جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 5 أبريل 2020

(22) اختصار الدرس (20)من دروس التبيان في آداب حملة القرآن




آداب للمعلم ذكرها الإمام النووي في فصلين:

الأدب الأول: تقديم المعلم الأول فالأول عند ازدحام الطلاب

من آداب المعلم أن يبدأ بالذي سبق في الحضور عند تعليم القرآن وتسميعه، وكذا ما أشبهه من الأحوال التي يكون فيها الترتيب على حسب المجيء. وقد بوب الإمام البخاري على أول حديث في كتاب العلم: (بَابُ مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ، فَأَتَمَّ الحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ) ، ثم أخرج حديث رقم (59) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: «أَيْنَ-أُرَاهُ-السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ» قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ».

استنبط الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله من هذا التبويب، وقال: مُحَصَّلُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَدَبِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ.

أَمَّا الْعَالِمُ فَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ تَرْكِ زَجْرِ السَّائِلِ بل أدَّبه بالإعراض عَنهُ أَوَّلًا، حَتَّى اسْتَوْفَى مَا كَانَ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى جَوَابِهِ فَرَفَقَ بِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ الْأَعْرَابِ وهم جُفَاة، وَفِيه الْعِنَايَة بِجَوَاب سُؤَالِ السَّائِلِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ السُّؤَالُ مُتَعَيِّنًا وَلَا الْجَوَابُ.

وَأَمَّا الْمُتَعَلِّمُ فَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ أَدَبِ السَّائِلِ أَنْ لَا يَسْأَلَ الْعَالِمَ وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِغَيْرِهِ، لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ مُقَدَّمٌ.

قال: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَخْذُ الدُّرُوسِ عَلَى السَّبْقِ وَكَذَلِكَ الْفَتَاوَى وَالْحُكُومَاتِ وَنَحْوُهَا. اهـ.

ويسقط هذا الحق إذا رضي الأول بتقديم غيره عليه.

_________

الأدب الثاني: أن يظهر للطلاب البشر وطلاقة الوجه

هذا من آداب المعلم أن يَلقى التلاميذ بالملاطفة والترحيب والانبساط.

 وهذا الأدب داخل في مكارم الأخلاق وأجلِّها، ويدل له قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» رواه مسلم (2626) عن أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وروى أبو داود (4084) عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الحديث وفيه قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ».

_________

 الأدب الثالث: تفقد المعلم أحوال الطلاب

أي: يسأل عن أحوالهم، وهذا أيضًا من عظيم الأخلاق وأجلها. والسؤال عن حال الطالب للطمأنينة وتفقد رحمة وشفقة ومواساة واهتمام، فإن احتاج إلى نصيحة قدَّمها له، أو دعاء وتثبيت دعا له وثبته، أو احتاج إلى تفريج همٍّ وضيق واستطاع المعلم كشفها عنه فعله، أو احتاج إلى مساعدة مالية ساعده إذا أمكنه. هذا التفقد محمود وليس بمذموم، ولا يدخل في التجسس والفضول والتدخل فيما لا يعني، لأنه يسأل عن حاله للمعاني المتقدمة ونحوها. وقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حريصًا على تفقد أحوال الصحابة رضي الله عنهم، من ذلك:

 عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا، تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا يُعْجِلُكَ؟» قُلْتُ: إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: «فَبِكْرًا تَزَوَّجْتَ أَمْ ثَيِّبًا؟» قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: «فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ» قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: «أَمْهِلُوا، حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا-أَيْ عِشَاءً-لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ». رواه البخاري (5245) ، ومسلم (715).

قال الحافظ رَحِمَهُ الله في «فتح الباري»(5/321) : فِيهِ تَفَقُّدُ الْإِمَامِ وَالْكَبِيرِ لِأَصْحَابِهِ وَسُؤَالُهُ عَمَّا يَنْزِلُ بِهِمْ وَإِعَانَتُهُمْ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ حَالٍ أَوْ مَالٍ أَوْ دُعَاءٍ وَتَوَاضُعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: «كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟» قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» رواه البخاري (5153) ، ومسلم (1427).

وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يتابع أصحابه فيسألهم عن مسابقتهم للخير، روى الإمام مسلم (1028) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

 قال القرطبي رَحِمَهُ الله في «المفهم» (20/3) : الحديث يدلّ على ما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه من التفقد لأحوال أصحابه، وإرشادهم إلى فعل الخير على اختلاف أنواعه، وعلى ما كان عليه أبو بكر من الحرص على فعل جميع أنواع الطاعات، وتتبعه أبوابها، واغتنام أوقاتها، وكأنه ما كان له همٌّ إلا في طلب ذلك، والسَّعي في تحصيل ثوابه. اهـ.

