عَنْ
ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ
عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» أَخْرَجَاهُ هُمَا وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
«إذَا
رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا» أي: رأيتم هلال رمضان،
«وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ
فَأَفْطِرُوا» أي:
هلال شوال. والمراد رؤية بعض الناس وليس
جميعهم.
في هذا
الحديث من الفوائد:
·
أن الصوم والفطر يكون برؤية الهلال،
أو بإكمال العدة ثلاثين.
وهذا من جملةِ الحِكَم والآيات في خلق
الله عَزَّ وَجَل الأهلة.
قال تعالى:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ
مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة:189].
فبالأهلة تُعرف الشهور والسنين، وبذلك يعرف الناسُ صومَهم وإفطارهم وحجهم وحلول
زكاة أموالهم، وأعيادهم، ومدة الإيلاء، والعِدَدِ:
كعدة المتوفى عنها زوجها، واليائسات من الحيض
وكذلك اللائي لم يحضن، ومعرفة حلول قضاء
الدَّين والإجارات، وكثير من المعاملات التي
تحتاج إلى تاريخ.
أما التاريخ الشمسي:
فهو نسبة إلى الشمس، ومبنى حسابه على الأيام، وهذا ليس هو المراد.
وقد استنبط القرطبي رحمه الله -في «تفسيره»-
من هذه الآية: ﴿إِنَّ
عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾[التوبة: 36]: أَنَّ
الْوَاجِبَ تَعْلِيقُ الْأَحْكَامِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا بِالشُّهُورِ
وَالسِّنِينَ الَّتِي تَعْرِفُهَا الْعَرَبُ،
دون الشهور التي تعتبرها الْعَجَمُ وَالرُّومُ وَالْقِبْطُ. اهـ.
ولا بأس باستعمال التاريخ الشمسي
الميلادي للحاجة، أما لغير الحاجة فالواجب
اقتفاء سلف هذه الأمة، والتاريخ بتاريخها، بالشهور والسنين العربية القمرية.
·
الرد على من يقول بالاعتماد على أرصدة الحساب
الفَلَكية في إثبات الأهِلَّة.
قال الحافظ في «فتح الباري» (1913): عَلَّقَ
الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْرِهِ بِالرُّؤْيَةِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي
مُعَانَاةِ حِسَابِ التَّسْيِيرِ وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ
حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ السِّيَاقِ يُشْعِرُ
بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلًا وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي
الْحَدِيثِ الْمَاضِي فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ
وَلَمْ يَقُلْ فَسَلُوا أَهْلَ الْحِسَابِ.
اهـ.
·
اعتماد خبر العدول في دخول شهر رمضان
وخروجه.وعند جمهور العلماء يكفي عدلٌ واحدٌ في
الصوم،وأما في الفطر فلا بد من عدلين.
قوله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ثُمَّ عَقَدَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ » يستفاد منه:
·
التعليم بالفعل.
·
أن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين، فلا يكون الشهر باستمرار ثلاثين يومًا.
وروى البخاري(5302)واللفظ له،
ومسلم (1080)
عن ابْنِ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: : «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» - يَعْنِي:
ثَلاَثِينَ - ثُمَّ قَالَ: «وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» - يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ - يَقُولُ: مَرَّةً ثَلاَثِينَ،
وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ.
وقد ذكر النووي في «شرح صحيح مسلم»
(7/190- 191) أنهم قَالُوا:
وَقَدْ يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ
وَلَا يَقَعُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ.
اهـ.
ونقص الشهر إلى 29 قد يكون في رمضان
كما يكون في غيره. وأما الحديث الذي رواه
البخاري (1912)،
ومسلم (1089)
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ:
«شَهْرَانِ لاَ يَنْقُصَانِ، شَهْرَا عِيدٍ:
رَمَضَانُ، وَذُو الحَجَّةِ». فمعناه كما قال النووي رَحِمَهُ اللَّهُ في «شرح صحيح مسلم»
(7/199): لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا وَالثَّوَابُ
الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُهُمَا.
وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ
رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وَقَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ
رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا..».
وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَكُلُّ هَذِهِ الْفَضَائِلِ
تَحْصُلُ سَوَاءٌ تَمَّ عَدَدُ رَمَضَانَ أم نقص والله أعلم. اهـ. المراد.
ولا يتجاوز الشهر القمري ثلاثين، ولا ينقص عن تسع وعشرين.
«ثُمَّ
عَقَدَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ» أي: ضم الإبهام، والإبهام الإصبع العُظمى.