جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 16 نوفمبر 2020

(69)الإجابةُ عن الأسئلةِ

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أجوبة  على مجموعة من الأسئلة وصلتني من أخوات لي في الله، نفعنا الله وإياكم بها. 

 ︽︾︽︾︽︾︽

السؤال: ممكن توضحين لي هذه العبارة قرأتها في «تفسير الشوكاني» في سورة هود (2/560): ﴿فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾ وَالْمَلَأُ: الْأَشْرَافُ، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرُ مَرَّةٍ، وَوَصْفُهُمْ بِالْكُفْرِ: ذَمًّا لَهُمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ أَشْرَافِ قَوْمِهِ لَمْ يَكُونُوا كَفَرَةً.

ماذا يقصد حين قال: فيه دليل أن بعض أشراف قومه لم يكونوا كفرة؟

يعني: هل كان فيه من أشراف قومه مؤمنين؟

الجواب: كلام الإمام الشوكاني رَحِمَهُ الله في «فتح القدير» سورة هود رقم الآية(27)، استنبط من هذه الآية، وقال: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ أَشْرَافِ قَوْمِهِ لَمْ يَكُونُوا كَفَرَةً. اهـ.

الشاهد: أنه هو وصف الملأ، وهم: الأشراف والكبار بالكفر، وما أطلق لم يقل: (فقال الملأ من قومه) فدل هذا على أن هناك ملأ من قومه لم يكفروا.

و﴿ الَّذِينَ ﴾ اسم موصول، صفة، والله أعلم.

 ︽︾︽︾︽︾︽

السؤال: إذا فاتتني راتبة الفجر، فهل لي أن أصليها بعد الفريضة، ولو كان وقت كراهة؟

الجواب: يجوز صلاة راتبة الفجر لمن فاتته؛ بسبب مثلًا: إدراك صلاة الجماعة، أو نسيها، صلى الفريضة ولم يصلِّ الراتبة، فيجوز أن يصليها بعد الفريضة، ويجوز أن يؤخرها إلى بعد طلوع الشمس، فقد وردت الأدلة بهذا وبهذا.

روى ابن حبان رَحِمَهُ الله في «صحيحه» (1563) عَنْ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ: «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ».

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ عَنْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَقَضَاهُمَا بَعْدَ مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ» رواه ابن ماجه (1155)، وهو في «الصحيح المسند» (1258) لوالدي رَحِمَهُ الله.

وكلا الحديثَين صححهما الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان».

فاستفدنا مما تقدم: جواز الأمرين.

وأن صلاة الراتبة بعد صلاة الفجر لمن فاتتة مخصص لأحاديث النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس. روى البخاري (586)، ومسلم (827)عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ».

ومن خشي أن يُشغل، أو يتساهل، أو ينسى، فليبادر إلى صلاتها بعد صلاة الفجر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على راتبة الفجر، ولم يكن يتركها سفرًا، ولا حضرًا.

قالت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العِشَاءَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا، وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ يَدَعْهُمَا أَبَدًا» رواه البخاري (1159).

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ» رواه البخاري (1169)، ومسلم (724).

  ︽︾︽︾︽︾︽

 نصيحتي لابنتي طالبة العلم

 السؤال: أثابكم الله، وشكر لكم سعيكم، وتقبله منكم.

مرت بيننا أعوام وأنا أتتلمذُ على يديكِ، فهل من نصيحة تقدميها إلي أتمسك بها لعل الله ينفعني بها؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب: زادك الله حرصًا على الخير، ونفعك، وثبتك.

نصيحتي لك بما يلي:

-تقوى الله عَزَّ وَجَل، وتقوى الله وصيتُهُ للأولين والآخرين، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]. ومن لازم تقوى الله وصل إلى مطلوبه وظفر بكل خير.

-الإخلاص، قال تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر: 3].

وقال سُفْيَانُ بن سعيد الثوري: «لَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ، لِمَنْ حَسُنَتْ فِيهِ نِيَّتُهُ». رواه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» ص(182)، والخطيب في«شرف أصحاب الحديث» ص(127).

وقال حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: «مَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ لِغَيْرِ اللَّهِ مُكِرَ بِهِ». كما في «جامع بيان العلم وفضله» (1153).

 فمن طلب العلم لأجل دنيا فانية، أو لمحمدة الناس، أو لشهرة وسمعة، فهذا عليه أن يعلم أنه قد سلك طريقًا خطيرة، وأنه سيسقط في وسط الطريق، أعاذنا الله وإياك.

