مقتطف من الرسالة الثانية: سعادة المرأة المسلمة
سعادة الإيمان والتوحيد والعقيدة
اعلمي وفقكِ الله
أن العقيدة أساسُ الدين، وعليها مدار السعادة،قال الله عزوجل:﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدُونَ (82)﴾ [الأنعام].
قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»(20/193):الإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ هُوَ جِمَاعُ السَّعَادَةِ وَأَصلُهَا.
ولهذا كانت العقيدة أول ما يجب على كلِّ مسلم ومسلمة تعلُّمها وتعليمها، قال سبحانه:﴿فَاعلَم أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد:19]. وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه على اليمن:«إِنَّكَ تَقدَمُ عَلَى قَومٍ أَهلِ كِتَابٍ، فَليَكُن أَوَّلَ مَا تَدعُوهُم إِلَيهِ عِبَادَةُ اللَّهِ». رواه البخاري (1458)، ومسلم (19).
وبهذا يُعلَمُ:
-وجوب الاهتمام بتعلُّمِ العقيدة وتعليمِها، في المناهج الدراسية، وأن تُعقَدَ الدروس في المساجد لبَثِّ علم العقيدة الصحيحة.
-بطلان قول الذين يرون أن تعليم العقيدة يُفرِّق، وأنه قول منكر، مخالِفٌ لدعوة الأنبياء والمرسلين.
-خطأ الذين يهتمون كل الاهتمام بتلاوة القرآن لفظًا، ويُهملون جانب العقيدة، فيتخرَّج أحدهم وهو لا يدري عن عقيدتِه شيئًا.
كما قال صلى الله عليه وسلم:«يَخرُجُ فِيكُم قَومٌ تَحقِرُونَ صَلَاتَكُم مَعَ صَلَاتِهِم، وَصِيَامَكُم مَعَ صِيَامِهِم وَعَمَلَكُم مَعَ عَمَلِهِم، وَيَقرَءُونَ القُرآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُم، يَمرُقُونَ مِن الدِّينِ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّمِيَّةِ». رواه البخاري (5058)، ومسلم(1064) عن أبي سعيد.
فهؤلاء الخوارج وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في العبادة، لكنهم على بدع، ويُعادون أهل التوحيد، كما قال صلى الله عليه وسلم:«قَومٌ يَخرُجُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، يَقتُلُونَ أَهلَ الإِسلَامِ، وَيَترُكُونَ أَهلَ الأَوثَانِ، لَئِن أَدرَكتُهُم لَأَقتُلَنَّهُم قَتلَ عَادٍ» رواه ابن أبي عاصم في «السنة»(910).
واعلمي أن العقيدةَ الصحيحة لها ثمارٌ طيبة، من ذلك:
-العقيدة ثباتٌ وأمنٌ وأمانٌ من مزالقِ الشبهات والشهوات. ولهذا في أسئلة هرقل لأبي سفيان قال:«وَسَأَلتُكَ أَيَرتَدُّ أَحَدٌ سَخطَةً لِدِينِهِ بَعدَ أَن يَدخُلَ فِيهِ، فَذَكَرتَ أَن لا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ». رواه البخاري (7)، ومسلم (1773).
-الإيمان والاستسلام عند نزول مُرِّ القضاء قال الله عن لقمان في نصائحه لولده:﴿ وَاصبِر عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ﴾[لقمان].
ونحن في دارٍ مليئةٍ بالآلام والمصائب، فإذا لم يكن عندنا عقيدة تكون العاقبة سيئة، وهو التسخُّطُ والجَزَعُ، وزيادة حرارة المصيبة، وحرمان الأجر، وارتكاب الوزر.
ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يربي صحابته على العقيدة حتى الصغار، كما في حديث ابن عباس أنه قال له: «يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احفَظِ اللَّهَ يَحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِن بِاللَّهِ» الحديث رواه الترمذي(2516).
-الانقياد والاستسلام لتعاليم الإسلام الحكيم.
سمعت والدي الشيخ مقبل رحمه الله يقول: يجب الاهتمام بالتوحيد فإن الناس إذا استسلموا للتوحيد استسلموا لغيره.
-العقيدة تبعث في القلب تعظيم الله ودينِه وشرعه، فلا يُقدِّمُ على حكمِ الله رأيًا ولا هوًى.
-الطمأنينة والراحة والأمن.
-بالعقيدة يكون من أولياء الله، قال الله:﴿ أَلَا إِنَّ أَولِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)﴾[يونس].
-الفوز بالجنة والنجاة من النار، قال الله سبحانه:﴿ وَعَدَ اللَّهُ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدنٍ وَرِضوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ (72) ﴾[التوبة].
-الحياة الطيبة في الدارين، قال الله سبحانه:﴿ مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ (97)﴾ [النحل].
-من كان على عقيدة صحيحة ومن أهل الدين والإيمان فلن يشقى أبدا، قال الله:﴿ وَالعَصرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ (3) ﴾[العصر].
فهنيئًا لِمَن رزقها الله العقيدة الصحيحة.
ـــــــــــــــــــــــ
من أُصولِ عقيدتِنَا
اعلمي أن من أُصولِ عقيدتِنَا:
-عبادة الله وحده لا شريك له، والتوجه إلى الله بالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر، قال الله:﴿ قُل إِنِّي أُمِرتُ أَن أَعبُدَ اللَّهَ مُخلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)﴾[الزمر].
-الإيمان بأسماء الله وصفاته، قال الله:﴿ وَلِلَّهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسمَائِهِ سَيُجزَونَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ (180)﴾[الأعراف].
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسعَةً وَتِسعِينَ اسمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَن أَحصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» رواه البخاري(2736)، ومسلم (2677).
وإحصاء أسماء الله يشمل ثلاثة أمور: حفظها، فهم معانيها، دعاؤه بها.
وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح.
-الاعتقاد بأن نبيَّنا محمدًا أرسله الله رحمة لهذه الأمة وختم به رسله وأمر باتباعه وأنه لا فلاح إلا باتباعه، قال الله:﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ (157) ﴾[الأعراف].
-الإيمان بالقدر خيرِه وشره، حلوه ومره، وأن الله خالق كل شيء، لا يخرج شيء عن خلقه وملكه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، قال الله:﴿ أَلَم تَعلَم أَنَّ اللَّهَ يَعلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) ﴾ [الحج].
-السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف وعدم الخروج عليه، كما قال ربنا:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم ﴾[النساء:59].
فطاعة ولي الأمر امتثال لأمر الله ورسوله، وبذلك تنتظم الحياة، وتحصل السعادة، وتُقامُ شعائرُ الله، ويستقرُّ الأمنُ والأمان، وتُصانُ الدِّماءُ، وتُحفَظُ الثرواتُ والممتلكاتُ، وتزخرُ الأرضُ بالبركات والخيرات، ولا ينتظم الحال أبدًا ولا يستقيم بدون ولي الأمر، فلا أمن للبلاد والعباد إلا بوجوده، ولا ردع للمفسد إلا به، ولا تحصل خيرات وبركات البلد إلا به.
-الإيمان بأشراط الساعة، مثل: كثرة الفتن، وقتل الأنفس البريئة، ورفع العلم النافع، وظهور الدجال، ونزول عيسى بن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وهدم الكعبة..
والإيمان بأشراط الساعة والتحدث عنها يُنبِّهُنا على ما بَعد ذلك:
أن مآلَنا إلى الموت، وأن هذه الدار الدنيا دار فناء لا بقاء، وأن علينا أن نستعدَّ لدار الآخرة بزاد التقوى، قال الله:﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى﴾[البقرة].
هذه إشارة إلى مجمل بعضِ أُصول عقيدَتِنا.
فتعلمي عقيدتَك فإنه لا سعادة للبشرية بدونها، وانشري علم العقيدة لِتَفُوزِي بخيرَي الدنيا والآخرة.
فيا سعادة من كانت ذات عقيدة صحيحة.
ويا هنيئًا لمَن جاءها الموت وهي على عقيدة راسخة لم تعصِف بها الفتَن، ولا أعاصيرِ المحَن، ونحن في أيامٍ كثُرَ فيها الشر، وقلَّ فيها الخير.
فما أشد حاجتنا إلى أن نهتمَّ بعقيدتِنا وأن نبحث عنها و نتعلمها ونصبر على تحصيلِها!
ما أحوجنا أن نراجع أنفسَنَا هل صدقنا في عقيدتِنا؟
وهل عقيدتنا سليمة من العقائد الفاسدة والشركيات والخرافات؟
ـــــــــــــــــــــــ
أثر العقيدة الصحيحة في بناءِ الأُسَرِ
واعلمي علَّمني الله وإياكِ:
أن للعقيدة الصحيحة آثارًا حميدةً جميلةً في بناءِ الأُسَرِ وسعادتِها، واجتماعِ كلمَتِها وقوامها، وتنظيم حياتها وعلاقاتها.
-فمِن قَبل اجتماع الأُسرة بيَّن الله لعباده أنه لا يجوز زواج المرأة المسلمة بالكافر ولا المسلم بالمرأة الكافرة، قال الله:﴿ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُم وَلَا هُم يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾[الممتحنة:10].
-وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الرجلَ إلى اختيار صاحبة الإيمان والدين.
عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تُنكَحُ المَرأَةُ لِأَربَعٍ:لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَت يَدَاكَ». رواه البخاري(5090)، ومسلم(1466).
وهكذا المرأة عليها اختيار صاحب الإيمان والدين، فإذا اختير أهل الدين تتكون الأُسر على العقيدة والدين ومكارم الأخلاق.
وكم من امرأة تزوجت برجلٍ منحَرِفٍ فلم تسلَم من انحرافِه، والمرأة سريعة التأثر بالزوج، وخاصًّة إذا أحبَّته ورُزِقَت منه أولادًا.
وكم من رجل تزوج بامرأة منحرفة في العقيدة فتأثَّر بها.
-ومن قبل أن يوجدَ الولدُ شُرِعَ تحصينُه من شر الشيطان وشركِه، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَو أَنَّ أَحَدَكُم إِذَا أَرَادَ أَن يَأتِيَ أَهلَهُ، فَقَالَ:بِاسمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبنَا الشَّيطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيطَانَ مَا رَزَقتَنَا، فَإِنَّهُ إِن يُقَدَّر بَينَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَم يَضُرُّهُ شَيطَانٌ أَبَدًا». رواه البخاري (7396)، ومسلم (1434).
العقيدة تملأُ القلوب بمحبة الله وتعظيمه والخوف منه ومراقبته.
فلا خيانة بين الزوجين، ولا ظلم، وكل يقوم بأداء واجبه؛ لأنهما يُراقبان الله، ويَعلمَان أنَّ الوقوف بين يدي رب العباد قريب، قال الله سبحانه:﴿ وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسطَ لِيَومِ القِيَامَةِ فَلَا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئًا وَإِن كَانَ مِثقَالَ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ أَتَينَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)﴾[الأنبياء].
العقيدة بصفَةٍ عامَّةٍ تُحوِّل الأُسَرَ إلى أسر متماسكة مطمئنة تقيَّة مهذَّبَة مخبتة.
العقيدة الصحيحة تُخرج جيلًا صالحًا سعيدًا بارًّا بوالديه.
فما أجملها من حياةٍ حينما تكون الأُسرة بجميع أفرادها على عقيدة صحيحة وآداب إسلامية!