اختصار
◆◇◆◇◆◇
فِي من يُسن له سجود التلاوة:
الأول: القارئ المتطهر يستحب له سجودُ التلاوة إذا قرأ آية السجدة، قال ابن قدامة في «المغني» رقم (869): وَيُسَنُّ السُّجُودُ لِلتَّالِي وَالْمُسْتَمِعِ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.
الثاني: المستمع لتلاوة القرآن. والدليل أن المستمع يسجد فعل الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ السجدة وكانوا يسجدون معه.
الثالث: سجود التلاوة للسامع، المشهور عند الشافعية أن السامع يسجد، والدليل عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ، فَسَجَدَ بِهَا فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ القَوْمِ إِلَّا سَجَدَ.الحديث. رواه البخاري (1070)، ومسلم (576).
والشاهد أنهم لم يكونوا كلهم يستمعون، ويدل أيضًا على سجود السامع أن السامع سمع سجدة التلاوة، ولكن هذا استحبابه أقل من تأكده للمستمع.
والسامع: الذي لا يقصد السماع.
الرابع: إذا لم يسجد القارئ فهل يستحب للمستمع السجود، الصواب أن المستمع لا يسجد إلا أن يسجد القارئ، وهو قول جمهور الحنابلة: أنه لا يسجد إن لم يسجد القارئ. والدليل عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: «قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَالنَّجْمِ﴾ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» أخرجه البخاري (1072)، ومسلم (577).
والشاهد أن زيد بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان القارئ فلم يسجد، ولذلك لم يسجد النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وقد بوب البخاري لهذه المسألة: بَابُ مَنْ سَجَدَ لِسُجُودِ القَارِئِ. والكلام من حيث الأفضل واتباع السنة، ولو سجد المستمع من غير أن يسجد القارئ فإنه يجوز.
الخامس: حكم السجود لتلاوة من لا يصلح للإمامة.
قال النووي: (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ مُسْلِمًا بَالِغًا مُتَطَهِّرًا رَجُلًا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ مُحْدِثًا، أَوْ امرَأَةً، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا-أي: الشافعية- وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ)
دليل هذا القول أن هؤلاء لا يصلحون للإمامة، ومن لا يصلح للإمامة فلا يستحب السجود لتلاوته.
أما السجود لتلاوة الصبي فهذا لا مانع من السجود لتلاوته، قال المرداوي في «الإنصاف» (2/194): الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: سُجُودُهُ لِتِلَاوَةِ الصَّبِيِّ. اهـ.
وكذلك السجود لقراءة المحدِث لا مانع منه أيضًا، وعلى الصحيح أنه يجوز للمحدث حدثًا أكبر أو أصغر قراءة القرآن.
السجود لتلاوة المرأة
قال ابن المنذر رَحِمَهُ الله في «الإشراف على مذاهب العلماء» (2/299): اختلفوا في المرأة تقرأ السجدة. فقال قتادة وإسحاق ومالك: لا يأتمون بها. وهو على مذهب الشافعي.
وقال النخعي: هي إمامك. اهـ.
والذي يترجح عندي في المسألة: أنه إن كان من المحارم كالأب والأخ والعم فله أن يسجد لتلاوة المرأة؛ لأن هذا ليس بداخل في الإمامة، إذ أن سجود التلاوة ليس بصلاة، فإذا قرأت المرأة وسجدت يسجد الرجل من محارمها سجود التلاوة، وأما من ليس من محارم المرأة فإنه لا يشرع له الاستماع لقراءتها فضلًا عن السجود، والله أعلم.
◆◇◆◇◆◇
فِي اخْتِصَارِ السُّجُودِ
معنى اختصار السجود قال الإمام النووي رَحِمَهُ الله: وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً أَوْ آيَتَينِ ثُمَّ يَسْجُدَ.
وقال ابن قدامة في «المغني» تحت رقم (874): ويكره اختصار السجود: وهو أن ينتزع الآيات التي فيها السجود فيقرأها ويسجد فيها. ثم ذكر أنه مكروه؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرْوِيٍّ عَنْ السَّلَفِ فِعْلُهُ، بَلْ كَرَاهَتُهُ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ. اهـ.
وقال الإمام النووي رَحِمَهُ الله: حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَيْرِينَ وَالنَّخَعَيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ لَا بَأسَ بِهِ. وَهَذَا مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا. اهـ.
وبعض الناس إذا عنده ميول ورغبة في عبادة من العبادات لا ينظر بمنظار الشرع، ويتعبد لله بالاستحسانات.
◆◇◆◇◆◇
بعض المسائل في أحكام سجود التلاوة
- المصلي المنفرد يسجد لقراءة نفسه استحبابًا.
- إذا ركع ثم أراد أن يسجد للتلاوة فليس له الرجوع إلى القيام لسجود التلاوة؛ لأنه قد تلبَّس بركن من أركان الصلاة، وهو الركوع.
