جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

(59)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


                  
                فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير

                         [سورة الأنبياء34-35]



قال تعالى:﴿وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35)﴾.



قال ابن كثير رَحِمَهُ الله: ﴿وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ أَيْ يَا مُحَمَّدُ.

 ﴿الْخُلْدَ﴾ أَيْ:فِي الدُّنْيَا بَلْ ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ﴾ [الرَّحْمَنِ: 26- 27]وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْخَضِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَاتَ وَلَيْسَ بِحَيٍّ إِلَى الْآنِ، لِأَنَّهُ بَشَرٌ سَوَاءٌ كَانَ وَلِيًّا أَوْ نِبِيًّا أَوْ رَسُولًا.وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾[الكهف:82].

 وَقَوْلُهُ:﴿أَفَإِنْ مِتَّ﴾ أَيْ يَا مُحَمَّدُ .

﴿فَهُمُ الْخالِدُونَ﴾ أَيْ يُؤَمِّلُونَ أَنْ يَعِيشُوا بَعْدَكَ لَا يكون هذا بل كلٌّ إلى الفناء، ولهذا قال تعالى:﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ﴾.

وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ أَيْ نختبركم بالمصائب تارة وبالنعم أخرى، فننظر مَنْ يَشْكُرُ وَمَنْ يَكْفُرُ، وَمَنْ يَصْبِرُ وَمَنْ يَقْنَطُ.

﴿وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ﴾ أي فنجازيكم بأعمالكم. اهـ.



من الفوائد المستنبَطَة:



·     الرد على المكذبين المعاندين الذين ينتظرون موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،كما قال تعالى:﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)﴾[الطور:30]. ﴿نَتَرَبَّصُ﴾ أي:ننتظر.

 فالله عز وجل يرد عليهم بأن  الموت سنَّتُه في خلقه من الرسل والملائكة والصالحين والجن والإنس وغيرهم،وإنما هذا يتقدم وهذا يتأخر،أنتم السابقون ونحن اللاحقون.



فلا بُدَّ لكلِّ نفسٍ من تجرُّع  مرارتِه،ثم المصير إلى حُفرة القبر،في جوف الأرض وبطنها،بعد أن كان على ظهرِها كما قال تعالى:﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) [المرسلات]،وقال تعالى:﴿مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (55)﴾[طه].

إنها لحفرةٌ مُظلمة،وحفرة ضيقة،ومنظر فظيع لا ينيره ويوسِّعه إلا الإيمان والتوحيد والعمل الصالح.

روى الترمذي(2308) عن هَانِئٍ، مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ، إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تُذْكَرُ الجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلاَ تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ القَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلاَّ وَالقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ.



·     الاستعداد  لدار الآخرة بالعمل الصالح والتوبة إلى الله والرجوع إليه فإن هذا الموت ليس هو النهاية،إنَّما هو للانتقال إلى الدار الآخرة،فالأمد قريب،وزاد الرحيل قليل.



وقد خفِي علينا الساعة التي يأتي فيها الموت لأجل الاستعداد طول الحياة  وعدم التواني،فاللهم نسألُك حُسنَ الخواتيم.

·     دليلٌ على أن الخضر عليه الصلاة والسلام قد مات وليس بحيٍّ الآن.



·     ابتلاء العباد بالشر والخير اختبارًا وابتلاءً فالله عز وجل يبتلي بالنعم والسراء والرخاء والمال والعافية والولد لينظر سبحانه من يصبر على النعمة ويشكر، ويبتلى سبحانه بالشر والمصائب والشدة والفقر والنقص والأمراض لينظر سبحانه  من يقنط ويكفر ويُفتن-وهو أعلم بذلك-، كما قال تعالى:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)﴾[الحج:11].

·     الإيمان بالرجوع إلى الله،وهذا هو البعث والنشور فمرجع الناس إلى الله سبحانه وتعالى ومردهم إلى ربهم وسيجازيهم بأعمالهم إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾[الزلزلة].