وكثيرًا من الآفات التي تدخل على طالبة العلم -سببها فقد الإخلاص أو ضعفه-: كالكبر، والحسد، والانقطاع عن طلب العلم، كما هو شأن كثير من الذين كانوا طلابَ علم ثم تركوا ولم يستمروا، وكما قال الشاعر:

 عنوا يطلبون العلم في كل بلدة. . . شبابا فلما حصلوه وحشروا

وصح لهم إسناده وأصوله. . . وصاروا شيوخا ضيعوه وأدبروا

ومالوا على الدنيا فهم يحلبونها. . . بأخلافها مفتوحها لا يصرر

فيا علماء السوء أين عقولكم. . . وأين الحديث المسند المتخير

«روضة العقلاء» ص(36)، وقد كان والدي الشيخ مقبل رحمه الله كثيرًا ما يُرَدِّدُ هذه الأبيات علينا في دروسه وخُطَبِه ونصائحه.

-التميز عن الجاهلات بالتحلي بأوصاف طالبات العلم الحميدة من: تواضع، وصدق، وحياء، ومكارم أخلاق، ومسابقة إلى العلم النافع والدار الآخرة، الله يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ [الأحزاب]. ومن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم التخلُّق بأخلاق القرآن، روى الإمام مسلم (746) عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالت: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ».

وقال أبو عاصم الضحاك بن مخلد: مَنْ طَلَبَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَدْ طَلَبَ أَعْلَى أُمُورِ الدُّنْيَا، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ النَّاسِ. أخرجه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (6)، ولفظة (طَلَبَ أَعْلَى أُمُورِ الدُّنْيَا)هكذا عند الخطيب، ولكن في كتب المصطلح، مثل: «مقدمة ابن الصلاح» ص(246) فيها: فَقَدْ طَلَبَ أَعْلَى أُمُورِ الدِّينِ. . وهذا أنسب؛ لأن العلم من أمور الدين، وليس من أمور الدنيا.

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطبِّقون ما يتعلمونه أشد من تطبيق المريض كلام الطبيب الحاذق. وهذا هو العلم النافع، وهذا ثمرة العلم، فإن العلم شجرة والعمل ثمرة.

-الصبر والجد والاجتهاد في تحصيل العلم، قال تعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 78]. وقال تعالى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: 12]. وقال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ» رواه مسلم (2664) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

-الحذر من مداخل الشيطان، فإنه حريص على تضييع أوقات طالبة العلم، وقد يكون في أمور غيرها أنفع منها.

قال تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4))[التكاثر].

وأخرج ابن عبدالبر رحمه الله في جامع بيان العلم وفضله(1988)عن حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكِنَانِيَّ قَالَ: خَرَّجْتُ حَدِيثًا وَاحِدًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِائَتَيْ طَرِيقٍ أَوْ مِنْ نَحْوِ مِائَتَيْ طَرِيقٍ، شَكَّ أَبُو مُحَمَّدٍ-الراوي لهذا الأثر عن حمزة-قَالَ: فَدَاخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْفَرَحِ غَيْرُ قَلِيلٍ وَأُعْجِبْتُ بِذَلِكَ.

 قَالَ: فَرَأَيْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا خَرَّجْتُ حَدِيثًا وَاحِدًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِائَتَيْ طَرِيقٍ قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: أَخْشَى أَنْ يَدْخُلَ هَذَا تَحْتَ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1]، والأثر حسن.

قال ابن القيم رحمه الله في «عِدَة الصابرين»(171): منهم من يلهيه التكاثر بالجاه أو بالعلم فيجمعه تكاثرا وتفاخرا وهذا أسوأ حالا عند الله ممن يكاثر بالمال والجاه فإنه جعل أسباب الاخرة للدنيا وصاحب المال والجاه استعمل أسباب الدنيا لها وكاثر بأسبابها

-الإنفاق مما علمكِ الله، فإن هذا من أجلِّ القرُبات، وفيه تثبيت لمعلوماتك ورسوخها. وقد ذكر لنا والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله في سياق حثه على التعليم، قال: لَأَن تدرِّس الكتاب إخوانك مرة واحدة خير لك من أن تقرأه بمفردك عشر مرات.