-إذا شرَع في الهوي في الركوع وقبل أن يصل إلى حد الراكعين بدا له أن يسجد سجود التلاوة له أن يسجد سجود التلاوة؛ لأنه لم يتلبس بالركن.
- إذا هوى للسجود ثم بدا له أن لا يسجد سجود التلاوة يجب عليه أن يرجع إلى القيام وألَّا يركعَ بذلك الهوي؛ لأنه لم يقصد بذلك الركوع.
- إذا أصغى المنفرد بالصلاة لقراءة قارئ فلا يجوز له أن يسجد، وينبغي أن يُقبل على صلاته ولا ينشغل بغيرها، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا». رواه البخاري (1216)، ومسلم (538) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
- المصلي في جماعة إن كان إمامًا فحكمه حكم المنفرد.
-وَإِذَا سَجَدَ الْإِمَامُ لِتِلاوَةِ نَفْسِهِ، وَجَبَ عَلَى المَأْمُومِ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ، وإن لم يسجد الإمام لم يجز للمأموم أن يسجد، والدليل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» رواه البخاري (378)، ومسلم (411) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
- من لم ينتبه لسجود إمامه، فهو معذور في عدم متابعته للإمام؛ لعدم علمه، أو فاته المتابعة لضعف أو بطءٍ كذلك معذور، وإذا رفع الإمام رأسه فلا يجوز للمأموم أن يسجد؛ لأنه فاته متابعة الإمام.
أما إذا علم المأموم أن الإمام ساجد فعليه أن يبادر للسجود متابعة لإمامه.
-إذا كان المصلي مأمومًا وقرأ آية السجدة في الصلاة السرية فلا يجوز له أن يسجد لتلاوة نفسه، ولا لقراءة غير إمامه.
◆◇◆◇◆◇
فِي وَقْتِ السُّجُودِ لِلتِّلَاوَةِ
ينبغي أن يكون السجود عقب قراءة آية السجدة أو سماعها مباشرةً، فإذا أخَّر ولم يطل الفصل سجد.
أما إذا لم يسجد مباشرة بعد قراءة آية السجدة فيقول الإمام النووي رَحِمَهُ الله: وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقَارِئُ أَوِ الْمُسْتَمِعُ مُحْدِثًا عِنْدَ تِلاوَةِ السَّجْدَةِ، فَإِنْ تَطَهَّرَ عَلَى الْقُرْبِ سَجَدَ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ طَهَارَتُهُ حَتَّى طَالَ الْفَصْلُ، فَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ. وَقِيْلَ: يَسْجُدُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ البَغَويِّ مِنْ أَصْحَابِنَا، كَمَا يُجِيبُ الْمُؤَذِّنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَالْاعْتِبَارُ فِي طُولِ الْفَصْلِ فِي هَذَا بِالْعُرْفِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ.
وضابط الفصل بالعُرف أي: عرف الناس.
◆◇◆◇◆◇
السجود عند تكرار قراءة آية السجدة
إذا كرر الآية الواحدة التي فيها سجدة فثبت عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «إِذَا قَرَأْتَ السَّجْدَةَ أَجْزَأَكَ أَنْ تَسْجُدَ بِهَا مَرَّةً» رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (4200) بسند صحيح.
◆◇◆◇◆◇
قراءة آية السجدة في السفر على الراحلة
إذا قرأ آية فيها سجود التلاوة وهو مسافر في حال ركوبه ، جمهور العلماء أنه يسجد بالإيماء، أي: بالإشارة. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَسْجُدْ.
أما الراكب في الحضر فلا يسجد سجود التلاوة؛ لعدمِ الدليل على الاستحباب.
وقد جاء عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عَامَ الْفَتْحِ سَجْدَةً، فَسَجَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، مِنْهُمُ الرَّاكِبُ وَالسَّاجِدُ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى إِنَّ الرَّاكِبَ لَيَسْجُدُ عَلَى يَدِه» رواه أبو داود (1411)، ولكنه حديث ضعيف. فيه مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزُّبَير بن العَوام الأسدي: لَيِّن الحديثِ، وكان عابدًا.
◆◇◆◇◆◇
من قرأ آية السجدة ونسي قراءة الفاتحة في الصلاة
نسي قراءة سورة الفاتحة، فقرأ سورة أخرى وفيها سجدة، فالإمام النووي رَحِمَهُ الله يذكر أنه يسجد سجود التلاو ثم يقوم ويقرأ الفاتحة، والله أعلم.
أما إذا نسي فقرأ آية السجدة في الركوع والسجود فلا يجوز أن يسجد؛ لأن الركوع والسجود ليسا بمحلِّ للقراءة، والله أعلم.
و إذا شك في قراءة الفاتحة بعد أن قرأ آية السجدة: قال الإمام النووي رَحِمَهُ الله: وَلَوْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فَهَوَى لِيَسْجُدَ فَشَكَّ: هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ؟ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْقِيَامِ، فَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ؛ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلاوَةِ لَا يُؤَخَّرُ. اهـ.
