جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 25 فبراير 2021

(43)اختصار الدرس الثالث والأربعين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن

 بسم الله الرحمن الرحيم

◆◇◆◇◆◇

أقسام القراءات:

-القراءات السبع. وهي: القراءات المنقولة عن الأئمة السبعة، وهم: عبد الله بن عامر الدمشقي، وعبد الله بن كثير المكي، ونافع المدني، وأبو عمرو ابن العلاء، واسمه: زبان المازني، وحمزة بن حبيب الكوفي، وعلي بن حمزة الكسائي، وعاصم بن أبي النجود.

والقراءات المتممة للعشر هي قراءة: أبي جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي، ويعقوب أبي محمد البصري، وخلف بن هشام.

-القراءات غير السبع والشاذة.

معنى الشواذ من القراءات: ما نُقل بطريق الآحاد.

حكم القراءة بالقراءات السبع المجمع عليها فهذا يجوز، ولا خلاف في جواز القراءة بها.

وأما حكم القراءة بالقراءات الشاذة فهذا لا يجوز عند جمهور العلماء، ولم يصح نقل الإجماع فيه، فقد ذهب جماعة من العلماء إلى صحة القراءة بما يسمَّى بالشواذ إذا  ثبت السند؛ لأنها من القرآن، وتعلمها الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخذ القرآن من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وله قراءات ينفرد بها، وكذا أُبَيُّ بن كعبٍ رضي الله عنه، وقد حث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ على أخذ القرآن منهما، وقال: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ-فَبَدَأَ بِهِوَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ» رواه البخاري(3808ومسلم (2464) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

وربما اختلف الصحابة هذا يقرأ بقراءة وهذا يقرأ بقراءة أخرى فيختصمون، وينهاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عن الاختصام. فقد روى عبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائد المسند»(832) عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: تَمَارَيْنَا فِي سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقُلْنَا: خَمْسٌ وَثَلاثُونَ آيَةً، سِتٌّ وَثَلاثُونَ آيَةً، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْنَا عَلِيًّا يُنَاجِيهِ، فَقُلْنَا: إِنَّا اخْتَلَفْنَا فِي الْقِرَاءَةِ. فَاحْمَرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَقْرَءُوا كَمَا عُلِّمْتُمْ». وهو في «الصحيح المسند» (980) لوالدي رَحِمَهُ الله.

 وقد ذكر شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»(13/394) مسألة هل يجوز الْقِرَاءَة بالشَّاذَّ الثابت فِي الصَّلَاةِ؟ وذكر فيها قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَرِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ:

 إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يَقْرَأُونَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ فِي الصَّلَاةِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ لَمْ تَثْبُتْ مُتَوَاتِرَةً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ ثَبَتَتْ فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بالعرضة الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُعَارِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ، والعرضة الْآخِرَةُ هِيَ قِرَاءَةُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ الَّتِي أَمَرَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَكَتَبَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، فِي صُحُفٍ أُمِرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِكِتَابَتِهَا، ثُمَّ أَمَرَ عُثْمَانُ فِي خِلَافَتِهِ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَإِرْسَالِهَا إلَى الْأَمْصَارِ وَجَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهَا، بِاتِّفَاقٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ. اهـ.

استفدنا من نقل شيخ الإسلام أنه ذهب إلى جواز القراءة بها الإمام مالك وأحمد في رواية عنهما، ورجحه ابن القيم رحمه الله في «إعلام الموقعين»(4/203واختار هذا القول الشوكاني رَحِمَهُ الله في «نيل الأوطار»،ورجحه الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «الشرح الممتع» (3/82وقال: وأصحُّ الأقوال: أنه إذا صحَّت هذه القراءة عَمَّن قرأ بها مِن الصَّحابة فإنها مرفوعةٌ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتكون حُجَّةً، وتصحُّ القراءةُ بها في الصَّلاة وخارج الصَّلاة؛ لأنها صحَّت موصولةً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. اهـ.