وإنفاق العلم من خدمة العلم، وقد قال الشافعي رحمه الله: «لَا يَطْلُبُ هَذَا الْعِلْمَ مَنْ يَطْلُبُهُ بِالتَّمَلُّكِ وَغِنَى النَّفْسِ فَيَفْلَحُ، وَلَكِنْ مَنْ طَلَبَهُ بِذِلَّةِ النَّفْسِ، وَضِيقِ الْعَيْشِ، وَخَدَمَةِ الْعِلْمِ أَفْلَحَ». رواه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (202).

-توقير العلم وصيانته، وهذا من أبرز وأعلى وأهَمِّ صفات الطالبة، ومن صان علمَه، صانه علمُه، وحفظه من الفتن، والأهواء، ومن الشهوات، والشبهات.

قال علي بن عبد العزيز الجرجاني رَحِمَهُ الله، كما في «طبقات الشافعية الكبرى »(3/461) للسبكي:

ولو أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوهُ صَانَهَمْ * ولو عَظَّمُوهُ في النُّفُوسِ لَعُظِّمَا

 ولكنْ أَذَلُّوهَ فَهَانَ وَدَنَّسُوا * مُحَيَّاهُ بالأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا

  ︽︾︽︾︽︾︽

التدرج في دروس النحو

السؤال: من درست ابتدائيات في النحو، فهل لها أن تدخل في درس «شرح قطر الندى»؟

الجواب: الأشخاص يتفاوتون، فمنهم: من أعطاه الله قدرة على الفهم، بحيث ممكن يأخذ «متن الآجرومية» مع شرحها، ثم ينتقل إلى «شرح قطر الندى» لابن هشام.

ومنهم من يجد صعوبة، فهذا يتريَّث، ويتدرج في علم النحو، مثلًا: يأخذ «التحفة السنية شرح متن الآجرومية»، ثم «متممة الآجرومية»، ثم «شرح قطر الندى»، ثم «شرح ابن عقيل».

والتدرج في الفنِّ الواحد شأنه عظيم في الاستفادة، وفي محبة الفن. وقد قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/163)-شرح قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا»-: تَعْلِيمُ الْعِلْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالتَّدْرِيجِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ سَهْلًا حُبِّبَ إِلَى مَنْ يَدْخُلُ فِيهِ وَتَلَقَّاهُ بِانْبِسَاطٍ وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ غَالِبًا الِازْدِيَادَ بِخِلَافِ ضِدِّهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.

  ︽︾︽︾︽︾︽

السؤال: يشق علي حفظ القرآن بإتقان، فهل لي أن أكتفي بتلاوته نظرًا، أم أن الأفضل غيبًا؟

الجواب: أنصحك بالجمع بين الأمرين: الحفظ، والتلاوة من المصحف. فإن حفظ القرآن من أفضل القربات وأجلها، وجاهد في حفظه، ولا تيأسي من رحمة الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) ﴾ [العلق]. وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) ﴾ [الإسراء]. وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) ﴾ [القمر].

فالقرآن ميسر لمن أراد حفظه.

 فاستعيني بالله، واحفظي وقت صفاء ذهنك، وامشي ببُطء قليلًا قليلًا، ولا تتعجلي حتى ولو آيات يسيرة في اليوم، هذا خير عظيم، أعانك الله ووفقك.

  ︽︾︽︾︽︾︽

 السؤال: أنا ختمت والحمدلله القرآن عند واحدة مجيدة ولم آخذ الإجازة، لكن الحمدلله وبفضل الله قراءتي وتعليمي للبنات لا بأس به، قررت أن أفهمهن الذي أفهمه من التجويد لحاجتهن لذلك، وليس لدي العلم الكافي، فهل لي أن أدرسهن الذي أفهمه، وأترك الذي لست أفهمه؟

الجواب: احرصي على تعليم ما أتقنتيه، ولا تتجاوزيه.

إِذا لَم تَستَطِع شَيئاً فَدَعهُ. . . وَجاوِزهُ إِلى ما تَستَطيعُ.

واسألي الله الإعانة.

 ثم أنصحك بالتزود من العلم النافع؛ لتكوني على علم، وبصيرة في عبادتك، وأخلاقك، ودعوتك، وتعليمك، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ﴾ [يوسف].

 ︽︾︽︾︽︾︽

 السؤال: هل حديث «أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار» صحيح؟

الجواب: هذا الحديث رواه الدارمي (159) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا، أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ».

وعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ليس بصحابي، بل وليس بتابعي، قال الشيخ الألباني رحمه الله في «الضعيفة» (1814) عن هذا الحديث: وهذا إسناد ضعيف لإعضاله، فإن عبيد الله هذا من أتباع التابعين، مات سنة 136، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم واسطتان أو أكثر. اهـ.

 وفيه ما يغني عنه من الأدلة التي تدل على خطر الفتوى، فقد ثبت في «الصحيحين» البخاري (7307)، ومسلم (2673) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ العِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ العُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ، يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ».

في هذا الحديث: أن الفتوى بجهل سببٌ للضلال والإضلال.

وبوب والدي رَحِمَهُ الله في «الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين» (باب إثم المفتي إذا لم يثبت في فتواه) على حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رقم (1336)عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنِ اسْتَشَارَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ فَقَدْ خَانَهُ، وَمَنْ أَفْتَى فُتْيَا بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ فَإِنَّ إِثْمَهَا عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ».

 رواه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (334).

  ︽︾︽︾︽︾︽

السؤال: سائلة تقول: حفظكم الله نريد منك توضيح معنى حديث: عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبي مَسْعودٍ قَالَ: أَشارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ، فَقالَ: «الإِيمانُ يَمانٍ هَهنا، أَلا إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ في الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصولِ أَذْنابِ الإِبْلِ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنا الشَّيْطانِ في رَبيعَةَ وَمُضَرَ».

الجواب: الحديث رواه البخاري(3302)، ومسلم (51).

وقوله: «الإِيمانُ يَمانٍ هَهنا» الإشارة إلى اليمن، قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (6/352): فَقَالَ الْإِيمَانُ فِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يَمَانٍ الْأَنْصَارُ لِكَوْنِ أَصْلِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ؛ لِأَنَّ فِي إِشَارَتِهِ إِلَى جِهَةِ الْيَمَنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُهَا حِينَئِذٍ لَا الَّذِينَ كَانَ أَصْلُهُمْ مِنْهَ، وَسَبَبُ الثَّنَاءِ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ إِسْرَاعُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَقَبُولُهُمْ. اهـ.

وهذا يفيد فضل أهل اليمن، لكن هذا الفضل المذكور هنا وفي الأحاديث الأخرى مما في معناه في فضل اليمن وأهله لا يلزم منه أن يكون في جميع الأوقات، قال والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله في «مقتل الشيخ جميل الرحمن»(92)عن حديث: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفي يمننا»قالوا: وَفِي نَجْدِنَا إلى أن قال: «هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»، قال: لا يلزم استمراره في جميع الأوقات، فممكن أن يأتي في وقت ثم في وقت ثم في وقت ثم في وقت، لماذا؟ انظر حالة الشام الآن كيف هي بها نصيرية أكفر من اليهود والنصارى ولست أعني أن أهل الشام كلهم كذلك، وانظر إلى حال اليمن فاليمن التي هي بلدنا اليمن الشمالية ففيها عمل صالح وآخر سيئ.. الخ.

ثم يجب أن يُعلم أن العلوم التي في فضائل البلدان لا تنفع أحدًا، فقد أخرج الإمام مالك في «الموطأ» (7) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَنْ هَلُمَّ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ: «إِنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا. وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ.

ولكن فضائل البلدان: كفضل اليمن، والشام، ومكة، والمدينة تُذكر لمعرفتها؛ ولشكر الله عليها، ولتنبيه أهلها أن يستقيموا على دينه، وأن يشكروا الله على ما أنعم به عليهم. هذا ذكرتُه للتنبيه.

وقوله: «أَلا إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ» قال القرطبي في «المفهم» (1/237): القَسوَةُ وَغِلَظَ القُلُوبِ: اسمان لمسمًّى واحدٍ. اهـ.

وقوله: «في الْفَدَّادِينَ» الفَدَّادُون بِالتَّشْدِيدِ: الَّذِينَ تَعْلو أصْواتُهم فِي حُرُوثهم ومَواشِيهم، واحِدُهم: فَدَّاد. يُقال: فَدَّ الرجُلُ يَفِدُّ فَدِيداً إِذَا اشْتَدَّ صَوْته.

وَقِيلَ: هُمُ المُكْثرون مِنَ الْإِبِلِ.

وَقِيلَ: هُمُ الجَمَّالُون والبَقَّارُون والحَمَّارُون والرُّعْيان.

