جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 26 يونيو 2022

(3) اختصار درس (مسائل الحج -فوائد حديث جابر الطويل في حجة الوداع)

 

                            فضل استلام الحجر الأسود بحق

 

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الحَجَرِ: «وَاللَّهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ» رواه الترمذي (961)، والحديث في «الصحيح المسند» (595) لوالدي رَحِمَهُ الله.

و«على» هنا بمعنى: اللام، كما في رواية الإمام أحمد (2214): «يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ».

وهذا يفيد: أن من ضمن الشهود يوم القيامة الحجر الأسود، نؤمن بما دل عليه هذا الحديث، أن الحجر الأسود يُبعث يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به، يشهد لمن استلمه بحق.

وقد جاء حديث «الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده» ولكنه حديث لا يثبت. ذكره الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في «سلسلة الأحاديث الضعيفة»(223وقال عنه: منكر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استلام الحجر عند الطواف

قال جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في حديث حجة الوداع: (حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ).

الركن هنا: الحجر الأسود.

والاستلام: اللمس مع المسح.

وهذا يفيد استحباب استلام الحجر الأسود.

ونستفيد: أن الطائف يبدأ من الحجَر الأسود، فليس لأحد أن يتقدم على الحجر بنية الطواف.

حالات استلام الحجر الأسود:

·                   أن يستلمه بيده ويقبِّله. روى البخاري (1597ومسلم (1270) عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ».

·                   أن يستلمه باليد ثم يقبلها، ثبت عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. رواه مسلم (1268).

·                   أن يلمسه بعصا ونحوها، وهذا إذا كان بعيدًا، ثم يقبِّل ما لمسه به؛ لحديث أبي الطُّفَيْلِ، يَقُولُ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ» رواه مسلم (1275).

·                   أن يكتفي بالإشارة من غير تقبيل. وهذا كما في «صحيح البخاري» (1613)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ». والإشارة غالبًا هي التي تتيسر.

قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «الشرح الممتع»(7/238): فالمراتب صارت أربعًا تفعل أولًا فأولًا، بلا أذية ولا مشقة. اهـ.

وبعض الناس يقف عند الإشارة إذا حاذى الركن، وهذا ليس عليه دليل، وإنما يشير وهو ماشٍ.

والإشارة معروفة، وذهب بعضهم كالحنفية أنه يرفع يديه كما يرفع يديه في الصلاة إذا كبر تكبيرة الإحرام، وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «الشرح الممتع»(7/239) كيفية الإشارة، وقال: مسألة: كيفية الإشارة؟ هل الإشارة كما يفعل العامة أن تشير إليه كأنما تشير في الصلاة، أي: ترفع اليدين قائلاً: الله أكبر؟

الجواب: لا، بل الإشارة باليد اليمنى، كما أن المسح يكون باليد اليمنى. اهـ.

وفي كلام الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ تنبيه: أن السنة أن يشير باليد اليمنى لا اليسرى، فهذا هو السنة، ويشمله عموم ما روى البخاري (5854ومسلم (268) عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَتَنَعُّلِهِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما هو الذكر الذي يقال عند الإشارة؟

يستحب التكبير، قال البخاري رَحِمَهُ اللهُ: (بَابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرُّكْنِ) ثم أخرج حديث ابن عباس: «طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ».

قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في «فتح الباري»: فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ.

وجاء زيادة التهليل (الله أكبر ولا إله إلا الله) وكذا الاستقبال. من طريق رجل مبهم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «يَا عُمَرُ، إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» رواه الإمام أحمد (189وهذا إسناده ضعيف؛ فيه مبهم.

وجاء قول «بِسْمِ اللَّهِ» عن ابن عمر موقوفًا عليه أنه كَانَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ» أخرجه عبدالرزاق في «المصنف»(8894والبيهقي في «السنن الصغرى»(1615).

قال الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في «حاشية حجة الوداع»(56): وأما التسمية فلم أرها في حديث مرفوع. اهـ.

فالتسمية من اجتهاد ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مع اشتهار هذا الذكر بين الناس، يقولون: «بِسْمِ اللَّهِ والله أكبر»، التسمية لم يُنقل عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

أما استقبال الركن عن بُعْدٍ فتقدم في حديث عمر، وسنده ضعيف. والقائلون بالاستقبال، يقولون: هذا عند عدم مشقة الزحام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استلام الركن اليماني

روى البخاري (1606ومسلم (1268) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «مَا تَرَكْتُ اسْتِلامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلا رَخَاءٍ، مُنْذُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُمَا».

