جديد الرسائل

الأحد، 23 يناير 2022

(46)التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ

حادثة شق صدر النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ

جاءت حادثة شق صدره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أكثر من مرة:

-كان في ليلة الإسراء، وهذا رواه البخاري (7517).

-ومرة كان في صباه وهو مسترضع عند حليمة السعدية، وهذا رواه مسلم (162).

-وجاء أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ شُقَّ صدرُه وهو ابن عشر سنين، وهذا رواه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (35/181) عن أبي بن كعب، وفيه مجاهيل.

-وجاء أنه شُقَّ صدره عند المبعث، وعلى هذا يكون شُقَّ صدره وعمره أربعون عامًا؛ لأنه بعث وهو ابن أربعين عامًا، وهذا الحديث رواه إسحاق بن راهويه في «المسند»(1689) وفي إسناده مبهم .

وأخرجه أبو محمد الحارث بن أبي أسامة كما في «بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث»(928وأبو نعيم في «دلائل النبوة»(163وفيه تسمية المبهم يَزِيد بْن بَابَنُوسَ، قَال الدَّارَقُطْنِيُّ: لا بأس به. «تهذيب الكمال»(32/92). وقد سمع من عائشة كما قال البخاري في «التاريخ الكبير»(3174وقال ابن عدي في «الكامل»(9/169): سمعتُ ابنَ حماد يذكره عن البخاري، ثم قال ابن عدي: أحاديثه مشاهير.

 ولكن في الإسناد إليه دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ وهو شديد الضعف، قال الحافظ في «تقريب التهذيب»: متروكٌ، وأكثرُ كتاب «العقل» الذي صنَّفه موضوعاتٌ.

وقد ذكر الحافظ في «فتح الباري»(3887) الحكمة في شقِّ صدره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الثلاث الحالات، وقال:

أما الشق في حديث أنس فكَانَ هَذَا فِي زَمَنِ الطُّفُولِيَّةِ، فَنَشَأَ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْعِصْمَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ.

 ثُمَّ وَقَعَ شَقُّ الصَّدْرِ عِنْدَ الْبَعْثِ زِيَادَةً فِي إِكْرَامِهِ؛ لِيَتَلَقَّى مَا يُوحَى إِلَيْهِ بِقَلْبٍ قَوِيٍّ فِي أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ مِنَ التَّطْهِيرِ.

 ثُمَّ وَقَعَ شَقُّ الصَّدْرِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْعُرُوجِ إِلَى السَّمَاءِ؛ لِيَتَأَهَّبَ لِلْمُنَاجَاةِ.

هل كان شق صدره وغسله من خصوصياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو وقع له ولغيره من الأنبياء؟

 ذكر هذه المسألة ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في «فتح الباري»(3887وقال: وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي قِصَّةِ تَابُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ الطَّسْتُ الَّتِي يُغْسَلُ فِيهَا قُلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِالْمُشَارَكَةِ، وَسَيَأْتِي نَظِيرُ هَذَا الْبَحْثِ فِي رُكُوبِ الْبُرَاقِ. اهـ.

وأما قول الحافظ رَحِمَهُ الله: «وَسَيَأْتِي نَظِيرُ هَذَا الْبَحْثِ فِي رُكُوبِ الْبُرَاقِ» يعني: مسألة هل ركوب البراق من خصائص النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أم لا؟

قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في «فتح الباري» (3887) عن حديثٍ فيه قول جبريل للبراق: «اسكُن فَوَاللهِ مَا رَكِبَكَ خَيرٌ مِنهُ»، -والحديث رواه الترمذي (3131وأحمد (20/107) من طريق معمر عن قتادة عن أنس، وفي ورواية معمر عن البصريين ضعف، وقتادة بصري. ولكن ذكر له الحافظ بعض الطرقِ الأُخرىفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْبُرَاقَ كَانَ مُعَدًّا لِرُكُوبِ الْأَنْبِيَاءِ خِلَافًا لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ كَابْنِ دِحْيَةَ.

ثم قال الحافظ: ويؤيده ظاهر قوله: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ». اهـ.

وهذا رواه الإمام مسلم (162) عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.