جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 11 مايو 2020

(9)دروس مختصرة في الصيام من كتاب عمدة الفقه الحنبلي

الدرس التاسع

بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ

وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوِ اسْتَقَاءَ أَوِ اسْتَمْنَى، أَوْ قَبَّلَ، أَوْ لَمَسَ، فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى،أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ حَتَّى أَنْزَلَ،أَوْ حَجَمَ أَوِ احْتَجَمَ عَامِدًا، ذاكِرًا لِصَوْمِهِ، فَسَدَ صَوْمُهُ،وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، لَمْ يَفْسُدْ.

الشرح

قوله رحمه الله:(وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ)

من مبطلات الصيام الأكل و الشرب عامدًا ذاكرًا،وقد صرَّح بذلك المؤلف في قوله:(عَامِدًا، ذاكِرًا لِصَوْمِهِ).

 والدليل قوله تعالى:( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْط الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْط الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ).

قوله رحمه الله ( أو استعط )

السعوط : ما يصل إلى الجوف عن طريق الأنف .

و هذا إن كان من المطعومات والمشروبات فهو من المفطرات.والدليل:عن  لَقِيطِ بْنِ صَبرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» رواه أبو داود (2366).نُهي الصائم عن المبالغة في الاستنشاق حتى لا يدخل إلى حلقه شيءٌ من الماء.

قوله:(أَوِ اسْتَقَاءَ)

الاستقاء: إخراج القيء عمدًا . وهذا على  قول جمهور العلماء أنَّ من استقاء فعليه القضاء، ودليلهم:عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ» رواه أبو داود (2380)،والترمذي (720).ولكنه حديث معل.وقد ذكره والدي رحمه الله في أحاديث معلة.

وجاء عن ابن عباس وأبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أن الذي يفطر هو ما دخل لا ما خرج ،وهو اختيار البخاري في صحيحه تبويب حديث (1938)،وهو إحدى الروايتين عن مالك.

أما من غلبه القيء فقال ابن المنذر في «الإجماع»فقرة (126):أجمعوا على أنه لا شيء على الصائم إذا ذرعه القيء، وانفرد الحسن البصري، فقال: عليه، ووافق في أُخرى.اهـ.

(أَوِ اسْتَمْنَى)قال الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع »(6/373): أي: طلب خروج المني بأي وسيلة، سواء بيده، أو بالتدلك على الأرض، أو ما أشبه ذلك حتى أنزل، فإنّ صومه يفسد بذلك، وهذا ما عليه الأئمة الأربعة  رحمهم الله ،مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد.اهـ

والدليل أنه من المفطرات إذا استدعى المني فأنزل:عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وفيه: « يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي » رواه البخاري (1894)،ومسلم (1151).

 

(أَوْ قَبَّلَ، أَوْ لَمَسَ، فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى)

هذا على مذهب جمهور الحنابلة أنه إذا قبَّل أو لمس فأمنى أو أمذى فسد صومُه.

أما فساد الصوم بخروج المذي إذا قبَّل أو لمس فبعيدٌ جدًّا،لعدم الدليل أنه يُفَطِّر.وهذا اختيار شيخ الإسلام والشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع»(6/376).

والقُبْلة جائزة للصائم إذا أمِن على نفسِه،شيخا كان أو شابًّا.

والدليل:عَنْ عُمَرَ بْنِ أبي سَلَمَةَ: أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ: سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْبَرَتْهُ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ: أما وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قوله:(أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ حَتَّى أَنْزَلَ)

ذكر الشيخ ابن عثيمين فيه تفصيلًا،وقال:إن كرره حتى أنزل فسد صومه، وإن أنزل بنظرة واحدة لم يفسد، إلا أن يستمر حتى ينزل فيفسد صومه، لأن الاستمرار كالتكرار، بل قد يكون أقوى منه في استجلاب الشهوة والإنزال.«الشرح الممتع»(6/377).

(أَوْ حَجَمَ أَوِ احْتَجَمَ)

من أدلة من قال:الحجامة من المفطرات:عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ».وهذا قول الحنابلة،وإسحاق بن راهويه،واختاره شيخ الإسلام.

وذهب جمهور العلماء إلى أن الحجامة لا تبطل الصوم، وهذا اختيار البخاري في «صحيحه» في تبويب حديث (1938)،والشوكاني في «نيل الأوطار»(4/568)،وهو قول والدي.

والدليل:عن ابن عباس «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ»رواه البخاري.

عن ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ لأنسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ»رواه البخاري.

والجواب عن حديث الفطر بالحجامة أن هذا باعتبار ما يؤول إليه الأمر، فالحاجم قد يدخل إلى جوفه شيء من الدم بواسطة آلة الحجامة، والمحجوم قد يضعف فيحتاج إلى الفطر، كما قال أنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ». وهذا قول والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله فقد سألته وأجابني بذلك.

قوله:(عَامِدًا، ذاكِرًا لِصَوْمِهِ، فَسَدَ صَوْمُهُ،وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، لَمْ يَفْسُدْ)

العامد:هذا القيد أخرج من يحصل له بغير اختياره،وهذا في حالين:

-المكره،والدليل:قول الله عز وجل:﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)﴾[النحل]،فإذا كان هذا في الكفر للمكره فما دونه من باب أولى.

-أن يدخل إلى حلقه شيءٌ بالغلبة مثل:صائم تمضمض أو استنشق فدخل الماء إلى حلقه،أو ذباب دخل إلى حلقه،والدليل قوله تعالى:﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: 5]

والذاكر أخرج الناسي،فالناسي إذا أكل أو شرب فصيامه صحيح.

والدليل: عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».رواه البخاري (6669)، ومسلم (1155).

نكون استفدنا بعض المفطرات للصائم،وفي بعضها خلاف.

ولم يذكر رحمه الله أن يكون عالمًا ليخرج بهذا القيد الجاهل. وقد نبَّه على هذا القيد الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع»(6/ 387)،وقال:والصحيح اشتراط العلم، لدلالة الكتاب والسنة عليه، فتكون شروط المفطرات ثلاثة: العلم، والذكر، والعمد.

انتهى الدرس التاسع،ولله الحمد والمنة.