، وَلَم يُخَالِف فِي ذَلِكَ إِلَّا الخَوَارِجُ، وَمَن تَابَعَهُم فِي بِدعَتِهِم مِنَ المُعتَزِلَةِ وَغَيرِهِم، وَهُم مَحجُوجُونَ بِالحَدِيثِ المُتَوَاتِرِ الَّذِي يَلتَزِمُونَ القَولَ بِهِ، وَلَكِن لَم يُحِط عِلُمُهم بِتَوَاتُرِهِ، فَقَد كَذَّبُوا بِمَا لَم يُحِيطُوا بِعِلمِهِ، فَلَا عُذرَ لَهُم، وَلَكِن مَن كَذَّبَ بِكَرَامَتِهِ لَم يَنَلْهَا.
هذه العبارة تتكرر عند أهل العلم بهذا اللفظ أو بمعناه: أن من كذَّب بكرامة الله سُبحَانَهُ حُرمها، فمن نفى الشفاعة في خروج الموحدين من النار أو غيرها من أنواع الشفاعات يوم القيامة فلن تنالهم هذه الكرامة.
وفي هذا المعنى أَخْرَجَ الآجري في «الشريعة»(777) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَنْ كَذَّبَ بِالشَّفَاعَةِ فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِيهَا.
والأثر قال عنه الحافظ في «فتح الباري»(11/426): وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، فذكره.
وذكره والدي رَحِمَهُ الله في «الشفاعة»(298) تحت فصل: الأسباب المانعة من الشفاعة.
وهكذا الشرب من حوض النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ينكره طوائف من أهل البدع كالخوارج، ينكرون حوض النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذي قال عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَمَامَكُمْ حَوْضًا كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، فِيهِ أَبَارِيقُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ وَرَدَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا» رواه مسلم (2299) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عمر.
قال الحافظ ابن كثير في «الفتن والملاحم»(1/374): مِنَ الْأَحَادِيثِ المشهورة المتعددة من الطرق المأثورة الْكَثِيرَةِ الْمُتَضَافِرَةِ، وَإِنْ رَغِمَتْ أُنُوفُ كَثِيرٍ مِنَ المبتدعة الْمُكَابِرَةِ الْقَائِلِينَ بِجُحُودِهِ، الْمُنْكِرِينَ لِوُجُودِهِ وَأَخْلِقْ بِهِمْ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ وُرُودِهِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ كَذَّبَ بِكَرَامَةٍ لَمْ يَنَلْهَا، وَلَوِ اطَّلَعَ الْمُنْكِرُ لِلْحَوْضِ عَلَى مَا سَنُورِدُهُ من الأحاديث قبل مقالته لم يقلها.
والأشاعرة لا يذكرونهم في نفاة الرؤية، ولكنهم ينفون الجهة، ينفون العلو والفوقية، ويقولون: الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يُرى لكن ليس في جهة، يقصدون نفي صفة العلو والفوقِيَّة لله عَزَّ وَجَل.
هذه العبارة: مَن كَذَّبَ بِكَرَامَتِهِ لَم يَنَلْهَا، ينبغي حفظها، والتأمُّل في معناها، والحذر من اقتفاء طريق الضالين المضلين، الذين ينكرون العقيدة الصحيحة عقيدة الأنبياء والمرسلين؛ بسبب شبهٍ أوهى من خيط العنكبوت.