وَقِيلَ: إِنَّمَا هُوَ «الفَدَادِين» مُخَفَّفا، واحِدها: فَدَّان، مُشَدَّدٌ، وَهِيَ البَقَر الَّتِي يُحْرَث بِهَا، وأهلُها أهلُ جَفاء وغِلْظَة. اهـ. من «النهاية» (3/419).

قوله: «عِنْدَ أُصولِ أَذْنابِ» المراد به، والله أعلم: الملازمون للإبِلِ، السائقون لها. قاله القرطبي في «المفهم» (1/238).

قوله: «قَرْنا الشَّيْطانِ» قال ابن الصلاح في «صيانة صحيح مسلم» ص(216): وقرنا الشَّيْطَان جَانب رَأسه، وَقيل: هما جمعاه اللَّذَان يغريهما بإضلال النَّاس، وَقيل: شيعتاه من الْكفَّار.

وَالْمرَاد بذلك: اخْتِصَاص الْمشرق بمزيد من تسلط الشَّيْطَان وَمن الْكفْر، كَمَا قَالُوا فِي الحَدِيث الآخر: «رَأس الْكفْر نَحْو الْمشرق»، وَكَانَ ذَلِك فِي عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ ذَلِك، وَيكون حِين يخرج الدَّجَّال من الْمشرق، وَهُوَ فِيمَا بَين ذَلِك منشأ للفتن الْعَظِيمَة، ومثار للكفرة التّرْك العابثة العاتية الشَّدِيدَة الْبَأْس، وَالله أعلم. اهـ.

 وهذه الأوصاف السيئة المذكورة مُبيَّن في آخر الحديث أن الموصوفين بها: ربيعة ومضر.

قال ابن الصلاح في «صيانة صحيح مسلم» ص(216): قوله: «في رَبيعَةَ وَمُضَرَ» بدل من قَوْله «فِي الْفَدادِين » أَي: الْقَسْوَة فِي ربيعَة وَمُضر الْفَدادِين وَالله أعلم. اهـ.

 قال ابن الجوزي رَحِمَهُ الله في «كشف المشكل»(2/202): كَأَن الْإِشَارَة إِلَى الْقَوْم قبل إسْلَامهمْ، وتعرُّفِهم آدَاب الشَّرْع. اهـ.

 ويستفاد من الحديث: ذم هذه الأوصاف. والحث على اللين، والرحمة، والشفقة، والله أعلم.

 ︽︾︽︾︽︾︽

الدُّمَى(لعب الأطفال)

السؤال: تقول إحدى أخواتي في الله: أحسن الله إليكم، تقول السائلة: وجدت فتوى للعثيمين تبيح اقتناء الدُّمى للبنات، والتعليل مذكور في هذه الفتوى الآتية، فهل من رد على ذلك؟

قُدِّم للشيخ ابن عثيمين سؤالٌ: فضيلة الشيخ هذا السائل يسأل عن اللعب المجسمة التي للأطفال الخاصة بالأولاد والدمى والدبب، ما حكم جلبها للأولاد حتى يلعبوا بها؟

فأجاب رحمه الله تعالى: أما من جهة الصور المجسمة من غير الأطفال كصورة الدب والجمل والذئب والأسد وما أشبه ذلك فهذه لا تجوز؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. وأما لعب البنات فلا أشدد فيها؛ لأنه قد كان لعائشة لعب تلعب بهن، وإن كانت اللعب التي في زمن عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن؛ لأنها الآن متقنة تماماً حتى كأنها بشر، ومع ذلك لا أشدد فيها: إن حصل اللعبة المعروفة التي من القطن وشبهه كالتي استحدثت أخيرًا فهذا أحسن، وإن لم يحصل فلا أقول إن في جلبها للبنات الصغار إثمًا؛ لأن هذا يعودها الرأفة والرحمة بالأطفال، ولذلك أسمع أن بعض البنات الصغار يكون لها لعبة ثم تأتي بها أمام المكيف وتشغل المكيف وتقول: أريد من بنتي أن تبرد، الوقت حار، وربما ترشها بالماء لترويشها، مما يدل على أن لها تأثيرًا في خلق المرأة وتربية أبنائها في المستقبل. «مجموع الفتاوى»(4/2)؟

الجواب: الأدلة الواردة في لُعب الأطفال جاء في ذلك بعض الأحاديث:

 عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ»، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ. رواه البخاري (1960)، ومسلم (1136).