◆◇◆◇◆◇

شروط القراءة الصحيحة

ذكر شروط القراءة المقبولة ابن الجزري رَحِمَهُ الله في «طيبة النشر في القراءات العشر»، وقال:

فَكُلُّ مَـــــــــا وَافَقَ وَجْـــــــــــــــهَ نَحْــــــــــــوِ...وَكَـــــــــــــانَ ِللرَّسْمِ احْتِمَالًا يَحْـــــــوِي

وَصَــــــــــــحَّ إسْنـــــــــادًا هُوَ الْقُــــــــــرآنُ...فَهَــــــــــــــــــــــذِهِ الثَّـــــــــــــــــلاثَةُ الأَرْكَــــــــــــــــانُ

وَكُلُّ مَا خَــــــــــــــــالَفَ وَجْهًا أُثْبِتَ...شُــــــــــــذُوذُهُ لَــــــــــــوْ أَنَّهُ فِي السَّبْعَــــــــــــــةِ

علق والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله على البيتين الأَوَّلَيْنِ، وقال:

(فَكُلُّ مَا وَافَقَ وَجْهَ نَحْوِ) كل ما وافق وجهًا من وجوه اللغة العربية.

 (وَكَانَ ِللرَّسْمِ احْتِمَالًا يَحْوِي) لرسم الإمام هو مصحف عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

 (وَصَحَّ إسْنادًا) إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

 (فَهَذِهِ الثَّلاثَةُ الأَرْكَانُ) فهذه هي المعتبر في القراءات.

وقال رحمه الله: الصحيح أن القرآن من حيث هو متواتر، لكن لا يلزم أن يكون كل حرف وكل كلمة وكل قراءة متواترة، بل ما توفرت فيه الثلاثة الشروط جاز أن يُصَلى به ويعتبر قرآنًا، ثُمَّ ذكر البَيتَيْنِ السَّابِقَيْنِ.

قال: وهكذا أيضًا القراءات التي تعتبر شاذة يقول الشوكاني: إذا ثبتت أسانيدها فعلى الأقل أنها مثل أحاديث الآحاد، والله المستعان. [ المرجع/شريط: أسئلة أهل السنة بأندنوسيا].

تنبيه: قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «الشرح الممتع» (3/82) عن القراءة بالشواذ: لكن لا نقرأ بها أمامَ العامَّة؛ لأننا إذا قرأنا بها أمامَ العامَّة حصل بذلك فتنةٌ وتشويشٌ، وقِلَّةُ اطمئنان إلى القرآن الكريم، وقِلَّةُ ثقةٍ به، وهذا لا شَكَّ أنه مؤثِّرٌ ربما على العقيدة فضلًا عن العمل، لكن الكلام فيما بين الإِنسان وبين نفسِه، أو فيما بينه وبين طَلَبَةِ العِلم الذين يفهمون حقيقة هذا الأمر. اهـ.

◆◇◆◇◆◇

وهل القراءات السبع هي السبعة الأحرف التي نزل بها القرآن؟

قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»(13/390): لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَيْهَا، لَيْسَتْ هِيَ قِرَاءَاتِ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ الْمَشْهُورَةَ، بَلْ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ قِرَاءَاتِ هَؤُلَاءِ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ، وَكَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ بِبَغْدَادَ، فَإِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَجْمَعَ الْمَشْهُورَ مِنْ قِرَاءَاتِ الْحَرَمَيْنِ وَالْعِرَاقَيْنِ وَالشَّامِ؛ إذْ هَذِهِ الْأَمْصَارُ الْخَمْسَةُ هِيَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا عِلْمُ النُّبُوَّةِ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ، فَلَمَّا أَرَادَ ذَلِكَ جَمَعَ قِرَاءَاتِ سَبْعَةِ مَشَاهِيرَ مِنْ أَئِمَّةِ قُرَّاءِ هَذِهِ الْأَمْصَارِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِعَدَدِ الْحُرُوفِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ، لَا لِاعْتِقَادِهِ أَوْ اعْتِقَادِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةَ هِيَ الْحُرُوفُ السَّبْعَةُ، أَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةَ الْمُعَيَّنِينَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِغَيْرِ قِرَاءَتِهِمْ. وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ: لَوْلَا أَنَّ ابْنَ مُجَاهِدٍ سَبَقَنِي إلَى حَمْزَةَ لَجَعَلْت مَكَانَهُ يَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيَّ إمَامَ جَامِعِ الْبَصْرَةِ وَإِمَامَ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ فِي زَمَانِهِ فِي رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ.

