جديد الرسائل

الاثنين، 24 يناير 2022

(111)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ

 

[سورة الحج (22) : الآيات 77 الى 78]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ﴾إلى قوله: ﴿ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)﴾

السجود في آخر سورة الحج عند هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾ فيه خلاف، ولم يثبت فيه الحديث؛ عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِسَجْدَتَيْنِ، فَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا». الحديث رواه أحمد، وفيه عبدالله بن لهيعة ضعيف.

ولهذا اختار الطحاوي رَحِمَهُ اللهُ أنه لا سجود فيها.

﴿وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ﴾ أَيْ: بِأَمْوَالِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ.

﴿هُوَ اجْتَباكُمْ﴾ أَيْ: يَا هَذِهِ الْأُمَّةُ اللَّهُ اصْطَفَاكُمْ وَاخْتَارَكُمْ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَفَضَّلَكُمْ وَشَرَّفَكُمْ وَخَصَّكُمْ بِأَكْرَمِ رَسُولٍ وَأَكْمَلِ شَرْعٍ.

﴿ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ أَيْ: مَا كَلَّفَكُمْ مَا لا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشق عَلَيْكُمْ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا. قاله ابن كثير.

﴿مِنْ حَرَجٍ﴾ أي: مِنْ ضِيقٍ.

﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ﴾ قَالَ ابن جرير: نصب على تقدير ﴿ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ أَيْ: مِنْ ضِيقٍ بَلْ وَسَّعَهُ عَلَيْكُمْ كَمِلَّةِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْزَمُوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ.

﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ﴾ قولان في من الذي سمانا مسلمين:

أحدهما: أنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ لقوله تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)﴾[البقرة:128 ].

القول الثاني: أن الذي سمانا مسلمين الله عز وجل، وهذا قول ابن جرير وابن كثير، ويدل لهذا حديث الحارث الأشعري عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جِثِيِّ جَهَنَّمَ» قَالَ رجل: يا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ صَامَ وَصَلَّى؟ قَالَ «نَعَمْ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى» فَادْعُوَا بِدَعْوَةِ اللَّهِ الَّتِي سَمَّاكُمْ بِهَا الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ». هذا الحديث يبين أن الذي سمانا مسلمين الله عَزَّ وَجَل، والحديث في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»( 285). وفيه يدل على أن دعوى الجاهلية من كبائر الذنوب.

﴿ وَفِي هَذَا  أي: في القرآن.

﴿مِنْ قَبْلُ ﴾ أي: في الكتب المتقدمة.

 

﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ﴾ أي: شهيدًا على هذه الأمة أنه بلغها الرسالة، ﴿ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ﴾ في عرصات يوم القيامة تشهد هذه الأمة على الأمم أن الرسل بلغتهم رسالة ربهم.

من الفوائد:

-أن من أسباب الفلاح هذه الخصال المذكورة في الآية: الركوع، السجود، ذكر الله، فعل الخير.

- الحث على المجاهدة في طاعة الله، ولا بد من المجاهدة: مجاهدة النفس الأمارة بالسوء، وقد قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُجَاهِدُ مِنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه الإمام أحمد (39/ 386) عن فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وهو في «الصحيح المسند» (1065) لوالدي رَحِمَهُ الله. وجهاد النفس أعظم أنواع الجهاد، وهناك أنواع أخرى للجهاد: جهاد الكفار، وجهاد المنافقين، وجهاد الشيطان.

- فضيلة لهذه الأمة وشرف لها، ﴿هُوَ اجْتَباكُمْ﴾.

- التخفيف عن هذه الأمة ﴿وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾، بخلاف الأمم المتقدمة.

- الحث على اتباع ملة أبينا إبراهيم.

-وفيه أن الله سمانا مسلمين، وهذا يفيد الحث على التمسك بالإسلام وترك الحزبيات والتعصبات، والنعرات الجاهلية وغير ذلك مما يخالف ديننا الحنيف.

-في هذه الآية ثلاث خصائص لهذه الأمة: أن الله عز وجل اجتباها واصطفاها، أن الله عز وجل خفف عنها الأثقال والتشديدات التي كانت على الأمم المتقدمة، أن هذه الأمة تكون شهداء يوم القيامة على الناس أن الرسل بلغت رسالة الله عز وجل.

-وفيه شكر الله على النعم؛ لهذا بعد هذه الفضائل قال الله: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾.

انتهى تفسير سورة الحج، ولله الحمد والمنة.