مِنْ فقه أُمِّ سُليمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
عَنْ أَنَسِ بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا.
قَالَ ثَابِتٌ الراوي عن أنس هذا الحديث: فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ، فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ.
رواه النسائي (3341)، وذكره والدي الشيخ مقبل في «الصحيح المسند» (98).
وهذا الحديث فيه أحكام وفوائد، منها:
-فضل أمِّ سُليم، وأنها كانت السبب في إسلامِ أبي طلحة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وقد قال البخاري في «صحيحه»(رقم الترجمة 5 من كتاب النكاح): بَابُ مَنْ هَاجَرَ أَوْ عَمِلَ خَيْرًا لِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَلَهُ مَا نَوَى.
قال الحافظ في شرح هذه الترجمة: يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ عَمِلَ خَيْرًا، مَا وَقَعَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فِي امْتِنَاعِهَا مِنَ التَّزْوِيجِ بِأَبِي طَلْحَةَ حَتَّى يُسْلِمَ؛ وَوَجْهُ دُخُولِهِ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ رَغِبَتْ فِي تَزْوِيجِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمَنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ كُفْرُهُ، فَتَوَصَّلَتْ إِلَى بُلُوغِ غَرَضِهَا بِبَذْلِ نَفْسِهَا، فَظَفِرَتْ بِالْخَيْرَيْنِ.
وقول الحافظ: فَظَفِرَتْ بِالْخَيْرَيْنِ، أي: بإسلامه والزواج به.
-تحريم زواج المسلمة بالكافر.
-وفيه: عقيدة أمِّ سُليم الراسخة واعتزازُها بدينِهَا، فلم تتنازل عن عقيدتِهَا ودينِها؛ لتتزوَّجَ بأبي طلحة.
وهذا فيه تنبيه للبنت أنها تختار صاحب الدِّينِ، فلا تتزوج بمشرك، ولا تارك للصلاة، ولا مبتدع...
-عِظَمُ مَهْرِ أم سُليم؛ فلهذا قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ.
وهذا أيضًا فيه تربيةٌ للبنات وأولياء أُمورِهِنَّ ألَّا يجعلُوا أهَمَّ شيءٍ عندهم أن يكون الخاطب ذا مالٍ كثيرٍ، وصاحب تجارة، وأن يكون عنده وظيفة...
-خلُقُهَا وطِيْبُ ألفاظِهَا؛ فقد وصفَتْ أبا طلحة بكلمة جامعة، وقالت: وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ، ثم بيَّنت له السبب في ردِّهِ، أنَّهُ كافر وهي مسلمة.
فهكذا فليتعوَّدِ النساءُ والبنات على الألفاظ الطيبة، عند مخاطبتهنَّ لأهلِهِنَّ، وأُمَّهاتِهِنَّ، وأخواتهنَّ، وصديقاتِهِنَّ، ومُعلِّمَاتِهِنَّ...
