جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 29 أبريل 2020

(22)تذكيرٌ بالصَّحابة رضي الله عنهم


كذب دعوى الصحبة بعد مائة سنة من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام 


عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ:صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ، فَقَالَ:«أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَة مِنْهَا، لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ»رواه البخاري(116)،ومسلم (2537).


وزاد مسلم:قَالَ ابْنُ عُمَرَ:فَوَهَلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ، فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ.


قال ابن الجوزي في «كشف المشكل»(3/70):عنى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك الْمَوْجُودين حِينَئِذٍ من يَوْم قَوْله هَذَا، وَهَذَا قَالَه قبل أَن يَمُوت بِشَهْر كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث،فَمَا بلغ أحد مِمَّن كَانَ مَوْجُودا من يَوْمئِذٍ مائَة سنة.اهـ


قال العراقي في «شرح الألفية»(2/129):لو ادَّعاهُ بعدَ مضيِّ مائةِ سنةٍ من حينِ وفاتهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإنهُ لا يُقبلُ وإنْ كانتْ قدْ ثبَتَتْ عدالتُهُ قبلَ ذلكَ، لقولهِ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  في الحديثِ الصحيحِ: (أرأيتُكم ليلتكم هذهِ، فإنَّهُ على رأسِ مائةِ سنةٍ لا يبقى أحدٌ ممّنْ على ظهرِ الأرضِ).اهـ


وهذا من الأمور الغيبية التي أطلَعَ الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليها،وكان الأمر كذلك.فالحديث من معجزات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


قال الحافظ في «فتح الباري»(10/556):كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ يَظُنُّونَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الدُّنْيَا تَنْقَضِي بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ،فَلِذَلِكَ قَالَ الصَّحَابِيُّ: فَوَهِلَ النَّاسُ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ،وَإِنَّمَا أَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ انْخِرَامَ قَرْنِهِ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ عِيَاضٌ مُخْتَصَرًا.

 قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ مَقَالَتِهِ تِلْكَ عِنْدَ اسْتِكْمَالِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ سَنَةِ مَوْتِهِ أَحَدٌ وَكَانَ آخِرُ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْتًا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَة كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ.اهـ


فمن ادَّعى الصحبة بعد مائة سنة من حين هذه المقالة التي قالها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو كاذب.


وهذه المقالة كانت في آخر حياته قبل أن يموت بشهر كما روى مسلم (2538)عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ:«تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ؟، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ، وَأُقْسِمُ بِاللهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ».


وقد توفي أبو الطفيل رضي الله عنه سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ،وهو آخر الصحابة موتًا على الإطلاق.

قال الذهبي في«سير أعلام النبلاء»(3/470):هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ وَفَاتِهِ لِثُبُوتِهِ.


وقال الذهبي في «سير أعلام النبلاء»(3/467):ترجمة أبي الطفيل: خَاتَمُ مَنْ رَأَى رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا، وَاسْتمَرَّ الحَالُ عَلَى ذَلِكَ فِي عَصْرِ التَّابِعِيْنَ وَتَابِعِيْهِم وَهَلُمَّ جَرَّا، لاَ يَقُوْلُ آدَمِيٌّ: إِنَّنِي رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى نَبَغَ بِالهِنْدِ بَعْدَ خَمْسِ مائَةِ عَامٍ بَابَا رَتَنَ، فَادَّعَى الصُّحْبَةَ، وَآذَى نَفْسَهُ، وَكَذَّبَهُ العُلَمَاءُ.اهـ


وقال الحافظ في «فتح الباري»(2/75):قَدْ بَيَّنَ ابن عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ يَنْخَرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنُ،فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ،وَكَذَلِكَ وَقَعَ بِالِاسْتِقْرَاءِ،فَكَانَ آخِرَ مَنْ ضُبِطَ أَمْرُهُ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَئِذٍ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ،وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ آخِرَ الصَّحَابَةِ مَوْتًا،وَغَايَةُ مَا قِيلَ فِيهِ: إِنَّهُ بَقِيَ إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَمِائَةٍ،وَهِيَ رَأْسُ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَقَالَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.