جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

(19) فقهُ التَّعاملِ بين الزوجين

 

تودُّدُ المرأة لزوجها

عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنَا، فقَالَ: أَقُولُ يَا أُمَّهْ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا، قَالَ: فَقَالَتْ: دَعُونَا مِنْ رَطَانَتِكُمْ هَذِهِ، قَالَ ابْنُ عُمَيْرٍ: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي» قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ ، قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ... ﴾ الْآيَةَ كُلَّهَا [آل عمران: 190] » روه الإمام ابن حبان (620) وهو في «الصحيح المسند» (1627) لوالدي رَحِمَهُ اللهُ.

في هذا الحديث عبيد بن عمير التابعي الجليل يسأل أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها عن أعجب شيء رأت من النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فسكتت؛ لأنه سأل عن سؤال دقيق، عن سؤالٍ ذي شأن: «أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَسَكَتَتْ»، وأعجب أفعل تفضيل يدل على المشاركة وزيادة، كأنه يقول: أعجب شيء رأيتيه من النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في حياته كلها. وَقد مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهَا نَحْوُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا، وعاشت معه رَضِيَ اللَّهُ عَنْها تسع سنين، ثم ذكرت له عائشة عبادة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في ليلة من الليالي، أنه لما دخل إليها رغب أن يتفرغ للعبادة فقال: «يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي».

 فكان جوابها له: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ» جواب في غاية الأدب والاحترام، وفي غاية الود والإكرام، «وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ» وهو النوم مع النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وقد جاء في رواية «وَقَدْ دَخَلْتُ فِرَاشِي، فَدَخَلَ مَعِي حَتَّى لَصَقَ جِلْدَهُ بِجِلْدِي» رواه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (4618).

«وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ» أي: أنا موافقة أن تتفرغ هذه الليلة للعبادة؛ لأني «أُحِبُّ مَا سَرَّكَ»، ولم يؤثِّر قولها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا للنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ»، بل نهض لعبادة ربه عَزَّ وَجَل.

وفي هذا تقوية لحمل النفوس على الجد في طاعة الله، والحث على التفكر في عظمة الله، وتدبر القرآن. وقد بكى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حتى بلَّ ما حوله من الأرض. الخشية هي خشية القلوب، يا لله كم نفقدها ؟!