كيف يعرف الباحث أن الراوي صدوق؟
إن كان مبتدئًا فيحتاج أن يرجع إلى «تقريب التهذيب»، ويأخذ بأحكام الحافظ ابن حجر، والحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ طريقته في الراوي الذي الأقوال فيه مختلفة أنه ينظر، وقد يستخلص من هذا شيئًا بالجمع بين الأقوال، هذا يقول: ضعيف، وهذا يقول: صدوق، فيستخرج الحافظ من هذا رتبة وسط، ولا يهدر القول الآخر، ويقول: صدوق يخطئ.
و«تقريب التهذيب» للحافظ ابن حجر رحمه الله لمَّا وصل إلى والدي «تقريب التقريب» لمؤلفه عايض القرني، غضبَ والدي رحمه الله وقال: ينبغي أن يسمى بـ(تعمية التقريب)، الحافظ يقول في راوٍ: صدوق سيء الحفظ، وهو يأتي ويُلغي سيء الحفظ، وغير ذلك من البَتر لعبارات الحافظ. اهـ.
والحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ متمكن وواسع الاطلاع.
ووالدي رَحِمَهُ اللهُ كان يرجع إلى مراجع الحافظ ابن حجر إلى «تهذيب الكمال»، «تهذيب التهذيب»، «ميزان الاعتدال»، الكتب التي تكلمت على الراوي، ويأخذ منها رتبة الراوي حسب ما يصل إليه اجتهاده.
أما الباحث المبتدئ فيكفيه «تقريب التهذيب».
ومرة كان والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ اللهُ وهو يتكلم عن علي رضا الذي أخرج في شأنه ومن كان على شاكلته: «غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل» ذكر أنه تخبَّط؛ فهو لا يميِّز أنه عند المحدثين لا يلزم من إعلال طريق واحدة من طرق الحديث، أن يكون الحديث ضعيفًا من جميع طرقه، فكتب علي رضا جريدة تحمل عنوانًا: (ما هكذا تعلُّ الأحاديث!) ويتعقَّب والدي: الحديث صحيح فله شاهد كذا، ويتجرأ على جهابذة الحديث ونُقَّادِهِ؛ لأنه ما يعرف طريقةَ المحدثين، وكما قيل: من تكلم بغير فنه أتى بالعجائب، فقال والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ اللهُ: يكفيك يا بُنيَّ أن تفتح «تقريب التهذيب»، -كشأن أكثر الباحثين العصريين- وتأخذ أحكام الرواة منه، ووجَّه نصيحةً قيِّمَةً.
ومن كلامه رحمه الله في مقدمة « غارة الفِصَل» (6): وبعد قراءة تلك الجريدة- أي: جريدة علي رضا- طالعتُ بعض تحقيقات علي رضا، وإذا به تَيهٌ واستخفاف ببعض العلماء، فرأيت أنه يلزمُني أن أبينَ له حقيقة خطئِه؛ حتى لا يتجرَّأ على علماء آخرين، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ﴾ [النساء: 148]،
ولو كانت المسألة تتعلق بشخصي لَمَا رددتُ عليه، فمن أنا حتى أضيِّع الوقتَ في الدفاع عن نفسي؟ ولكن المسألة فيها هجوم على (كتب العلل) من كثير من العصريين، واستخفاف بعلماء الحديث الأقدمين؛ فلذلك استعنت بالله وتركت بعض مشاريعي من أجل الرد على (علي رضا) وسميت الرد: «غارة الفِصَل على المعتدين على كتب العِلَل». وليس (عليٌّ) هو المقصود نفسه، بل كثير من العصريين الذين يستخفون بأقوال أئمة العلل، وقد كنت عازمًا على التخشين، فشفع بعضُ إخواننا الأفاضل من ساكني المدينة في الرفق به. اهـ المراد.