جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 3 مايو 2017

(112) سِلْسِلَةُ الفَوَائِدِ العِلْمِيَّةِ والمَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ




حكمُ الوضوء من لمس الرجل المرأة 

عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلاَيَ، فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا»، قَالَتْ: وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. رواه البخاري(382)، ومسلم (512).

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» رواه مسلم (486).

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَبِي العَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» رواه البخاري (516)، ومسلم(543).

قال ابن قدامة  في «المغني» (1/143): الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ مَسِّهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَمْسٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَمْ يَنْقُضْ، كَلَمْسِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ. اهـ.

هذه الأدلة تُفيدُ مسألةً فقهيَّةً: أن لمس المرأة ليس من نواقض الوضوء. وهذا قول ابن عباس وأبي حنيفة وأحمد في رواية عنه.

وأما قوله تعالى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء:43]. فالمراد بالملامسة الجماع. روى ابن جرير في «تفسير سورة النساء» (7/63) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: ذَكَرُوا اللَّمْسَ، فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمَوَالِي: لَيْسَ بِالْجِمَاعِ، وَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ: اللَّمْسُ: الْجِمَاعُ. قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمَوَالِي وَالْعَرَبِ اخْتَلَفُوا فِي اللَّمْسِ، فَقَالَتِ الْمَوَالِي: لَيْسَ بِالْجِمَاعِ وَقَالَتِ الْعَرَبُ: الْجِمَاعُ. قَالَ: مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ كُنْتَ؟ قُلْتُ: كُنْتُ مِنَ الْمَوَالِي قَالَ: غُلِبَ فَرِيقُ الْمَوَالِي، إِنَّ الْمَسَّ وَاللَّمْسَ وَالْمُبَاشَرَةَ: الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ.والأثرصحيح. 

وقد استدل بهذه الآية جماعة من العلماء كابن مسعود وغيره أن لمس المرأة بأي حال ناقضٌ للوضوء. 

والمشهور عند الحنابلة أن لمس المرأة ينقضُ الوضوء إذا كان بشهوة، وما كان بغير شهوة لا ينقضُ الوضوء.

 وقد ذكر شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (20/367) ثلاثة أقوالٍ في المسألة. 

وقال رحمه الله  في «مجموع الفتاوى» (20/526): وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَ الْمُوجِبِينَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ، بَلْ الْأَدِلَّةُ الرَّاجِحَةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، لَكِنَّ الِاسْتِحْبَابَ مُتَوَجِّهٌ ظَاهِرٌ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ مَسِّ النِّسَاءِ لِشَهْوَةِ. اهـ بتصرف واختصار.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله  في «الشرح الممتع» (1/291): الرَّاجح أن مسَّ المرأة، لا ينقضُ الوُضُوءَ مطلقًا إِلا إِذا خرج منه شيءٌ فيكون النَّقضُ بذلك الخارج. اهـ.

فالحاصل : أن لمس المرأة كبيرةً أو صغيرةً، زوجةً أو ليست بزوجة، ولو كان بشهوة لا ينقضُ الوضوء للأدلة السابقة، إلا إذا وقع ما يوجب الوضوء وهو المذي. 

أما الآية الكريمة: ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ فالمراد باللمس الجماع كما تقدم عن الحبرِ ابن عباس رضي الله عنهما.