جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 15 يناير 2020

(76)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ




[سورة الأنبياء (21) الآيات: 105  إلى 107]

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107)﴾

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾قال ابن كثير:وأخبر تعالى أن هذا مسطور في الكتب الشرعية والقدرية وهو كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ.

واختلف المفسرون في المراد بالزبور،منهم من قال:الكتب المنزلة الشرعية من عند الله كالتوراة والإنجيل والقرآن، وأن الذكر أم الكتاب، وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ.هذا قول مجاهد وزيد بن أسلم وولده عبد الله بن زيد بن أسلم واختاره ابن جرير ثم الشنقيطي في «أضواء البيان».

ومنهم من خصه ببعض الكتب المنزلة، ففسر الزبور بالذي أنزل على نبي الله داود والذكر التوراة، ومنهم من قال: الزبور: القرآن وهذا مروي عن ابن عباس.

﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ قال ابن كثير:يقول تعالى مخبرا عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين، من السعادة في الدنيا والآخرة، ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة.

يفيد كلام ابن كثير أن الأرض التي يرثها عباد الله الصالحون  يشمل أرض الجنة وأرض الدنيا. وذهب الأكثرن كما في «تفسير القرطبي»أنها أرض الجنة.وهذا يدل له قول الله تعالى عن أهل الجنة:﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾[الزمر:74]﴿نَتَبَوَّأُ﴾ أي ننزل.وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام:﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾[الشعراء:85]،وقال:﴿تلك الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾[مريم:63].

وقيل: أرض الدنيا، كما قال تعالى:﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾[الأحزاب:27].

وقيل: الأرض المقدسة. يراجع «زاد المسير» لابن الجوزي.

والآية عامة في جميع عباد الله الصالحين المتقدمين والمتأخرين. ومن المفسرين من قال:هذا خاص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

﴿إِنَّ فِي هَذَا﴾ المشار إليه القرآن الكريم، قال ابن كثير في تفسيره:أَيْ إِنَّ فِي هَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ عَلَى عَبْدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. اهـ.

ومن أهل العلم من قال:﴿إِنَّ فِي هَذَا﴾ المشار إليه ما تقدم في هذه السورة من العبر والقصص والتذكير.

﴿لَبَلاغًا﴾ قال ابن كثير:لمنفعة وكفاية. أي:في هذا القرآن منفعة وكفاية في حصول خير الدنيا والآخرة والوصول إلى السعادة ونيل الأجور والفوز بجنة النعيم.

﴿لِقَوْمٍ عابِدِينَ﴾ يقول ابن كثير:وهم الذين عبدوا الله بما شرعه وأحبه ورضيه، وآثروا طاعة الله على طاعة الشيطان وشهوات أنفسهم. اهـ.

فالعابدون هم الذين ينتفعون بخيرات القرآن وبركاته؛ ولهذا خصوا بالذكر لأنهم هم الذين ينتفعون به.

﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ قال ابن كثير:يخبر تعالى أن الله جعل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة، سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والآخرة. اهـ.

الآية عامة فالنبي صلى الله عليه وسلم رحمة للمؤمنين ورحمة للكافرين أيضًا،ويدل لذلك حديث أبي هريرة قال:قيل:يا رسول الله،ادع على المشركين،قال:«إني لم أبعث لعانا،وإنما بعثت رحمة» رواه مسلم. ومن رحمة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالكفار معافاتهم مما ابتلي به الأمم المتقدمة من المسخ والخسف ونحو ذلك وهذا جاء عن ابن عباس والله أعلم.

v                من الفوائد:

-      إثبات صفة الكتابة لله.

-      أن ورثة الأرض هم عباد الله الصالحون وكلام ابن كثير يفيد أن عباد الله الصالحين ورثة الأولى والأخرى.

-      فضل عباد الله الصالحين.

-      فضل القرآن الكريم وأنه بُلغة وكفاية في الشرف والكرم والخير والسعادة والفوز بالجنة ومعرفة الضلال من الصواب والخير من الشر، ونستفيد من الآية الحث على الاهتمام بالقرآن الكريم.

-      فضل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه رحمة للعالمين، وقد ذكر الله في سورة الأنبياء عددًا من أنبياءه ورسله وختم بالذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء في هذه السورة الكريمة،وهو خاتم الأنبياء في الوجود، قال تعالى:﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾[الأحزاب:40].

ـــــــــــــــــــــ

[سورة الأنبياء (21):الآيات 108 الى 112]

﴿قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)﴾ إلى آخر السورة.

﴿قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾قال ابن كثير:يقول تعالى آمرا رسوله صلواته وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْرِكِينَ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَيْ مُتَّبِعُونَ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَسْلِمُونَ مُنْقَادُونَ لَهُ.

 ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَقال ابن كثير:أَيْ تَرَكُوا مَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ أَيْ أَعْلَمْتُكُمْ أَنِّي حَرْبٌ لَكُمْ كَمَا أَنَّكُمْ حَرْبٌ لِي بريء منكم كما أنتم بُرَآءُ مِنِّي. اهـ.

أي فإذا نزل بكم العذاب فلا تعتذروا وتقولوا ما جاءنا من يشير ولا نذير.

﴿وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾إن نافية.قال ابن كثير: أَيْ هُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ. وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لِي بِقُرْبِهِ وَلَا بِبُعْدِهِ.

وهذا فيه الإيمان بالبعث وأنه واقع لا محالة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم بالوقت التي تقوم فيه الساعة.

﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾فيه أن الله عليم بالسر كما يعلم الجهر، قال ابن كثير:أَيْ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ جَمِيعَهُ وَيَعْلَمُ مَا يُظْهِرُهُ الْعِبَادُ وَمَا يُسِرُّونَ، يَعْلَمُ الظَّوَاهِرَ وَالضَّمَائِرَ، وَيَعْلَمُ مَا الْعِبَادُ عَامِلُونَ فِي أَجْهَارِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ، وَسَيَجْزِيهِمْ على ذلك الْقَلِيلِ وَالْجَلِيلِ.

﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ﴾ قال ابن كثير:أَيْ وَمَا أَدْرِي لَعَلَّ هَذَا فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ. اهـ.

الآية فيها مراقبة الله.

﴿فِتْنَةٌ﴾ أي اختبار لكم كيف يكون عملكم؟

 ﴿قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ قال ابن كثير:أَيْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَيَفْتَرُونَ مِنَ الْكَذِبِ وَيَتَنَوَّعُونَ فِي مَقَامَاتِ التَّكْذِيبِ وَالْإِفْكِ، والله المستعان عليكم في ذلك. اهـ.