وإذا شعر المعلم برغبة الطالب في الكتمان فلا يسأله عن حاله.

وتفقد الأحوال ليس من آداب المعلم فحسْب، فهذا حق من حقوق الأخ المسلم على أخيه المسلم، ومن حقوق الأصحاب، ومن حقوق الجليس على جليسه إذا تأخر عنه. ويدل لذلك قصة أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كما في «صحيح مسلم» (2750) عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، -وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ. الحديث.

_________

الأدب الرابع:السؤال عمن غاب من الطلاب

هذا أيضًا داخل في التفقد،والتفقد إما أن يكون بتفقد الطالب عن حاله، أو تفقده إذا غاب بالسؤال عنه.

 وهذا من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أنه كان يتفقد أصحابه ويسأل عنهم إذا غابوا. من أمثلة ذلك:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ، فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ، مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ: فَرَجَعَ المَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: «اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» رواه البخاري (3613).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ-أَوْ شَابًّا-فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَنْهَا-أَوْ عَنْهُ-فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي» قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا-أَوْ أَمْرَهُ-فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ» رواه مسلم (956) ، والبخاري (1337).

 وفي غزوه تبوك لما وصل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لم ينسَ كعب بن مالك، مع ما هو فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ من الشغل وسياسة الحرب وترتيب الأمور، قال كعب بن مالك: وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ: وَهُوَ جَالِسٌ فِي القَوْمِ بِتَبُوكَ: «مَا فَعَلَ كَعْبٌ» الحديث رواه البخاري (4418) ، ومسلم (2769).

عن قرة بن إياس قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَهَلَكَ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ، فَحَزِنَ عَلَيْهِ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا فُلَانُ، أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ»، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ: «فَذَاكَ لَكَ» رواه النسائي(2088).

 والسؤال عن الطالب أيضًا إذا غاب سؤال رحمة وتفقد وشفقة.

وينبغي للطالب أن يعتذر لمعلمه إذا غاب لمرض أو سفر أو انشغال، حتى يطمئن المعلم، وليعلم أن هذا ليس عن تساهل وإهمال. والله أعلم.

_________

الأدب الخامس: لا يمتنع المعلم عن تعليم أحد لكونه غير صالح النية

من آداب المعلم أنه لا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صالح النية؛ لأن العلم النافع يهديه إلى تصحيح النية، وهذا من بركة العلم أنه سبب للتوفيق، وأنه يرد إلى الإخلاص من لم يكن مخلصًا، وإلى السنة من لم يكن سُنيًّا، وإلى الصواب من كان مجانبًا للصواب، وكفى بهذا فضلًا وشرفًا للعلم النافع.

قَالَ العُلَمَاءُ: وَلَا يَمْتَنِعْ مِنْ تَعْلِيْمِ أَحَدٍ لِكَونِهِ غَيْر َصَحِيحِ النِّيَّةِ.

فَقَد قَالَ سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ: طَلَبُهُمْ لِلْعِلْمِ نِيَّةٌ.

وَقَالُوا: طَلَبْنَا العِلْمَ لِغَيْرِ اللهِ، فَأَبَى أَنْ يَكُوْنَ إِلَّا للهِ.

وجاء عن عبد الله بن المبارك أنه قال: طلبنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا. رواه ابن الجوزي في «صفة الصفوة» (2/330) معلقًا.

وقال السيوطي في «الألفية في علم الحديث» (89) :

وَمَنْ أَتَى حَدِّثْ وَلَوْ لَمْ تَنْصَلِحْ...نِيَّتُهُ، فَإِنَّهَا سَوْفَ تَصِحّ

فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ كِبَارٍ جِلَّهْ: ..."أَبَى عَلَيْنَا الْعِلْمُ إِلاَّ لِلَّه"

وقد جاء عن بعض السلف الامتناع من تحديث من لا نية له حسنة.

 روى البغوي في «زوائد الجعديات» (276) عن سُفْيَانَ وهو الثوري يَقُولُ: «لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا، يَطْلُبُ هَذَا بِنِيَّةٍ لَأَتَيْتُهُ فِي مَنْزِلِهِ فَحَدَّثْتُهُ»، وأخرجه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» رقم (770) تحت باب «مَنْ كَانَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُحَدِّثَ مَنْ لَا نِيَّةَ صَحِيحَةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ»، والأثر حسن.

وهذا خلاف ما تقدم، والأول قول جمهور العلماء أنَّ المعلم لا يمتنع مِن تحديث مَنْ لا نية له صحيحة، وهذا هو الصحيح، فالعلم نور وسعادة وبركة، فيُرجى لمن يتعلمه أن يتبصَّر ويهتدي، والله أعلم.