وعند ما سأله أحد طلابه قال: أَمَّا الأَرْكَانُ: فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمَسُّ إِلَّا اليَمَانِيَّيْنِ. رواه البخاري (166ومسلم (1187).

فالركنان الشاميان لا يشرع استلامهما.

ومن الصحابي الذي كان يستلم الركنين الشاميين أيضًا؟

هذا جاء عن معاوية رضي الله عنه، روى الإمام أحمد (3533) عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمَا يَطُوفَانِ حَوْلَ الْبَيْتِ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ: الْيَمَانِيَ وَالْأَسْوَدَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ مَهْجُورٌ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هل يشير بيده ويكبر عند الانتهاء من آخر شوط؟

ظاهر حديث جابر رضي الله عنهما: (ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ) أنه ليس هناك إشارة وتكبير، النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعد أن انتهى من الطواف لم يفعل هذا، ولكن نفذ إلى مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم صلى ركعتين خلف المقام، ثم رجع إلى الركن فاستلمه. وهذا  قول الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ.

وذهب بعضهم إلى أنه إذا حاذى الركن يشير ويكبر.

 واستدلوا بما يلي:

 أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ. وهذا رواه البخاري عن ابن عباس. قالوا: هذا عام في أول الشوط وعند آخره.

 وكذلك استدلوا بحديث جابر رضي الله عنهما: كُنَّا نَطُوفُ، فَنَمْسَحُ الرُّكْنَ الْفَاتِحَةَ، وَالْخَاتِمَةَ. رواه الإمام أحمد (23/392وهذا فيه عبدالله بن لهيعة، وهو ضعيف.  

الفاتحة: أول شوط، والخاتمة: آخر شوط.

وقالوا: الإشارة والتكبير فرع الاستلام والتقبيل، فكما أن من لم يتيسر له استلام الركن يشرع له الإشارة إليه والتكبير، وهذا القول الثاني قول الشيخ ابن باز رَحِمَهُ اللهُ.

وقال والدي في «إجابة السائل»(141) ط/ الحرمين: إن استطعتَ أن ترجع إلى الحجر الأسود وتقبِّلُهُ فعلتَ، وإن لم تستطع تشير إليه من بُعْدٍ.

علمنا مما تقدم: أن ظاهرَ حديث جابر أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يستلم الركن عند انتهائه من آخر شوط، ولكنه لما أكمل ذهب وصلى خلف المقام، وعند ذهابه إلى المسعى رجع إلى الركن واستلمه، ثم ذهب إلى الصفا والمروة.

 والأمر واسع لكن هذا الذي يظهر أنه ليس فيه دليل على التكبير والإشارة في خاتمة الطواف بالبيت، لكن لو استطاع أن ير جع بعد صلاة ركعتي الطواف إلى الركن ويستلمه فهذا سنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكم رفع اليدين والدعاء عند رؤية الكعبة

جاء عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا، وَتَعْظِيمًا، وَتَكْرِيمًا، وَمَهَابَةً، وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ، وَكَرَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا» رواه الشافعي في «مسنده»(874والبيهقي في «السنن الصغرى»(1606فهذا من طريق ابن جريج مرسلًا، فعلى هذا لا يشرع لمن رأى البيت رفع اليدين والدعاء، لكن يقرأ الذكر الوارد عند دخول المسجد، كالآتي:

عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ» رواه مسلم (713).

وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ: ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ». رواه أبو داود (466وهو في «الصحيح المسند» (805) لوالدي رَحِمَهُ الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكم التزام الملتَزَم

المراد بالالتزام كما قال الشيخ ابن عثيمين في «مجموع الفتاوى»(22/418): هو أن يلصق الإنسان صدره وخده ويمد يديه، ما بين الحجر الأسود والباب، هذا هو محل الالتزام.

والملتزم جاء في التزامه بعض الأحاديث، منها:

عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أنه استلم الحَجَر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجه وذراعيه وكفيه، وهكذا، وبسطهما بسطًا، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. أخرجه أبو داود (1899وفيه المثنى بن الصباح ضعيف.

وعن عبد الرحمن بن صفوان قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي، وكانت داري على الطريق فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم. رواه أبو داود (1898وأحمد.

وفيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي، ضعيف.

وثبت موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما: «هَذَا الْمُلْتَزَمُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ» رواه عبدالرزاق في «المصنف» (9047وسنده صحيح.

