[مِنَ الخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ]
أول من تنشق عنه الأرض
أول من ينشق قبره ويقوم منه نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والدليل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة».
الصعق يوم القيامة ومَن يكون أول الناس إفاقة منه؟
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ العَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ» رواه البخاري (2411)، ومسلم (2373).
هذا الحديث يفيد أن الناس يصعقون يوم القيامة، وأول من يفيق نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
وقد تردَّدَ نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في شأن نبي الله موسى هل صعق فأفاق قبله أم أنه جوزي-أي: حُوسِب-بصعقة الطور فلم يصعق؟
تنبيه
هناك رواية بهذا اللفظ: «فَإِنَّ النَّاسَ يُصعَقُونَ يَومَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَن تَنشَقُّ عَنهُ الأَرضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بقَائِمَةٍ مِن قَوَائِمِ العَرشِ، فَلَا أَدرِي أَكَانَ مِمَّن صُعِقَ أَم جُوزِيَ بِصَعقَتِهِ الأُولَى» رواه البخاري(2412) عن أبي سعيد.
وقد نبَّه أبو الحجاج المزي وابن القيم وابن كثير، وتبعهم على ذلك ابن أبي العز في «شرح الطحاوية»(2/603) نبهوا على هذا اللفظ، وأن الصحيح فيه أنه جاء بلفظَيْنِ: أَحدهمَا: «أن النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أول من يفِيق».
وَالثَّانِي: «أَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة».
ولكن دخل على بعض الرواة إدخال أحد الحديثين في الآخر.
واختلفوا في المراد بالصعق في هذا الحديث على أقوال، وقد ذكر ابن كثير قولين:
أحدها: أنه غشيٌ يكون يوم القيامة على أهل الموقف من شدة الأمر، ولأن الله عَزَّ وَجَل يتجلى لعباده، وقد يكون لأمور أخرى يعلمها الله، فيصعقون بما فيهم الأنبياء عليهم السلام عدا نبي الله موسى فقد حصل فيه تردد، وهو قول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا أدرى أَفَاق قبلي أم جوزي بصعقة الطّور».
(وَهَذَا حَقِيقَةُ الإِفَاقَةِ)، كما يقول ابن كثير، أي: أنها تكون عن غشي.
الثاني: أن المراد بالصعق الموت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صاحب لواء الحمد يوم القيامة
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ». رواه الترمذي (3615)، وأحمد (2546) عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وفيه زيد بن جدعان ضعيف، ولكن قد ذكر له الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ بعض الشواهد في «الصحيحة» (1571).
وقوله: «لِوَاءُ الحَمْدِ»، اللِّوَاء: الرَّايَة، وَلَا يُمْسِكُها إلَّا صاحبُ الجَيْش. كما في «النهاية» (4/279).
قال الطِّيبِيُّ: «لِوَاءُ الْحَمْدِ»، عِبَارَةٌ عَنِ الشُّهْرَةِ وانفراده بالحمد على رؤوس الْخَلَائِقِ. وَيُحْتَمَلُ: أَنْ يَكُونَ لِحَمْدِهِ لِوَاء يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَقِيقَةً يُسَمَّى: لِوَاءَ الْحَمْدِ. ذكره المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (8/465)، ثم تعقب القول بأنه عبارة عن الشهرة، وقال: قُلْتُ: حَمْلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ هُوَ الظَّاهِرُ، بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إِلَى الْمَجَازِ مَعَ إِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ. اهـ.
فحمل اللواء يوم القيامة على الحقيقة وهو اللواء المعروف هو الواجب؛ لأن الأصل الأخذ بظواهر النصوص، ما لم يرد صارف، وتفسيره بالشهرة صرفٌ لظاهر اللفظ من غير دليل، فهذا من خصائص النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أن الله عَزَّ وَجَل يعطيه يوم القيامة لواء يسمى: لواء الحمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يُبْعَثُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو وَأُمَّتُهُ عَلَى نَشَزٍ مِنَ الأَرْضِ
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قال: «يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، وَيَكْسُونِي رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي، فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَقُولَ فَذَاكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ» رواه أحمد (25/60) ، وصححه الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (2370).