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ » قَالَتْ: بَنَاتِي، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ؟ » قَالَتْ: فَرَسٌ، قَالَ: «وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟ » قَالَتْ: جَنَاحَانِ، قَالَ: «فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟ » قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ. رواه أبو داود (4932).

نستفيد من هذين الحديثين: أنه لا بأس بصُنع اللعبة للأطفال، ويكون هذا فيه استثناء من النهي عن تحريم صور ذوات الأرواح، وأن المأذون فيه ما صُنِع في البيت من الخرق والعهن.

قال الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله: من هذا الحديث وذاك أخذنا جواز هذه اللعب المنزلية البيتية، أما أن نلحق بها هذه اللعب التي تأتي من أوروبا فهذا أبعد ما يكون عن الجواز. اهـ. من « جامع تراث العلامة الألباني في الفقه» (16/176).

وقُدم للشيخ الألباني رَحِمَهُ الله سؤال: يا شيخ! الشيء البيتي يمكن للأب أو الأم تصنع ما شاءت للأطفال؟

الشيخ: يا أخي! الأم، الأخت الكبيرة، الخالة، العمة، هذه أمور يعني عادية.

السائل: ممكن الأم أو الأب يصنع لابنه الصغير ما شاء من الدمى من العهن والقماش؟

الشيخ: نعم ممكن، وأتينا لك بمثال خيل سليمان عليه السلام، ما أنكر. اهـ. من «جامع تراث العلامة الألباني في الفقه» (16/180).

وقال والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله في «غارة الفصل» ص(125) بعد أن ذكر عموم الأدلة تحريم تصوير ذوات الأرواح: ويستثنى من ذلك لعب الأطفال التي تكون من الخرق والعهن كما في لعبة عائشة الفرس الذي له أجنحة، وأما أن تشترى من البلاستيك فلا.

وإياك أيها السني أن تجاري أهل مجتمعك، فكثير من الناس لا يتقيد بالدليل، بل أصبح يجاري أعداء الإسلام، ويتبعهم حذو القذة بالقذة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصاري؟ قال: فمن. اهـ

وبعد هذا، وإن كان القول الآخر-وهو إباحة لعب الأطفال المصنوعة من البلاستيك ونحوها-لبعض العلماء الأجلاء، فالمعتبر الدليل، وقد قال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) ﴾ [النساء].

ولقد أحسن أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر رحمه الله اذ يقول: وَالْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ السُّنَّةُ فَمَنْ أَدْلَى بِهَا فَقَدْ أَفْلَحَ. اهـ. «التمهيد» (22/74).

وقال الشاعر:

إذا جَالَتْ خُيُولُ النَّصِّ يَوْمًا. . . تُجَارِي في مَيَادِينِ الْكِفَاحِ

غَدَتْ شُبَهُ الْقِيَاسِيِّينَ صَرْعَى. . . تَطِيرُ رُؤُوسهُنَّ مَعَ الرِّيَاحِ

ثم اعلمي أن الشيخ ابن عثيمين في «فتاوى نور على الدرب» قد قال عن هذه المسألة:

ولاشك أن الأحوط أن يتجنب الإنسان ما فيه شبهة، وفي هذه الحال يمكنه أن يبقي هذه الألعاب بين أيدي الصبيان، ولكن يلينها في الماء ثم يغمز وجوهها حتى تتغير خلقتها ولا يبقى لها صورة وجه كاملة، وحينئذ يلعب بها الصبيان. على أن خيرًا من ذلك وأولى أن يأتي لهم بألعاب أخرى: كالسيارات، والطيارات، والحمالات، وما أشبهها، مما يلعبون به بدون أي شبهة. والله أعلم.

 ︽︾︽︾︽︾︽

ما أجمل الحياة في بيوت أهل العلم والفضل!

السؤال: كيف كانت سعادتكم في أيام والدكم الشيخ مقبل رحمه الله؟

الجواب: الله المستعان، إني لأعجز عن بيان سعادة وحلاوة تلكَ الأيامِ المباركة، إنها سعادة لا نظير لها، يعرفها كلُّ من أقبل على العلم النافع والدار الآخرة، كما قال الحسن البصري: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا بالسيوف.

وخاصة مَنْ نشأ منذ نعومة أظفارِه على السنة والعلم، كما قال أيوب السختياني رحمه الله: من سعادة الحَدث والأعجمي أن يوفَّق للسنة من أول وهلة.