وقد سألت والدي الكريم رحمه الله عن هذه المسألة، فأجابني: ليس المراد بها القراءات السبع.

◆◇◆◇◆◇

حكم القراءة بقراءات متعددة

يجوز القراءة بأكثر من قراءة في وقت واحدٍ، مثلا يقرأ قراءة لبعضهم، ثم يقرأ بعدها بقراءة آخر، إلا إذا كان الكلام مترابطًا، فينبغي ألا يفعل حتى ينتهي الارتباط، والأولى أن يستمر على قراءة واحدة ما دام في ذلك المجلس، هذا معنى ما أفاده الإمام النووي رَحِمَهُ الله.

فإذا كان يُخل بالمعنى إذا قرأ كلمة بقراءة، وقرأ بعدها كلمة بقراءة أُخرى، فهذا يُمنع منع تحريم، كما أفاده ابن الجزري في «النشر في القراءات العشر»(1/18).

وسُئل والدي الشيخ مقبل رحمه الله: هل يجوز أن يقرأ في الصلاة بأكثر من قراءة كأن يقرأ سورة الفاتحة أولها بقراءة حفص، ووسطها بقراءة ورش، وآخرها بقراءة قالون؟

الجواب: يقولون: إنه يقرأ على قراءة واحدة، ثم إذا أراد أن يقرأ قراءة أخرى يعيد السورة من أولها، ولا أعلم مانعًا من هذا، لكن بشرط أن يكون المأمومون واثقين من الإمام ويعرفون أنه يعرف القراءات، أما إذا ظنوا أنه يحرِّف بالقرآن فلا، حتى يعلِّمهم. [ المرجع/شريط: أسئلة أهل السنة بأندنوسيا]. 

 رحم الله علماءنا على تعليمهم وحُسْن تربيتهم كيف ينبهون على اجتناب الأشياء التي لم يعتدْها العوام؛ حرصًا على تألفهم واجتماعهم قلوبهم وسلامة صدورهم. اللهم اجعلنا من أهل الحكمة.

◆◇◆◇◆◇

الترتيب بين السور عند قراءة القرآن

الاختيار عند العلماء أن يقرأ على ترتيب المصحف إلا ما ورد في الشرع استثناؤه، وقد ذكر هذا الإمام النووي رَحِمَهُ الله في التبيان وذكر ما استثني، وقال: (كَصَلاَةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَقْرَأُ فِي الْأُوْلَى سُورَةَ ﴿الم﴾ السَّجْدَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ﴾ [الْإِنْسانِ: 1]، وَصَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْأُوْلَى ﴿ق﴾ [ق: 1]، وَفِي الثَّانِيَةِ: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾[الْقَمَرِ: 1]، وَرَكْعَتِي سُنَّةِ الْفَجْرِ فِي الْأُوْلَى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)﴾[الْكَافِرُونَ: 1]، وَفِي الثَّانِيَةِ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)﴾[الْإِخْلَاصِ: 1]، وَرَكْعَاتِ الْوِتْرِ فِي الْأُوْلَى: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)﴾[الْأَعْلَى: 1]، وَفِي الثَّانِيَةِ: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)﴾ [الْكَافِرُونَ: 1]، وَفِي الثَّالِثَةِ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)﴾ [الْإِخْلَاصِ: 1] والمُعَوِّذَتَينِ).

