جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 1 أغسطس 2019

من مواسم الخير


           

لقد أقبلت عشر ذي الحجة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ:«وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ»رواه البخاري (969).

فعشر ذي الحجة موسم من مواسم الخير،واغتنام مواسم العبادة سعادة.قال ابن رجب في «لطائف المعارف»(15):السعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات.اهـ

ومع هذا يغفل كثيرٌ من الناس عن هذه العشر.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «مجموع فتاواه»(25/191):إن العمل في هذه الأيام أيام عشر ذي الحجة الأولى أفضل وأحب إلى الله من العشر الأواخر من رمضان.

قال: وهذا شيء غفل عنه الناس وأهملوه، حتى إن عشر ذي الحجة تمر بالناس وكأنها أيام عادية ليس لها فضل وليس للعمل فيها مزية اهـ.

وقد كان السلف يجتهدون في عشر ذي الحجة اجتهادًا عظيمًا. حتى إن سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ راوي حديث فضل العمل في عشر ذي الحجة  كان إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.رواه الدارمي(1815).

ولِعِظَمِ هذه العشر جزم شيخ الإسلام بأن أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأخيرة من شهر رمضان،وأن ليالي العشر  الأخيرة من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.

قال الحافظ ابن كثير في «تفسير سورة الحج»(رقم الآية28)عن هذا القول:تَوَسَّطَ آخَرُونَ فَقَالُوا: أَيْامُ هَذَا-أيام العشر- أَفْضَلُ، وَلَيَالِي ذَاكَ-ليالي رمضان- أَفْضَلُ. وَبِهَذَا يَجْتَمِعُ شَمْلُ الْأَدِلَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ

وارتضاه ابن القيم في «بدائع الفوائد» (3/ 162) وأيَّده وقال: من أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة.

والسبب في فضل عشر ذي الحجة

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»(969):الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ.اهـ   

وقال ابن رجب في «لطائف المعارف»(272): لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام ،وليس كل أحد قادرا على مشاهدته في كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج.اهـ