جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 4 يناير 2017

(28)درس كتاب التوحيد من صحيح البخاري6/شهر ربيع الثاني الموافق 1438 .


بسم الله الرحمن الرحيم



قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ بَرْدِزْبَهْ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:

بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ) [الصافات:171].

******************

قوله سبحانه: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ)

هذه الآية بعدها يقول عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:172-173]وقال تعالى:﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾[غافر:51] وقال تعالى:﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾[المجادلة:21].وهذه بشارة لرسل الله وأولياءِ رسله أن لهم النصرَ والغلبة، والكلمة العالية.

وقوله سبحانه: (كَلِمَتُنَا) كلمات الله عَزَّ وَجَلَّ قسمان: كونية قدرية، ومنه هذه الآية (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا)، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) [غافر:6]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود:119] وقال سبحانه:﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا﴾ [الْأَعْرَافِ: 137].

الكلمات الكونية : متضمنة لقدر الله وخلقه، لا يتجاوزها بَرٌّ ولا فاجر ولا إنس ولا جن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ في «مجموع الفتاوى» (2/408): فَالْكَلِمَاتُ الَّتِي بِهَا كَوَّنَ اللَّهُ الْكَائِنَاتِ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ؛ فَمَا مِنْ مُلْكٍ وَلَا سُلْطَانٍ وَلَا مَالٍ وَلَا جَمَالٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا حَالٍ وَلَا كَشْفٍ وَلَا تَصَرُّفٍ إلَّا وَهُوَ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّاتِ..إلخ كلامه رحمه الله .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «شرح العقيدة الواسطية»(435):أما الكونية: فلا يُستثنى منها شيء، لا يمكن لأحد أن يبدِّلَ كلماتِ الله الكونية: إذا قضى اللهُ على شخص بالموت، ما استطاع أحد أن يبدِّل ذلك،إذا قضى الله تعالى بالفقر، ما استطاع أحد أن يبدل ذلك، إذا قضى الله تعالى بالجدب، ما استطاع أحد أن يبدل ذلك.

وكل هذه الأمور التي تحدث في الكون، فإنها بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:82] اهـ.

النوع الثاني: الكلمات الشرعية الدينية، قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) [التوبة:6] وقال تعالى:﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [الْبَقَرَةِ: 124] . ويقول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ:« فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ،وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ».رواه مسلم (1218)عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديث حجة الوداع الطويل.


« بِكَلِمَةِ اللهِ»
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «شرح حديث جابر»:قوله: «واستحللتم فروجهن بكلمة الله»كقوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾: فهذه من كلمات الله التي استحل بها الرجلُ فرجَ امرأته.اهـ

المراد بالكلمات الشرعية : قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى»(11/271):أَمَّا  كَلِمَاتُهُ الدِّينِيَّةُ وَهِيَ: كُتُبُهُ الْمُنَزَّلَةُ وَمَا فِيهَا مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَأَطَاعَهَا الْأَبْرَارُ وَعَصَاهَا الْفُجَّارُ. وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الْمُطِيعُونَ لِكَلِمَاتِهِ الدِّينِيَّةِ وَجَعْلِهِ الدِّينِيِّ وَإِذْنِهِ الدِّينِيِّ وَإِرَادَتِهِ الدِّينِيَّةِ.

وَأَمَّا كَلِمَاتُهُ الْكَوْنِيَّةُ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهَا بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَهَا جَمِيعُ الْخَلْقِ حَتَّى إبْلِيسَ وَجُنُودَهُ وَجَمِيعَ الْكُفَّارِ وَسَائِرَ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ ،فَالْخَلْقُ وَإِنْ اجْتَمَعُوا فِي شُمُولِ الْخَلْقِ وَالْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْقَدَرِ لَهُمْ ،فَقَدْ افْتَرَقُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا وَالْغَضَبِ. وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الَّذِينَ فَعَلُوا الْمَأْمُورَ وَتَرَكُوا الْمَحْظُورَ وَصَبَرُوا عَلَى الْمَقْدُورِ فَأَحَبَّهُمْ وَأَحَبُّوهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ. وَأَعْدَاؤُهُ أَوْلِيَاءُ الشَّيَاطِينِ وَإِنْ كَانُوا تَحْتَ قُدْرَتِهِ فَهُوَ يُبْغِضُهُمْ وَيَغْضَبُ عَلَيْهِمْ وَيَلْعَنُهُمْ وَيُعَادِيهِمْ.اهـ

ونعلمُ مما تقدم  بيان الكلمات الكونية والكلمات الشرعية  .