ويجوز عدم الترتيب في القراءة في غير ما ذُكِرَ؛ لحديث حذيفة بن اليمان عند الإمام مسلم (772) قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ» الحديث.

قال القاضي عياض في«إكمال المعلم»(3/137): لا خلاف أنه يجوز للمصلي في الركعة الثانية أن يقرأ بسورة قبل التي صلى بها في الأولى. اهـ.

والقول بالكراهة في القراءة على غير ترتيب المصحف قد جاء عن بعض السلف، فالمسألة فيها بعض الخلاف، ولكن الدليل يرده. وبوب البخاري رَحِمَهُ الله في صحيحه باب (106) من كتاب الأذان (باب الجمع بين السورتين في الركعة والقراءة بالخواتيم وسورة قبل سورة وبأول سورة).

وقد استدل الجمهور بحديث حذيفة وما في معناه، أن ترتيب سور القرآن اجتهادي وليس بتوقيفي.

واختاره الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله: أن ترتيب سور القرآن من اجتهاد الأئمة، كما في «مختصر صحيح مسلم» (ص192).

◆◇◆◇◆◇

تنكيسُ القراءة

يقرأ من آخر السورة إلى أولها هذا لا يجوز؛ لأن ترتيب الآيات توقيفي. قال الإمام النووي رَحِمَهُ الله في «المجموع» (2/165): قِرَاءَةُ السُّورَةِ مِنْ آخِرِهَا إلَى أَوَّلِهَا مُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ وَذَمِّهِ. اهـ.

وقال الزركشي في «البرهان»(1/256): أَمَّا الْآيَاتُ فِي كل سورة ووضع البسملة أوائلها، فَتَرْتِيبُهَا تَوْقِيفِيٌّ بِلَا شَكٍّ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَعْكِيسُهَا. اهـ المراد.

 وقال القرطبي رَحِمَهُ الله في «تفسيره»(1/61): وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَعَاطَى هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ؛ لِيُذَلِّلَ لِسَانَهُ بِذَلِكَ وَيَقْدِرَ عَلَى الْحِفْظِ، وَهَذَا حَظَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنَعَهُ فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ إِفْسَادٌ لِسُورِهِ، وَمُخَالَفَةٌ لِمَا قُصِدَ بِهَا.

أما تعليم الصبيان من آخر المصحف هذا لا مانع منه أولًا، وثانيًا فيه تسهيل الحفظ على الصبيان.

◆◇◆◇◆◇

هل الأفضل القراءة من المصحف أم القراءة عن ظهر قلب؟

من أهل العلم من رجح القراءة من المصحف، ومنهم من رجح القراءة عن ظهر قلب، والاعتبار في هذا بالخشوع والتدبر، فإن كان خشوعه وتدبره أكثر إذا قرأ من المصحف فتكون قراءته من المصحف أفضل، وإذا كان خشوعه وتدبره إذا قرأ من حفظه أكثر يكون القراءة من الحفظ أفضل. وقد ذكر معنى هذا الإمام النووي في «التبيان».

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (24/353): إذا كانت القراءة عن ظهر قلب أخشع لقلبه وأقرب إلى تدبر القرآن، فهي أفضل، وإن كانت القراءة من المصحف أخشع لقلبه، وأكمل في تدبره كانت أفضل. اهـ.

والذي عليه كثير من العلماء أن القراءة من المصحف أفضل، قال الحافظ في «فتح الباري»(9/78): وَقَدْ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مِنَ الْمُصْحَفِ نَظَرًا أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ. إلى أن قال: وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ أَسْلَمُ مِنَ الْغَلَطِ، لَكِنَّ الْقِرَاءَةَ عَنْ ظهر قلب أَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ، وَأَمْكَنُ لِلْخُشُوعِ،ثم قال: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ.