كلٌّ
ميسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له
عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ،
فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ
النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ
نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ العَمَلَ؟
قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ
لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ
لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ
فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ»، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى
وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى} [الليل: 6] الآيَةَ.رواه البخاري(4949)،ومسلم (2647).
-----------------------------
من فوائد هذا الحديث:
قال ابن
القيم رحمه الله في «التبيان في أقسام القرآن»(64):
تضمن هذا الحديث الرد على القدرية والجبرية
وإثبات القدر والشرع وإثبات الكتاب الأول المتضمن لعلم الله سبحانه الأشياء قبل
كونها.
وفيه استدلال
النبي على مسائل أصول الدين بالقرآن وإرشاده الصحابة لاستنباطها منه.
وفيه
بيان أن من الناس من خلق للسعادة ومنهم من خلق للشقاوة خلافًا لمن زعم أنهم كلهم
خلقوا للسعادة ولكن اختاروا الشقاوة ولم يخلقوا لها.
وفيه إثبات الأسباب وأن العبد ميسر للأسباب
الموصلة له إلى ما خُلق له.اهـ
المراد
وهناك أمثلة في «طريق
الهجرتين»(178)توضِّح المراد من قوله صلى الله عليه وسلم:«كُلٌّ مُيَسَّرٌ
لِمَا خُلِقَ لَهُ».
يقول رحمه الله:
من الناس
من يكون سيد عمله وطريقه الذى يعد سلوكه إلى الله طريق العلم والتعليم، قد وفَّر
عليه زمانه مبتغيًا به وجه الله،فلا يزال كذلك عاكفًا على طريق العلم والتعليم،
حتى يصل من تلك الطريق إلى الله ويفتح له فيها الفتح الخاص أو يموت في طريق طلبه
فيرجى له الوصول إلى مطلبه بعد مماته.
قال
تعالى:﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ
يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ
على الله﴾ [النساء:
100].
ومن الناس من يكون سيد عمله الذكر،وقد جعله زاده لمعاده ورأْس ماله
لمآله، فمتى فتر عنه أَو قصر رأَى أَنه قد غبن وخسر.
ومن الناس من يكون سيد عمله
وطريقه الصلاة، فمتى قصر في ورده منها أَو مضى عليه وقت وهو غير مشغول بها أَو
مستعد لها أَظلم عليه وقته وضاق صدره.
ومن الناس من يكون طريقه الإحسان والنفع المتعدي، كقضاءِ الحاجات
وتفريج الكربات وإِغاثة اللهفات وأنواع الصدقات، قد فتح له في هذا وسلك منه طريقًا
إلى ربه.
ومن الناس من يكون طريقه تلاوة القرآن وهي الغالب على أَوقاته وهى
أعظم أوراده.
ومن الناس من يكون طريقه الصوم، فهو متى أفطر تغير عليه قلبه وساءَت
حاله.
ومنهم
يكون طريقه الأَمر بالمعروف والنهى عن المنكر،قد فتح الله له فيه ونفذ منه إلى ربه.
ومنهم من يكون طريقه الذي نفذ فيه الحج
والاعتمار.
ومنهم من
يكون طريقه قطع العلائق وتجريد الهمة ودوام المراقبة ومراعاة الخواطر وحفظ
الأَوقات أن تذهب ضائعة.
ومنهم من
جامع المنفذ السالك إلى الله في كل واد الواصل إليه من كل طريق، فهو جعل وظائف
عبوديته قبلة قلبه ونصب عينه يؤمها أَين كانت ويسير معها حيث سارت.قد ضرب من كل
فريق بسهم، فأَين كانت العبودية وجدته هناك:
إِن كان علم وجدته مع أَهله، أَو جهاد وجدته في
صف المجاهدين، أَو صلاة وجدته في القانتين، أَو ذِكر وجدته في الذاكرين، أَو إحسان
ونفع وجدته في زمرة المحسنين، أَو ومراقبة ومحبه وإنابة إلى الله وجدته في زمرة
المحبين المنيبين، يدين بدين العبودية أَنَّى استقلت ركائبها، ويتوجه إليها حيث
استقرت مضاربها، لو قيل له: ما تريد من الأعمال؟ لقال: أريد أن أنفذ أوامر ربى حيث
كانت وأين كانت.. فهذا هو
العبد السالك إلى ربه النافذ إليه حقيقة.
ومعنى
النفوذ إليه أن يتصل به قلبه ويعلق به تعلق المحب التام المحبة بمحبوبه،فيسلو به
عن جميع المطالب سواه، فلا يبقى في قلبه إلا محبة الله وأمره وطلب التقريب
إليه.اهـ المراد
اللهم يسر لنا طريق
المعالي والسعادة.