جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 31 أغسطس 2022

(43) اختصار درس الفصول من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

هل من خصائص النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ  وجوب الوضوء لكل صلاة؟

هذا عدَّه بعضهم من الخصائص، ولم يصح ذلك.

 والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الغالب من هديه الوضوء لكل صلاة ولو لم يكن محْدِثًا، كما روى البخاري (214) عَنْ أَنَسِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ» قُلْتُ-أي: الراوي-: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَنَا الوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ.

وأحيانًا كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يصلي أكثر من صلاة بوضوء واحد، بل يوم فتح مكة صلى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الصلوات كلها بوضوء واحد، روى مسلم (277) عَنْ بريدة بن الحصيب، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ، قَالَ: «عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ».

وهذا دليل على أنه يجوز أن يُصلَّى أكثر من صلاة بوضوء واحد، ما لم يحدث.

مسألة: الوضوء لكل صلاة طاهرًا وغير طاهر. هذا مستحب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ولأمته، ولما في الوضوء من الأجر وتكفير الذنوب، وهذا إذا لم تكن الصلاة مجموعتين.

 أما إذا كانت الصلاة مجموعتين فلا يستحب تجديد الوضوء؛ لأن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لم يكن يفعله، مثال ذلك: يوم عرفة في حجة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صلى الظهر ثم صلى العصر، كما في حديث جابر الطويل في حجة الوداع رواه مسلم (1218قال: «ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا». ولم ينقل عنه أنه جدد الوضوء.

وهكذا أيضًا إذا لم يصل بالوضوء، مثل: من توضأ فأخر الصلاة شيئًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ كما في «مجموع الفتاوى»(21/376): وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ بِهِ: فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ؛ بَلْ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ فِي مِثْلِ هَذَا بِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَهُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ. اهـ.

وهكذا أيضًا في صلاة الليل لم ينقل عن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أنه كان يستحب تجديد الوضوء، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [هل من خصوصيات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجوب السواك عليه؟ ]

 وجوب السواك على النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ هذا لم يصح إثباته في الخصائص، والأوامر محمولة على الاستحباب؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرتُ بِالسِّوَاكِ حَتَى خَشِيتُ أَن يُكتَبَ عَلَيَّ»، وهذا قول بعض الشافعية أن السواك لم يكن واجبًا على النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

قال ابن رجب رَحِمَهُ اللهُ في «فتح الباري» (8/126): ويستدل به على أن السواك لم يكن واجبًا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 والصحيح عند الشافعية وجوب السواك على النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، ولكن الأدلة تدل على تأكد استحباب استعمال السواك، أما الوجوب فلا.

ولمحبة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الشديدة للسواك عند ما كان في الاحتضار ودخل عبدالرحمن بن أبي بكر وفي يده السواك جعل النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ينظر إليه، فشعرت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنه يريد السواك فناولته إياه، كما في الحديث الذي رواه البخاري (4438).

وكما أن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يحب السواك، فقد حث أمته على استعمال السواك في أدلة كثيرة، منها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ» رواه البخاري (887ومسلم (252).

 وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» رواه الإمام أحمد (7والنسائي (5وعلقه البخاري (3/31) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.

وحاصل ما تقدم: أن السواك ليس بواجب على النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وهذا قول بعض الشافعية، ومال إليه العراقي في «طرح التثريب»، فقد ذكر هذا الحديث «أُمِرتُ بِالسِّوَاكِ حَتَى خَشِيتُ أَن يُكتَبَ عَلَيَّ»، ثم قال: وَالْخَصَائِصُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.

لأن الخصائص تنقل عن أصل، والأصل هو التأسي بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فلا بد أن يكون هناك دليل على ثبوت الخصوصية، والأصل عدم الخصوصية، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[هل من خصوصياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لا ينتقض وضوءه بالنوم؟ ]

من خصائص النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم؛ لحديث ابنِ عَبَّاسٍ فِي «الصَّحِيحَينِ»:  «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ حَتَّى نَفَخَ،  ثُمَّ جَاءَهُ المُؤَذِّنُ فَخَرَجَ فَصَلَّى وَلَم يَتَوَضَّأ». 

وسبب ذلك أنه تنام عينه ولا ينام قلبه؛ لحديث عائشة أَنَّهَا سَأَلَت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَت:  يَا رَسُولَ اللهِ،  تَنَامُ قَبلَ أَن تُوتِرَ؟  فَقَالَ:  «يَا عَائِشَةُ،  تَنَامُ عَينَايَ وَلَا يَنَامُ قَلبِي».

وهنا فائدة:

استُدل بحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا على مسألة فقهية أن النوم ليس بذاته ناقضًا للوضوء، ولكن لأنه مظنة لخروج الريح.

 قال شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ كما في «مجموع الفتاوى»(21/391) عن هذا الحديث: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَلْبَهُ الَّذِي لَمْ يَنَمْ كَانَ يَعْرِفُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ، وَلَوْ كَانَ النَّوْمُ نَفْسُهُ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ لَنَقَضَ كَسَائِرِ النَّوَاقِضِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[هل من خصوصياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لا ينتقض وضوؤه بلمس النساء]

فيه قولان: والصحيح أنه لا ينتقض وضوؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بمجرد اللمس، والدليل:

عن عائشة أَنَّهَا افتَقَدَت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسجِدِ،  فَوَقَعَت يَدُهَا عَلَيهِ وَهُوَ سَاجِدٌ،  وَهُوَ يَقُولُ:  «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِكَ،  وَبِمُعَافَاتِكَ مِن عُقُوبَتِكَ،  وَبِكَ مِنكَ لَا أُحصِي ثَنَاءً عَلَيكَ أَنتَ كَمَا أَثنَيتَ عَلَى نَفسِكَ» رواه مسلم (486).

وعن عائشة أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا»، قَالَتْ: وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. رواه البخاري (513ومسلم (512).

ولمس الرجل المرأة سواء للنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أو لغيره ليس بناقض للوضوء ولو كان بشهوة، ما لم يخرج مذي، أما المذي فخروجه من نواقض الوضوء.

وأما قوله تَعَالَى: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء: 43فالمراد به: الجماع، كما فسره بذلك حبر الأمة ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

 وهذه الآية من أدلة من قال: لمس المرأة ناقض للوضوء مطلقًا سواء كانت زوجة أو من المحارم غير الزوجة أو أجنبية، وهذا قول الشافعية، وعزاه الإمام النووي رَحِمَهُ اللهُ إلى كثير من أهل العلم.

والحنابلة على أنه إذا كان لمس المرأة بشهوة فهو ناقض، وإذا كان بغير شهوة لا يكون ناقضًا، والصحيح الأول: أنه إذا لمس المرأة ولو بشهوة ما لم يخرج مذي لا ينتقض الوضوء.