وقد ذهب إلى استحباب الالتزام أكثر أهل العلم، والمراد: لمن قدر عليه، وفيه بعض الأدلة كما تقدم، ولكنها لا تخلو من ضعفٍ، وفعله عدد من الصحابة، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ الألباني رَحِمَهُم اللهُ.

وهناك آخرون من الصحابة لم يكونوا يفعلونه، قال عبدالرزاق في «المصنف»(9037) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَلَا جَابِرًا وَلَا أَبَا سَعِيدٍ وَلَا ابْنَ عُمَرَ يَلْتَزِمُ أَحَدٌ مِنْ زَمْزَمَ الْبَيْتِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرمل في الطواف حول البيت

 قال جابر في حديث حجة الوداع: (فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا).

فيه أن عدد الأشواط سبعة.

وفيه مشروعية الرَّمَل في الثلاثة الأشواط الأول. والرَّمَل: هو سرعة المشي مع تقارب الخُطا.

و لا يشرع الرمل في غير طواف القدوم، مثل: طواف الإفاضة.

وطواف القدوم لا يشرع أيضًا للمكي، إلا إذا جاء من مكان بعيد من خارج مكة، قال النووي رَحِمَهُ اللهُ في «المجموع»(8/12): فَأَمَّا الْمَكِّيُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ؛ إذْ لَا قُدُومَ لَهُ. اهـ.

ومشروعية الرمل في حق الرجل دون المرأة، قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» رقم (2477): وَالْمَرْأَةُ لَا يُسَنُّ لَهَا أَنْ تَرْقَى؛ لِئَلَّا تُزَاحِمَ الرِّجَالَ، وَتَرْكُ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا، وَلَا تَرْمُلْ فِي طَوَافٍ وَلَا سَعْيٍ.

فالمرأة ليس عليها رمل ولا صعود على الصفا؛ سترًا لها، ولأنها فتنة.

وظاهر حديث جابر رضي الله عنهما أنه يرمل في الثلاثة الأشواط الأولى كلها، وقد جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. رواه البخاري (1602ومسلم (1266)

ولا تعارض بينهما فحديث جابر ناسخ لحديث ابن عباس في المشي بين الركنين؛ لأنه متأخر؛ إذ أن حديث ابن عباس في عمرة القضاء في السنة السابعة، وحجة الوداع كانت في السنة العاشرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 الذكر عند الطواف

هذا من مستحبات الطواف أن يشغل نفسه بذكر الله عَزَّ وَجَل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ كما في «مجموع الفتاوى»(26/122): وَيُسْتَحَبُّ لَهُ فِي الطَّوَافِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوَهُ بِمَا يُشْرَعُ وَإِنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ سِرًّا فَلَا بَأْسَ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مَحْدُودٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا بِأَمْرِهِ وَلَا بِقَوْلِهِ وَلَا بِتَعْلِيمِهِ بَلْ يَدْعُو فِيهِ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ دُعَاءٍ مُعَيَّنٍ تَحْتَ الْمِيزَابِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا أَصْلَ لَهُ. وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْتِمُ طَوَافَهُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[البقرة: 201كَمَا كَانَ يَخْتِمُ سَائِرَ دُعَائِهِ بِذَلِكَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ ذِكْرٌ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. اهـ.

أما ما جاء عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بين الركنين اليمانيين ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ كان والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ اللهُ يضعفه.

فينبغي للطائف أن يشغل نفسه بذكر الله عَزَّ وَجَل، وإن شاء أن يقرأ القرآن قرأ، ولا يشغل نفسه بالكلام وبالرد على الاتصالات والمكالمات الهاتفية.

وقد جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، فَأَقِلُّوا بِهِ الْكَلَامَ» رواه النسائي في «السنن الكبرى»(3931) وهو موقوف على عبدالله بن عباس، وهو ثابت إليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 إذا شك هل طاف خمسًا أو ستًّا؟

 يبني على الأقل، ويجعلها خمسًا، كما إذا حصل شك للمصلي في الصلاة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ» رواه مسلم (571).

قال ابن المنذر في «الإجماع»(68): وأجمعوا على أنه من شك في طوافه بنى على اليقين. اهـ.

 

وأما إذا طرأ الشك بعد الفراغ من العبادة لا اعتبار به ولا يلتفت إليه.

