[سورة الحج (22):الآيات 58 الى 60]
﴿وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ إلى قوله﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)﴾
﴿ثُمَّ قُتِلُوا﴾،قال ابن كثير:أَيْ فِي الْجِهَادِ.
﴿أَوْ مَاتُوا﴾ أَيْ:حَتْفُ أَنْفِهِمْ،أَيْ:مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ عَلَى فُرُشِهِمْ.
﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً﴾ أَيْ لَيُجْرِيَنَّ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِ وَرِزْقِهِ مِنَ الْجَنَّةِ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ.
﴿ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ﴾ أَيِ:الْجَنَّةَ.
﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ﴾ أَيْ:بِمَنْ يُهَاجِرُ وَيُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ.
﴿حَلِيمٌ﴾ أَيْ يَحْلُمُ وَيَصْفَحُ وَيَغْفِرُ لَهُمُ الذُّنُوبَ،وَيُكَفِّرُهَا عَنْهُمْ بِهِجْرَتِهِمْ إِلَيْهِ وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ.
﴿ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ﴾ ذكر مقاتل بن حيان وابن جرير أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي سَرِيَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَقُوا جَمْعًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي شَهْرِ مُحَرَّمٍ،فَنَاشَدَهُمُ الْمُسْلِمُونَ لِئَلَّا يُقَاتِلُوهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ،فَأَبَى الْمُشْرِكُونَ إِلَّا قِتَالَهُمْ،وَبَغَوْا عَلَيْهِمْ،فَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فنصرهم الله عليهم ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾.
ومن الفوائد.
-فضل الهجرة في سبيل لله،وكما قال الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) ﴾[البقرة:218].
والهجرة شأنها شديد؛ ولهذا وعد الله المهاجرين بالجزاء العظيم،وبالنعيم المقيم.روى البخاري (1452) ومسلم (1865) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الهِجْرَةِ،فَقَالَ:«وَيْحَكَ،إِنَّ شَأْنَهَا شَدِيدٌ،فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا؟» قَالَ:نَعَمْ،قَالَ:«فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ،فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا».
فما كل أحد يقدر على الهجرة،الهجرة من بلاد الكفر إذا كان يستطيع أن يقيم دين الله ويؤدي شعائر الله ويأمن على نفسه فلا يجب هنا الهجرة،أما من كان لا يستطيع أن يقيم دين الله فالهجرة واجبة عليه.
ولكن مع هذه القوانين في هذه الأزمنة هناك فتوى لوالدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله أنه يخرج ولا ينوي الهجرة ربما يخرج وفي الغد يُرد إلى بلد الكفر،فكان هذا من نصائح والدي رَحِمَهُ الله في هذه المسألة لمن أراد الهجرة في هذه الأزمنة،والله المستعان.
وهناك هجرة عامة تجب على الناس كلهم،وهي هجرة المعاصي،وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية كما في الحديث عَنْ عَامِرٍ،قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو،يَقُولُ:قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ،وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» رواه البخاري (6484 ).
فهذه حقيقة الهجرة،قد تكون الهجرة معنوية وهي هجرة المعاصي،وقد تكون حسية بفراق الوطن والخروج من بلاد الكفر.
-وفيه قيد هذا الفضل في سبيل الله فمن هاجر ابتغاء وجه الله كان له هذا الجزاء قتل أو مات على فراشه.أما من هاجر لقصد التجارة أو بسبب متاعب ومشاق أو نحو ذلك فهذا له نيته.
-وفيه بشارة للمهاجرين بتيسير أمور معيشتهم وأن الله متكفل بأرزاقهم في الدنيا والآخرة،وقد ذكر السعدي في «تفسيره»(1 / 543) في الرزق الحسن فتكون الآية جمعت بين الرزقين،رزق الدنيا،ورزق الآخرة،واللفظ صالح لذلك كله،والمعنى صحيح،فلا مانع من إرادة الجميع.اهـ.
-جواز مقابلة السيئة بالسيئة مثلها،ومن استوفى حقه لا يجوز له الزيادة.
-التحذير من البغي والعدوان.
-أن المبغى عليه الله يتولى نصره.
-وفيه الحث على العفو والمسامحة في القصاص والحقوق؛ لهذا يقول الله:﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)﴾.