◆◇◆◇◆◇
قراءة السجدة باللغة الأعجمية
إذا قرأ آية السجدة بالأعجمية لا يسجد، كما إذا فسَّر آية سجدة لا يسجد، فكذلك في هذا لا يسجد. لأن تلاوة القرآن لا يجوز إلا باللغة العربية: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)﴾ [الزمر].
وقال أبو حنيفة رَحِمَهُ الله: يسجد. وهذا القول مبني على القول بجواز قراءة القرآن بغير العربية، ومذهب أبي حنيفة جواز هذا.
◆◇◆◇◆◇
سجود المستمع مع القارئ خارج الصلاة
إذا سجد المستمع مع القارئ في خارج الصلاة فإنه لا يرتبط به؛ فلهذا له الرفع قبل أن يرفع القارئ من السجود، ويسجد على حاله سواء كان أمامه أو عن يساره، لا يلزم الصفوف في سجود التلاوة.
◆◇◆◇◆◇
قراءة آية السجدة للإمام في الصلاة الجهرية والسرية
اختلف العلماء في هذا :
فعند الشافعية قراءة الإمام آية السجدة لا كراهة في ذلك سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، ويسجد متى قرأها في الصلاة السرية أو الجهرية.
وقول الإمام مالك أنه يكره ذلك مطلقًا في الصلاة الجهرية والسرية.
وقول أبي حنيفة أنه يُكره للإمام أن يقرأ آية فيها سجدة في الصلاة السرية، وأن يسجد فيها.
قال ابن قدامة في «المغني» رقم (875): قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ قِرَاءَةُ السَّجْدَةِ فِي صَلَاةٍ لَا يُجْهَرُ فِيهَا، وَإِنْ قَرَأَ لَمْ يَسْجُدْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيهَامًا عَلَى الْمَأْمُومِ.
واختار هذا القول الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «تمام المنة» (272)، وقال: الحق ما ذهب إليه أبو حنيفة من الكراهة، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد. اهـ.
والصحيح في المسألة: جواز قراءة آية السجدة في الصلاة السرية، من غير كراهة في ذلك، والمانعون من ذلك قالوا: إذا قرأ الإمام سجدةً في صلاة السِّرِّ فهو بين أمرين، إمَّا أن يقرأ الآية، ولا يسجد فَيُفَوِّت على نفسِهِ الخيرَ، وإمَّا أنْ يقرأها ويسجدُ فيُشوِّشُ على مَنْ خلفَه.
وقد ردَّ هذا الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع» (4/102).
وأما ما رواه أبو داود (807)، من طريق سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَجَدَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ، فَرَأَيْنَا أَنَّهُ قَرَأَ: تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ»، فهذا معل بالانقطاع.
والحاصل أنه لا يسجد سجود التلاوة في الصلاة السرية؛ لأن هذا يشوش على المأمومين، فمِن متابع ومِن واقف؛ لظنهم أنه نسي الركوع.
وأما القراءة فله أن يقرأ آية فيها سجدة، والله أعلم.
◆◇◆◇◆◇
سجود التلاوة أوقات الكراهة
الأوقات المنهي عن الصلاة فيها: من بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وترتفع قِيد رمح، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وحين يقوم قائم الظهيرة. هذه الأوقات منهي عن الصلاة فيها.
وجمهور العلماء على أنه لا كراهة في سجود التلاوة في هذه الأوقات.
وَكَرِهَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، وَمَالَكٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى،وغيرهم. واستدلوا بالأوقات المنهي عن الصلاة فيها:
عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» رواه البخاري (586)، ومسلم (827).
وقد علمنا أن سجود التلاوة ليس بصلاة، فلا يصح الاستدلال بهذا على النهي. فالصحيح كما ذهب جمهور العلماء هو الجواز، من غير كراهة لأمرين اثنين:
أنَّ سجود التلاوة ليس بصلاة.
على الفرض بأن سجود التلاوة صلاة، يكون هذا من فعل ذوات الأسباب، وذوات الأسباب تُصلى في أوقات الكراهة: كتحية المسجد، وركعتي الطواف، وما أشبه ذلك. وقد رجح الجواز من غير كراهة الصنعاني، والشوكاني.
◆◇◆◇◆◇
لا يقوم الركوع مقام السجود للتلاوة
لأن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ سجد سجود التلاوة ولم يركع، وهذا قول جمهور العلماء. وقاس الجمهور هذا أيضًا على سجود الصلاة، أي: كما لا يقوم الركوع مقام السجود في الصلاة فكذلك في سجود التلاوة. وقول الجمهور هو الصواب.
وأما قول أبي حنيفة أنه يقوم مقامه، واحتج بقوله تعالى: ﴿ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) ﴾ [ص]. فأجاب الجمهور بأن هذا شرع من قبلنا، فإن سلَّمنا ذلك حملنا الركوع هنا على السجود، كما اتفق عليه المفسرون وغيرهم.