◆◇◆◇◆◇
بعض الآدَابِ مَعَ الْقُرْآنِ
عَنْ تَمِيمِ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لَمِنْ؟ قَالَ: «لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مُسْلِم(44).
وهذا من جوامع كلِم النبي صلى الله عليه وسلم، والنصيحة لكتاب الله تحمل معاني كثيرة، منها:
-صحة الاعتقاد فيه والإيمان بأنه كلام الله ألفاظه ومعناه حروفه ومعناه، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة]. [الفتح: 15].
-الإيمان بأن القرآن منزل من عند الله، قال تَعَالَى: ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) ﴾ [فصلت].
-أنه لا يشبه شيء من كلام الخلق لأن القرآن كلام الله، وقد قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)﴾ [الشورى].
-ومن النصيحة لكتاب الله تلاوته، قال الله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) ﴾ [البقرة]. وتلاوة القرآن يشمل تلاوة ألفاظه وتلاوة معناه.
- تحسين التلاوة من النصح لكتاب الله وتبيين الحروف وتوضيحها، كما في الحديث «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ، يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، يَجْهَرُ بِهِ» رَوَاهُ البخاري (7544)، ومسلم (792) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
-الخشوع عند التلاوة من النصح لكتاب الله ، ومن الأدب مع كتاب الله ، قال تعالى: ﴿ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)﴾ [الإسراء].
- العمل بكتاب الله ، فيحل ما أحله الله فيه، ويحرم ما حرم الله فيه، ويتأدب بآدابه ويهتدي بهداه.
- تفهم علوم القرآن وأمثاله وهو داخل في قول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». رواه البخاري (5027) عن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
- ومن النصيحة لكتاب الله، الانقياد لمتشابه القرآن، والمتشابه يُرد إلى المحكم؛ لقوله سبحانه: ﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾، بخلاف أهل الأهواء فإنهم يهلكون عند متشابهات القرآن.
- ومن النصيحة لكتاب الله نشر علوم القرآن وبثها بين الناس والدعاء إليه.
من النصيحة لكتاب الله تعظيم كتاب الله
قال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) ﴾ [الحج].
ويدخل في تعظيم القرآن:
-صحة الاعتقاد فيه، وأنه كامل لا نقص فيه ولا تغيير ولا تبديل، قال الله: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾ [فصلت].
-امتثال ما فيه من الأوامر والكف عما فيه من النواهي، والتأدب بما فيه من الآداب، و الخضوع، والانقياد لما فيه من الأحكام، قال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) ﴾ [الأحزاب].
- ومن تعظيم القرآن: أن لا يمد رجله إلى المصحف أو يتوسده أو يضعه في مكان القاذورات والأوساخ.
قال شيخ الإسلام رَحِمَهُ الله في «الفتاوى» (8/425): وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَخَفَّ بِالْمُصْحَفِ، مِثْلَ أَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْحُشِّ أَوْ يَرْكُضَهُ بِرِجْلِهِ إهَانَةً لَهُ إنَّهُ كَافِرٌ، مُبَاحُ الدَّمِ. اهـ.
أما عن وضع المصحف في الأرض الطيبة النظيفة فهذا جائز، ولا يعد إهانة للقرآن، وبعض العوامِّ يعتقد أنه لا بد أن يكون المصحف على شيء مرتفع. وذكر هذه المسألة الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «شرح رياض الصالحين».
-ومن تعظيم القرآن: عدم رمي الأوراق التالفة منه في الأرض، وهذه الأوراق إما أن تحرق كما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد روى البخاري (4987) الأثر، وفيه: وَأَمَرَ-أي: عثمان-بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ، أَنْ يُحْرَقَ.
وهذه الطريقة هي التي تعلَّمناها من والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يدفن في الأرض، كما في «مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام.
-ومن تعظيمه: تنزيهه، وصيانته، وعدم تعريضه للإهانة والابتذال.
◆◇◆◇◆◇
الإيمان بكتب الله المنزلة
وفي حديث جبريل في بيان أركان الإيمان: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» الحديث رواه مسلم (8) عن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
والتوراة والإنجيل قد دخلهما التحريف والتبديل؛ لأن الله لم يتكفل بحفظهما، قال سبحانه: ﴿وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة: 44].
فنؤمن بهما على وجه الإجمال، وما كان على وجه التفصيل فهذا ما جاء في شرعنا آمنا به، وما لم يأت به فلا نصدقه ولا نكذبه، روى البخاري (4485) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ [البقرة: 136] الآيَةَ».
ثم الكتب السابقة منسوخة بالقرآن، قال تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48].
◆◇◆◇◆◇
حكم من قرأ بالشواذ
◆◇◆◇◆◇
حكم القول للصبي: لَعَنَ اللهُ مُعَلِّمَكَ وَمَا عَلَّمَكَ
قال الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللهُ: اعْلَمْ أَنَّ مَنِ اسْتَخَفَّ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَوْ سَبَّهُمَا... فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
تفسير القرآن
وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهلِهِ؛ لِكَونِهِ غَيْرَ جَامِعٍ لِأَدَوَاتِهِ فَحَرَامٌ عَلَيهِ التَّفْسِيرُ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَنْقُلَ التَّفْسِيرَ عَنِ الْمُعْتَمَدِينَ مِنْ أَهلِهِ. اهـ.
تفسير القرآن بمجرد الرأي حرام، قال الله تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) ﴾ [الإسراء].
وقد اشتهر في كتب التفسير في هذه المسألة حديث: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» رواه أحمد (2069)، والترمذي (2950) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وفيه عبد الأعلى بن عامر الثعلبي وهو ضعيف.
وجاء من حديث جندب بلفظ: «مَنْ قَالَ فِي القُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ». أخرجه الترمذي (2952)، وفيه سهيل بن أبي حزم ضعيف. وقد استفدت من والدي رحمه الله: أن هذين الحديثَين ضعيفان.
◆◇◆◇◆◇
يَحرُمُ الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ
وهذا من عقيدتِنا أهل السنة، قال الطحاوي رحمه الله في «الطحاوية» (57): وَلَا نُمَارِي فِي دين الله، وَلَا نُجَادِلُ فِي الْقُرْآنِ.
فالجدل بغير حق لا يجوز، وأما الجدال بحق ولإظهار الحق فهذا مطلوب، قال تَعَالَى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]، وإذا كان الجدال في حق لكن ليس من ورائه فائدة، مثل أن يكون المجادل مقتنعًا بما هو عليه ويريد أن يجر الذي يجادله إلى فكرتِه فيترك، وفي إهماله إغاظة له.
وكان هناك من يطلب المناظرة من الحزبيين فيرفض والدي رحمه الله، ويقول: القوم قد ماتوا، وفي مجادلتهم رفعةٌ لهم. اهـ. يعني: في مناظرتهم تعريف بهم عند أهل الفتن والقلوب المريضة.
أما إذا كان هناك منفعة للآخرين بإذلاله وإظهار باطله فهذا مطلوب.
وقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ» هذا فيه ثلاثة أقوال:
قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمِرَاءِ الشَّكُّ. وَقِيلَ: الْجِدَالُ الْمُشَكِّكُ فِيهِ. وَقِيلَ: هُوَ الْجِدَالُ الَّذِي يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ فِي آيَاتِ الْقَدْرِ وَنَحْوِهَا.
ولا يمنع أن يشمل الحديث هذه الثلاثة الأقوال كلها، والله أعلم.
وفي هذا الحديث: التشديد في المجادلة في القرآن. نعوذ بالله من المراء في الدين.
حكم السؤال عن الحكمة في مناسبات الآيات
لا بأس أن يسأل عن الحكمة من كذا وكذا، والممنوع التعمُّق في ذلك، والتكلف في الإجابة، فإن بعض الناس يتكلف في ذكر مناسبات الآيات والسور، وقد قال الله تَعَالَى: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) ﴾ [ص]، وإذا لم يظهر شيء وجب التسليم والانقياد.
حكم قول نَسِيتُ آيَةَ كَذَا
وَثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ فَقَالَ: «رَحِمَهُ اللهُ! لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُسْقِطْتُهَا».
وَفِي رِوَايَةٍ فِي «الصَّحِيحِ»: «كُنْتُ أُنْسِيتُهَا».
-رفع الصوت بالقرآن.
-جواز قول: أسقطت آية كذا.
-أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ينسى شيئًا من القرآن.
-الدعاء لمن أحسن ولو لم يقصد ذلك.
فهذا من باب الأَولى ومن باب التأدب مع القرآن أنه لا يقول: نَسِيتها، وإن قال: نَسِيتُ فهذا جائز.
وهذا في القرآن، أما في غير القرآن فيجوز نسبة النسيان إلى النفس من غير كراهة، فقد جاءت أدلة كثيرة فيها نسبة النسيان إلى النفس كقوله تَعَالَى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]. وقوله سبحانه: ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)﴾ [طه].
وروى البخاري (401)، ومسلم (572) عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي»الحديث.
والسبب في النهي عن قول: نسيت في نسيان شيءٍ من القرآن. قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم» (6/76): وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ نَسِيتُهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ التَّسَاهُلَ فِيهَا وَالتَّغَافُلَ عنها، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا﴾[طه: 126].
◆◇◆◇◆◇
حكم نسيان القرآن بعد حفظِه
من نسيه لغير عذر، فهو آثم؛ لأنه يدل على إعراضه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)﴾[طه].
وإن نسيه لعذر انشغال: كمرض أو أعمال فهذا ليس فيه إثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ: «رَحِمَهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً، أَسْقَطْتُهَا فِي سُورَةِ كَذَا وَكَذَا» رواه البخاري (6335)، ومسلم (788) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. والله أعلم.
جواز قول سورة كذا
يجوز قول: سورة البقرة ونحوها من غير كراهة، فالأدلة متكاثرة فيها جواز هذا القول؛ لأن بعضهم يقول: لا يقال: سورة كذا، ولكن يقال: السورة التي يُذكر فيها البقرة، السورة التي يُذكر فيها آل عمران، السورة التي يُذكر فيها النساء، إلى آخره.
وقد صوب جواز قول ذلك الإمام النووي رَحِمَهُ الله، لأدلة، منها:
روى البخاري (5040)، ومسلم (807) عن أبي مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه».
وأخرج مسلم (809) عن أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال».
نسبة القراءة إلى بعض المقرئين
لا كراهة في نسبة القراءة إلى أحد من المقرئين، كقول: قراءة فلان؛ لأن القراءة إنما نُسبت إليهم لتصدِّيهِم للإقراء.
ومن قال بالكراهة فقوله مردود باستعمال السلف له؛ ولهذا يقول الإمام النووي: هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ.
وذكر هذه المسألة الشيخ بكر بن عبد الله رحمه الله في «معجم المناهي اللفظية».
لا يمنع الكافر من سماع القرآن
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾[ التَّوْبَةِ: 6 ]). وكم من إنسان يهتدي بسماع القرآن؛ لأن القرآن مؤثرٌ ويحرك النفوس. روى البخاري (4854) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ، أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ، أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ﴾ قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ.
منع الكافر من مس المصحف:
لحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» رواه البخاري (2990)، ومسلم (1869).
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ؛ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنْ لاَ يَمَسَّ الْقُرَآنَ إِلَّا طَاهِرٌ. رواه مالك في «الموطأ» (680)، والدارمي (2312)، وغيرهما.
وقوله «إِلَّا طَاهِرٌ» أي: إلا مؤمن.
قال النووي رحمه الله في شرح حديث ابن عمر المذكور: فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الْمُسَافَرَةِ بِالْمُصْحَفِ إِلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ؛ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَهِيَ خَوْفُ أَنْ يَنَالُوهُ فَيَنْتَهِكُوا حُرْمَتَهُ، فَإِنْ أُمِنَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ بِأَنْ يَدْخُلَ فِي جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرِينَ عَلَيْهِمْ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا مَنْعَ مِنْهُ حِينَئِذٍ؛ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَآخَرُونَ.