وبفضل الله لقد تأثرَتْ قلوبُنا بنصائح والدي وتربيته، وبثِّه لعقيدة أهل السنة، وحثه على الأدب مع الأدلة. . . ، حتى كنَّا كأننا نشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأمر بالشيء، أو ينهى عنه، أو وهو يتحدث به. والله أذكر والدي وهو يحذرنا من جلساء السوء فذكر قوله تعالى: ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) ﴾ [الصافات].

سمعت والدي وأنا في مكان النساء الخاص، يقول بخشوع في صوته وكلامه: اطلع صاحب الجنة على قرينه الذي كاد أن يغويه، فرآه في النار في وسط الجحيم.

وكنا كأننا نشاهد اطلاع صاحب الجنة على قرينه في النار؛ لقوة الإيمان، أعاذنا الله وإياكم من النار.

وفي قصة حمزة لما شرب الخمر وذلك قبل تحريمها مرَّ معنا في الدرس: عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ المَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الخُمُسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ، فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ، وَالغَرَائِرِ، وَالحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، رَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا شَارِفَايَ قَدْ اجْتُبَّ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ المَنْظَرَ مِنْهُمَا، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَهُوَ فِي هَذَا البَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ؟ »، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ، فَارْتَدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُمْ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، «فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ»، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ، مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ القَهْقَرَى، وَخَرَجْنَا مَعَهُ. رواه البخاري(3091)، ومسلم(1979).

مرَّ معنا هذا الحديث في درس والدي رحمه الله فعلَّق عليه:

هذا من سياسة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، رجع ولم يولِّه ظهرَه؛ لأنه لا يَأْمَنُ مِن الأذى، فحمزة سكران مغلوبٌ على عقلِه.

قلت: رحم اللهُ والدي كان يقرأ هذا الحديثَ بتمَهُّل وتأمُّل في معانيه، وكان لذلكَ أثرٌ عظيمٌ في قلوبنا حتى كأننا نشاهدُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأعيُنِنَا، وكأننا نشاهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرجع إلى ورائه.

 ولا يُستغْرَبُ ذلك فقد ثبت في «صحيح مسلم» (2750) عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: -وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا ذَاكَ؟ » قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

 ومما علق والدي على قصة حمزة: لو قالها في غير سُكره لكان كافرًا.

وقُدِّم له سؤال: إذا قتل السكران رجلًا فهل يُعزّر؟

فأجاب: يدفع الدية ولا يعزر، «فقد شرب حمزة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذات مرة خمرًا، وقال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل أنتم إلا عبيد لأبي».

فلله الحمد والشكر إذ مَنَّ علينا بتلك الأعوام المباركة، رغم أنه لم يكن عندنا كهرباء حكومي، ولا غسالة ثياب، ولا ثلاجات، ولا أسباب المعيشة التي توَفِّرُ لنا الوقت، إلا أننا لا نبالي، بل ولا نفكِّرُ في ذلك، وما أحسن القناعة! والنفس إذا قنِعَت تصير مطمئنة مرتاحة، والبركة من الله.

وكان هناكَ من يأتي هو وأهله لطلب العلم ورُبَّما لا يصبر على حالة إخوانه، حتى إن امرأة من(إب) الحق أنها طالبة علم لكنها لم تصبرْ تقول: تعبَتْ من غسيل الثياب بيدها ومن كذا. . فألحَّت على زوجها بالمغادرة، فصرَفَتْه عن الاستمرار في طلب العلم في (مركزنا)، ثم ندمت بعدُ، وقالت: نعود فرفض زوجها، وقال: أنت السبب في خروجنا والآن لن نرجع، كما أخبرتني بذلك.

ولهذا كان والدي رحمه الله إذا سُئِل عن كيفية الالتحاق بــ(مركزنا)، وما هي الشروط؟ وربما كان السائل من بلد مترَفَةٍ فكان يذكر له بعض الحال الذي عندنا؛ ليكونَ موطِّنًا لنفسه على الصبر ولا ينصدِمَ.

أسأل الله أن يرحم والدي ويغفر له، وأسأله سبحانه أن يرزقنا رعاية تلك النعمة بالمحافظة عليها، وأن يثبتنا على ذلك، ونسأله المزيد من فضله.

 ︽︾︽︾︽︾︽