جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

(75)الإجابةُ عن الأسئلةِ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

❖❖❖❖❖❖

أسئلة

السؤال: هل الذي لا يحب أبا هريرة وأمه لا يكون مؤمنًا لقوله رضي الله عنه في الحديث الذي رواه مسلم(2491): «يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «اللهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا -يعني: أَبَا هُرَيْرَةَ- وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ المُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ المُؤْمِنِينَ»، قال أبو هريرة: فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي، وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي»؟

الجواب: هذا الحديث فيه فضيلة عظيمة لأبي هريرة وأمه رضي الله عنهما، وهو يدل على أن من علامات الإيمان محبة أبي هريرة وأمه، فيجب الحرص على محبة أبي هريرة وأمه رضي الله عنهما؛ ليكون ممن يدخل في هذه الدعوة النبوية «اللهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا -يعني: أَبَا هُرَيْرَةَ- وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ المُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ المُؤْمِنِينَ».

 قال ابن هبيرة رَحِمَهُ الله في «الإفصاح» (8/200): فهذا يدل على أن أبا هريرة مع دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آية الإيمان حبه؛ فإذا رأيت أحدا من الناس لا يحب أبا هريرة بعد هذا الحديث فاتهمه. اهـ

 والوصف بالإيمان لمن أحب أبا هريرة وأمه ليس خاصًّا بهما، فقد ثبت في «الصحيحين» البخاري (17ومسلم (74) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ».

وجاء أيضًا في حق علي بن أبي طالب أنه قال: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ: «أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» رواه مسلم (78).

وقد استفدت من والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله عن محبة الأنصار، قال: هذا إذا أحب الأنصار؛ لأنهم ناصروا دين الله عَزَّ وَجَل، ونصروا رسوله، وآووا المهاجرين، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر]. فهذا من الإيمان، وإن أبغضهم لأنهم نصروا الله ورسوله، فهذا من النفاق.

قال رحمه الله: ومثله ما جاء في علي بن أبي طالب. اهـ

قلت: فهذه الأدلة تصُبُّ في مصَبٍّ واحد.

وهذا أيضًا ليس خاصًّا بهؤلاء قال القرطبيّ رحمه الله تعالى في «المفهم»(1/264) - بعد أن ذكر فضائل الأنصار-: وهذا المعنَى جارٍ في أعيان الصحابة كالخلفاء، والعَشَرة، والمهاجرين، بل وفي كُلِّ الصحابة؛ إذ كُلُّ واحدٍ منهم له شاهد وغَنَاءٌ في الدِّين، وأَثَرٌ حَسَنٌ فيه؛ فحبُّهم لذلك المعنى محضُ الإيمان، وبُغضُهُم له محضُ النفاق. اهـ

❖❖❖❖❖❖

السؤال: عندي سؤال بارك الله فيك: إذا كان الأولاد بالغين، وقدر الله أن الله لم يهديهم هداية التوفيق، فهل يجب ضربهم وإكراههم؟ أو يجب استعمال أسلوب الترغيب والترهيب عن طريق ذكر الأدلة من القرآن والسنة، بالحكمة والموعظة الحسنة؟

الجواب: الأصل في معاملة الأولاد الصغار والكبار أنها تكون بالرفق والموعظة الحسنة، قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) [النحل]. ويقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لعائشة: «يَا عَائِشَةُ، ارْفُقِي، فَإِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا، دَلَّهُمْ عَلَى بَابِ الرِّفْقِ» رواه الإمام أحمد (41/255) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.

 والأولاد تحت رعاية الأب، فلا تنتهي رعايتهم ببلوغهم، كما في «الصحيحين» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» الحديث.

لكن الرعاية تختلف بعد البلوغ، فأكثر ما تكون بالنصح والتوجيه، والتحاور إلى الأدلة، وتدخُّل بعضِ المحبين الصادقين للنصح إذا لم ينفع من قِبَل أبيهم.

وقد جاء من الأدلة والآثار ما يدل على ضرب الأولاد البالغين عند الحاجة، ونقتصر على ما يلي:

عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ. الحديث وفيه «فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي» الحديث. رواه البخاري (334ومسلم (367). وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أبي بكر.

قال العراقي في «طرح التثريب» (2/97): فِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ بِالْقَوْلِ، وَالْفِعْلِ، وَالضَّرْبِ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا أَوْ امْرَأَةً كَبِيرَةً مُتَزَوِّجَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ.

وقال الحافظ في «فتح الباري» (1/ 433): فِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ ابْنتَهُ وَلَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً كَبِيرَةً خَارِجَةً عَنْ بَيْتِهِ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ تَأْدِيبُ مَنْ لَهُ تَأْدِيبُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ. اهـ.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِدِ» فَقَالَ ابْنٌ لَهُ: يُقَالُ لَهُ وَاقِدٌ: إِذَنْ يَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: «أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقُولُ: لَا» وهذا لفظ مسلم (442والحديث عند البخاري (899) دون ذكر قصة ضرب ولد ابن عمر.

فهذا ابنٌ لعبد الله بن عمر يضربه أبوه في صدره مع أنه كبير؛ لاعتراضه على الدليل.

فإذا كان الضرب ينفع الولد البالغ فهذه مسئوليته وهم تحت رعايتِهِ، وهذا إذا كان الأب قادرًا فإنه قد يضعف أمام أولاده إذا صاروا بالغين، ويصير لا هيبة له.

وإذا كان الضرب لا ينفع وربما زاده عتوًّا ونفورًا فهنا لا يشرع ضربه؛ لأن المقصود مصلحة الولد وهدايته، لا زيادة أمره.

وإذا كان الهجر ينفع الولد، فيهجر لمصلحته، وقد هجر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كعب بن مالك وصاحبيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، فانتفعوا بذلك انتفاعًا عظيمًا، ورجعوا، وأنابوا إلى الله عَزَّ وَجَل.

ويُنصح الآباء بالدعاء لأبنائهم؛ فإن الدعاء شأنه عظيم، ودعوة الوالدين لا تُرد.

❖❖❖❖❖❖