قوله: «عَلَى تَلٍّ» التل: الشيء المرتفع.
وهذا من خصائص النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وأمته أنهم يكونون يوم القيامة على شيء مرتفع دُونَ سَائِرِ الأُمَمِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الأحاديث الواردة في الخصائص
عن أبي موسى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أُذِنَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ فِي السُّجُودِ، فَيَسْجُدُونَ لَهُ طَوِيلًا، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ، قَدْ جَعَلْنَا عِدَّتَكُمْ فِدَاءَكُمْ مِنَ النَّارِ»، والحديث ضعيف جدًّا؛ فيه عبد الأعلى بن أبي المساور متروك، وجبارة بن المغلس ضعيف؛ ولهذا ذكر الحديث الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في «الضعيفة» (2549).
وقوله: «قَدْ جَعَلْنَا عِدَّتَكُمْ فِدَاءَكُمْ مِنَ النَّارِ» أي: قدر عددكم من اليهود والنصارى والمشركين. المرجع: «شرح سنن ابن ماجه» لمحمد بن علي بن آدم رَحِمَهُ اللهُ.
وهذا الجزء من هذا الحديث قد رواه الإمام مسلم (2767) بمعناه عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ».
ولهذا الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ استثنى من تضعيف الحديث هذه الجملة؛ لأنها ثابتة في «صحيح مسلم» بهذا المعنى.
«فِكَاكُكَ» أي: فداؤك من النار.
ـــــــــــــــــــــ
أولويات اختص الله الأمة المحمدية بها دون سائر الأمم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وحُذَيْفَةَ، وفيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ»، وَفِي رِوَايَةٍ له: «الْمَقْضِيُّ بَيْنَهُمْ» رواه مسلم (856).
وهذا دليل أن أول من يحاسب من الخلائق يوم القيامة أمة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وهذا من نِعَمِ الله عَزَّ وَجَل على هذه الأمة، فهي آخر الأمة زمنًا، وأولهم فضلًا وسبقًا، وفي هذا المعنى ما جاء عن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ، يُقَالُ: أَيْنَ الْأُمَّةُ الْأُمِّيَّةُ، وَنَبِيُّهَا؟ فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ» رواه ابن ماجه (4290)، وهو في «الصحيح المسند» (658) لوالدي رَحِمَهُ الله.
قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ في «تفسيره» (4/272): وَهَذِهِ الْأُمَّةُ الشَّرِيفَةُ وَإِنْ كَانَتْ آخِرَ الْأُمَمِ فِي الْخَلْقِ، إِلَّا أَنَّهَا أَوَّلُ الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ، وَيُقْضَى لَهُمْ.
فهذه الأمة لها أولويات اختصها الله بها دون سائر الأمم، ومن هذا أيضًا:
· أنها أول من يدخل الجنة كما روى الإمام مسلم (855) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» الحديث.
· أنها أول من يمر على الصراط كما روى البخاري (806)، ومسلم (182) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، الحديث وفيه: «فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ» الحديث. ولفظ مسلم «فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ».
وعموم قول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاري (876)، ومسلم (855) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. يدل على هذه المسائل.
· قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في «فتح الباري» (2/354): أَيِ: الْآخِرُونَ زَمَانًا الْأَوَّلُونَ مَنْزِلَةً، وَالْمُرَادُ: أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُودُهَا فِي الدُّنْيَا عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَهِيَ سَابِقَةٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، بِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ يُحْشَرُ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ، وَأَوَّلُ مَنْ يُقْضَى بَيْنَهُمْ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ. اهـ.
هذه أربع خصائص لهذه الأمة، ويشملها عموم قول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ».