◆◇◆◇◆◇
ذكر المسألة الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله في «فتح الباري»(6/107)، وقال: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ، فَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ تَعْلِيمِ الْكَافِرِ الْقُرْآنَ، وَرَخَّصَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الرَّاجِحَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ يُرْجَى مِنْهُ الرَّغْبَةُ فِي الدِّينِ وَالدُّخُولُ فِيهِ، مَعَ الْأَمْنِ مِنْهُ أَنْ يَتَسَلَّطَ بِذَلِكَ إِلَى الطَّعْنِ فِيهِ، وَبَيْنَ مَنْ يَتَحَقَّقُ أَن ذَلِك لَا ينجع فِيهِ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى الطَّعْنِ فِي الدِّينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
الاستشفاء بالقرآن بكتابته في إناء ثم يغسل ويشربه المريض
هذا ذهب إلى جوازه جمع من السلف، قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (12/59): وَإِذَا كُتِبَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الذِّكْرِ فِي إنَاءٍ أَوْ لَوْحٍ وَمُحِيَ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَشُرِبَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد وَغَيْرُهُ.
وقال ابن القيم في «زاد المعاد» (4/157): وَرَأَى جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ أَنْ تُكْتَبَ لَهُ الْآيَاتُ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَشْرَبَهَا. اهـ.
وذكر هذا الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «اللقاء المفتوح» رقم اللقاء(56).
فإذا كتب بعض الآيات بشيء لا ضرر فيه مثل: الزعفران، وماء الورد، فهذا مباح لا شيء فيه، يتناوله عمومات كحديث «لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» رواه مسلم (2200) عن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ. وأما عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فهذا لم يفعله.
وأما أن تكتب الآيات بالحبر فهذا قد لا يخلو من ضرر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه البيهقي (6/114) عن أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
نقش الحيطان بالقرآن
وكذلك الصحيح عدم نقش قبلة المسجد؛ لأنه يشوش على المصلين ويشغلهم، ولأنه قد يكون فيه امتهان للقرآن.
◆◇◆◇◆◇
كتابة الحروز من القرآن
الصحيح المنع من الاستشفاء بتعليق القرآن من غير تفصيل؛ لحديث عبد الله بن مسعود، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» رواه أبو داود (3883).
فالاستشفاء بالقرآن ليس بهذه الطريقة؛ بدليل أنه لم يفعله النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يصح عن أحدٍ من صحابته. وذكر هذه المسألة الشيخ عبد الرحمن بن حسن رَحِمَهُ الله في «فتح المجيد» (136): اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم من القرآن، وأسماء الله وصفاته.
ثم قال رحمه الله عن القول بالمنع: هذا هو الصحيح؛ لوجوه ثلاثة تظهر للمتأمل:
الأول: عموم النهي ولا مخصص للعموم.
الثاني: سدُّ الذريعة؛ فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك.
الثالث: أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق؛ بحمله معه في حال قضاء الحاجة، والاستنجاء، ونحو ذلك. اهـ.
النَّفْثُ هو نَفْخٌ لَطِيفٌ بِلَا رِيقٍ
ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَتَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةِ جَمَعَ كَفَّيهِ، ثَمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، وَ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، وَ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ الحديث. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وحديث أبي سعيد في رقية اللديغ وفيه: فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ. رواه البخاري (2276)، ومسلم (2201)، واللفظ للبخاري.
وقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِلْمَرِيضِ: «بِسْمِ اللَّهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا» رواه البخاري (5745)، ومسلم (2194) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
قال النووي في شرح هذا الحديث: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ رِيقِ نَفْسِهِ عَلَى أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ، ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى التُّرَابِ فَيَعْلَقُ بِهَا مِنْهُ شَيْءٌ، فَيَمْسَحُ بِهِ عَلَى الْمَوْضِعِ الْجَرِيحِ أَوِ الْعَلِيلِ، وَيَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ فِي حَالِ الْمَسْحِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وهذا عبارة عن سبب، والشافي هو الله سبحانه وتعالى.
وفي حديث عائشة دليل على أن النفث يكون قبل القراءة.
وقد رجح هذا الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله.
وفيه أن السنة أن يقرأ المعوذات مجموعة ثلاث مرات ثم يمسح ثم يعيد ذلك المرة الثانية والثالثة بنفس الطريقة.
والنفث مع القرآن عند النوم والرقية، وأما النفث عند قراءة المعوذات في الصباح والمساء فهذا لا يشرع، والله أعلم.
والتفل يكون مع شيء من الريق، وهذا يكون في رقية المريض لرواية «فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ».
◆◇◆◇◆◇