الاستمرار في الإحسان بعد حصول الخصام
عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في حادثة الإفك، وفيه أن أبا بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أراد أن يمتنع من النفقة على مسطح، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 173] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ» رواه البخاري (2661)، ومسلم (2770).
كان أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ينفق على مسطح، فلما نزلت براءة عائشة قال: «وَاللَّهِ لا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ»؛ لأنه خاض مع من خاض.
« فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ». أي: رجع رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى إحسانه.
ونستفيد فائدة: أن من تعود على عطاء ثم حصل خصام أنه لا يقطع إحسانه، وهذا من الآداب، عادة الناس أنه إذا حصل خصام يحصل انقطاع وتهاجر، الله سبحانه يأمرنا بالعفو والاستمرار في الفضل والعطاء.
ويدل أيضًا أن هذا الفعل –الاستمرار في العطاء بعد حصول الخصام-من أسباب الغفران؛ لهذا قال أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي» استسلام فورًا ومبادرة وامتثال لم يتردد أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بعد نزول الآية، ومن غفر غفر الله، ومن تجاوز تجاوز الله عنه، ومن عفا عفا الله عنه، الجزاء من جنس العمل.