فهذه الأمة شرَّفَها الله واختصها بخصائص؛ لشرف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ الله في «تفسيره» (4/273): فَأُمَّتُهُ إِنَّمَا حَازَتْ قَصَب السَّبْقِ؛ لِشَرَفِ رَسُولِهَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
ـــــــــــــــــــــ
أَشْرَفُ بِقَاعِ الأَرْضِ
مكة حرسها الله أشرف بقاع الأرض، يقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» رواه الترمذي (3925)عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ، وهو في «الصحيح المسند» (710) لوالدي رَحِمَهُ الله.
وقوله«لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ» أي: أفضل، وهذا نص في المسألة. وقد ذهب الجمهور أن أفضل البقاع مكة ثم المدينة.
وذهب جمهور المالكية: أن المدينة أفضل من مكة، وقول الجمهور هو الصحيح، والحديث السابق نص في فضل مكة على المدينة، وبعضهم يقول: بالنسبة للسكنى والبقاء الأفضل المدينة، وهذا يرده الدليل السابق، والجمهور على خلافه. الجمهور على أن أفضل البقاع مكة ثم المدينة.
والمدينة فضائلها كثيرة لكن لا يدل ذلك أنها أفضل من مكة. ومن الأحاديث في فضلها:
· عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلَّا أَذَابَهُ اللهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ» رواه مسلم (1363).
· عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى المَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا» رواه البخاري (1876)، ومسلم (147).
«لَيَأْرِزُ» أي: ينضم.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا» رواه الترمذي (3917)، وهو في «الصحيح المسند» (735) لوالدي رَحِمَهُ الله.
وقد نقل القاضي عياض الاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ قَبرَهُ الَّذِي ضَمَّ جَسَدَهُ بَعدَ مَوتِهِ أَفْضَلُ بِقَاعِ الأَرْضِ، وهذا القول غير صحيح أن قبر النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الذي ضم جسده بعد موته أفضل بقاع الأرض على الإطلاق، وقد تعقب هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ في «مجموع الفتاوى»(27/38).
ـــــــــــــــــــــ
من خصائص النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يرى من وراء ظهره
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي-وَرُبَّمَا قَالَ: مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي-إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ» رواه البخاري (742)، ومسلم (425).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا؟ فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلا رُكُوعُكُمْ، إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» رواه البخاري (418)، ومسلم (424).
أما معنى الحديث: قال النووي رَحِمَهُ اللهُ (4/149): قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدْرَاكًا فِي قَفَاهُ يُبْصِرُ بِهِ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَدِ انْخَرَقَتِ الْعَادَةُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَلَيْسَ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا عَقْلٌ وَلَا شَرْعٌ، بَلْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِظَاهِرِهِ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ. قَالَ الْقَاضِي: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: هَذِهِ الرُّؤْيَةُ رُؤْيَةٌ بِالْعَيْنِ حَقِيقَةً. اهـ.
وقد قال بعضهم: إن هذا المراد به العلم، وبعضهم قال: إنه إلهام يلهمه الله عز وجل، وقال بعضهم: إن المراد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان يرى شيئًا عن يمينه، وعن يساره مما تدركه العين عند الالتفات اليسير.
وقد انتقد هذا الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث، وقال: وَهَذَا ظَاهِرُ التَّكَلُّفِ، وَفِيهِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ بِلَا مُوجِبٍ، وَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ هَذَا الْإِبْصَارَ إِدْرَاكٌ حَقِيقِيٌّ خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْخَرَقَتْ لَهُ فِيهِ الْعَادَةُ. اهـ.
وهل هذا عام داخل الصلاة وخارجها؟
تقدم في ألفاظ هذا الحديث ما يدل على أن هذا خاص بالصلاة، لهذا يقول الحافظ في «فتح الباري» (1/515): وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاقِعًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ. اهـ.
وتبويب والدي رحمه الله في «الصحيح المسند من دلائل النبوة» يفيد أن هذا خاص بالصلاة.