[سورة الأنبياء (21):آية 104]
﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ
السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا
إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (104)﴾
﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ﴾:الطي معروف ضد النشر، فالطي لف الشيء كما يُلف البساط.
﴿السِّجِلِّ﴾السجل:الصحيفة على الصحيح،كما رجح ذلك
ابن جرير وابن كثير،وهو الصحيح عن ابن عباس،وذهب إليه من التابعين مجاهد وقتادة..
﴿لِلْكُتُبِ﴾اللام بمعنى على.كقوله تعالى:﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(103)﴾[الصافات]،أي:على
الجبين.والكتب:الكتاب.أي:تطوى الصحيفة المكتوب فيها،وذلك لصيانتها وحفظها من المحو
والفساد.
وجاءت أقوال أخرى في المراد بالسجل ذكرها ابن
كثير في تفسيره أنه ملَك.
وجاء أنه رجل كان يكتب الوحي للنبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،وهذا جاء في حديثٍ لا يصح.
قال
ابن كثير:وَقَدْ تَصَدَّى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ بن جَرِيرٍ لِلْإِنْكَارِ
عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ،وَرَدَّهُ أَتَمَّ رَدٍّ، وَقَالَ:لَا يُعْرَفُ فِي
الصَّحَابَةِ أَحَدٌ اسْمُهُ السِّجِلُّ، وَكُتَّابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفُونَ،وَلَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ اسْمُهُ السِّجِلُّ،
وَصَدَقَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى
نَكَارَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا من ذكره في أسماء الصحابة، فَإِنَّمَا
اعْتَمَدَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ لَا عَلَى غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
﴿كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا
كُنَّا فاعِلِينَ﴾قال
ابن كثير: يَعْنِي هَذَا كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ يَوْمَ يُعِيدُ اللَّهُ
الْخَلَائِقَ خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا بَدَأَهُمْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى إِعَادَتِهِمْ.
وَذَلِكَ وَاجِبُ الْوُقُوعِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ وَعْدِ اللَّهِ الَّذِي لَا
يُخْلَفُ وَلَا يُبَدَّلُ، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ:
إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ.
من
فوائد هذه الآية الكريمة:
·
الإيمان
بزوال السماء يوم القيامة ،فالسماء تبدل والأرض تبدل قال تعالى:﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ
الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ
الْقَهَّارِ﴾.
·
ظاهر
الآية أن طي السماء يكون يوم القيامة ،ولهذا ابن كثير يقول هنا في تفسير الآية:
هذا كائن يوم القيامة:﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾.
وعلى هذا يكون
المعنى:﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ (103)يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ أي يوم
القيامة، ومن أهل العلم من قال: اذكر يوم نطوي. فهنا عامل محذوف تقديره: اذكر.
·
إثبات
صفة الطي لله وهذا كما قال تعالى:﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾. وروى الْبُخَارِيُّ ومسلم عَنِ أبي هريرة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ».
·
كمال
قدرة الله فبيسر وسهولة يطوي الله السماء كما تُطوى الصحيفة وهي الورقة مع عِظَمِ
السماء،وهذا دليل على كمال قدرة الله.
·
الإيمان
بالبعث فكما أنشأ الله الخلق أعادهم،وهذا كما قال تعالى:﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا
فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾[الأنعام ]الآية. وقال تعالى:﴿وَعُرِضُوا
عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾[الكهف:48].
وإعادة
الخلق أهون على الله كما قال تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[ الروم ].
فعلينا
أن نستعد لذلك اليوم العظيم وأن نتهيأ له بزاد التقوى وأعمال الخير قال تعالى:﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا
قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[الحشر:
18]
ومن
فرط في الاستعداد لدار القرار فقد فرط في حياته وسعادته.