 

وإذا اختلف الطائف مع صاحبه، يقول: أكملت سبعة أشواط، وصاحبه يقول: إنما هي سته، فماذا يعمل؟

إذا كان متيقنًا فيعمل بيقينه، وإذا شك فيعمل بقول صاحبه ويبني على الأقل، والله أعلم.

وينبغي للطائف أن يحرص على التركيز والانتباه، ويعدَّ لنفسه، ويستشعر أنه في شعيرة عظيمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 بعض الجهال يطوف بالبيت من داخل الحِجْر، فهل فعله صحيح؟

الطواف لا يحسب لمن طاف من داخل الحِجر؛ لأن الحِجر من البيت فيكون نقص من الشوط ولم يأتِ به كاملًا، روى البخاري(7243ومسلم (1333) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الجَدْرِ، أَمِنَ البَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي البَيْتِ؟ قَالَ: «إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ»، قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا، قَالَ: «فَعَلَ ذَاكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا، وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ، أَنْ أُدْخِلَ الجَدْرَ فِي البَيْتِ، وَأَنْ أَلْصِقْ بَابَهُ فِي الأَرْضِ».

 وما أكثر أخطاء الحجاج والمعتمرين!

فينبغي للحجاج أن يهتمُّوا بالتفقه في أحكام الحج، فالعلم نور يُضيءُ للناس، وأن يسألوا عن الدليل، وهذا هو العلم النافع لا الأقوال الخالية من الأدلة، والحمد لله على ما أنعم الله علينا من الاهتمام بالدليل، كثير من الناس لا يهتم بهذا، عبارة عن مقلِّد، وجزى الله علماءَنا خيرًا وخاصة والدي؛ إذ حثونا على معرفة الأدلة، ووالدي رَحِمَهُ اللهُ يقول: سلوا عن الدليل إن أحببتم أن تكونوا طلبة علم، ويذكر قصة الأعرابي الذي جاء إلى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقال له: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ؟ رواه البخاري (63) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوضوء قبل الطواف

ثبت في حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالت: أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً. رواه البخاري (1614ومسلم (1235). وهذا للاستحباب إذا كان الحدث حدثًا أصغر.

 أما إذا كان الحدث حدثًا أكبر فيجب الطهارة؛ ولهذا مُنِعت الحائض من الطواف بالبيت؛ بسبب أنها على غير طهارة، فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال لها: «فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» رواه البخاري (305ومسلم (1211).

وروى البخاري (328ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ»، فَقَالُوا: بَلَى، قَالَ: «فَاخْرُجِي».

وقصة صفية دليل على سقوط طواف الوداع عن الحائض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صلاة ركعتين خلف المقام

جاء في حديث جابر الطويل في حجة الوداع: (ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَرَأَ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِي يَقُولُ-وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم-: كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص: 1] وَ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾[الكافرون: 1]، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ»).

الفوائد:

v                فيه استحباب قراءة: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ عند الذهاب إلى المقام.

v                وفيه أن العبد يشعر أنما فعل العبادة امتثالًا لأمر الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقرأ هذه الآية.

v                وفيه استحباب صلاة ركعتين خلف المقام، قال النووي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح صحيح مسلم»: هَذَا دَلِيلٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ طَائِفٍ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ. اهـ.

فإذا انتهى من الطواف يذهب إلى المقام، ويجعل المقام بينه وبين البيت، ثم يصلي ركعتين، وهذا للاستحباب، فإن لم يتيسر له صلى في أي مكان في المسجد.

ومن كان له عذر فله أن يصليها خارج المسجد؛ لحديث أم سلمة، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ». فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ. رواه البخاري (1626).

وركعتا الطواف تصلى ولو كان الوقت وقت كراهة؛ لحديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» رواه ابن ماجه(1254وهو في الصحيح المسند (258)

v                وفيه استحباب قراءة﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ و﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ في ركعتي الطواف، وهذا يدل على تخفيف القراءة في ركعتي الطواف.

v                وفيه أن المقام غير ملتصق بالبيت.

v                وفيه استحباب الرجوع إلى الركن عند الفراغ من الطواف واستلامه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هل القراءة في الركعتين بعد الطواف يكون سرًّا أو جهرًا؟

جواب والدي رَحِمَهُ اللهُ في هذه المسألة: لم ينقل عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه جهر بها، تصلى سرًّا، ولو جهر فلا ينكر عليه، ويقول: أنه قد أخطأ. المرجعأشرطة فقهية».