الكلمات الكونية: تتعلق بقضاء الله وقدره ومشيئته ولا يخرج شيءٌ عنها  ،وهي التي كوَّن بها المخلوقات.

فمثلًا: الكفر واقع بكلمة الله الكونية لا الشرعية، شرب الخمر واقع بكلمات الله الكونية لا الشرعية ،محبة ما يبغض الله واقع بكلمات الله الكونية، السحر والكهانة كذلك، الكلمة السيئة وقوعها بكلمة الله الكونية.. إلخ.

والكلمات الشرعية :كتبه المنزلة على رسله .


ونظير الكلام على مسألة (كلمات الله): الإرادة والقضاء والتحريم والإذن والكتابة والجَعْل ونحو ذلك.



******************

7453 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي».

******************

 (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ)

ابن أبي أويس :إسماعيل بن أبي أويس  من مشايخ الإمام البخاري ،وروى عنه الإمام مسلم مباشرةً وروى عنه بواسطة. وروى له الباقون من أصحاب الأمهات السِّت سوى النسائي .قال الحافظ ابن حجر في «مقدمة فتح الباري575 »: احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ إِلَّا أَنَّهُمَا لم يكثرا من تَخْرِيج حَدِيثه ،وَلَا أخرج لَهُ البُخَارِيّ مِمَّا تفرد بِهِ سوى حديثين .وَأما مُسلم فَأخْرج لَهُ أقل مِمَّا أخرج لَهُ البُخَارِيّ ،وروى لَهُ الْبَاقُونَ سوى النَّسَائِيّ فَإِنَّهُ أطلق القَوْل بضعفه، وروى عَن سَلمَة بن شبيب مَا يُوجب طرح رِوَايَته ،وَاخْتلف فِيهِ قَول ابن معِين فَقَالَ مرّةً: لَا بَأْس بِهِ ،وَقَالَ مرّة: ضَعِيف ،وَقَالَ مرّة: كَانَ يسرق الحَدِيث هُوَ وَأَبوهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَلُّه الصِّدْق وَكَانَ مغفلا، وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ :لَا أختاره فِي الصَّحِيح .

قلت-أي الحافظ- :وروينا فِي «مَنَاقِب البُخَارِيّ» بِسَنَد صَحِيح أَن إِسْمَاعِيل أخرج لَهُ أُصُوله، وَأذن لَهُ أَن ينتقي مِنْهَا، وَأَن يُعْلِمَ لَهُ على مَا يحدِّث بِهِ ليحدث بِهِ ويعرض عَمَّا سواهُ ،وَهُوَ مشْعِر بِأَن مَا أخرجه البُخَارِيّ عَنهُ هُوَ من صَحِيح حَدِيثه ،لِأَنَّهُ كتب من أُصُوله، وعَلى هَذَا لَا يحْتَج بِشَيْءٍ من حَدِيثه غير مَا فِي الصَّحِيح من أجل مَا قدح فِيهِ النَّسَائِيّ وَغَيره إِلَّا إِن شَاركهُ فِيهِ غَيره فَيُعْتَبر فِيهِ اهـ



(حَدَّثَنِي مَالِكٌ)

ابن أنس إمام دار الهجرة، من الآثار المشهورة عنه:«لَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا». أخرجه  الجَوْهَرِيُّ المالكي في«مسند الموطأ» (584) من طريق ابنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عن مالكٍ به.

والذي أصلح أول هذه الأُمة هو التمسك بالكتاب والسنة ،الاهتمام بالعلم الشرعي،تعظيم شعائرِ الله ودينه،توقيرُ العلماء والانتفاع بنصائحهم،الأُلفة وجمع الكلمة وترك الافتراق والحزبية، تحقيق الأخوة الإيمانية فأحدهم يحبُّ لأخيه ما يحب لنفسه.



وهو القائل رَحِمَهُ اللَّهُ: «إِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ إِنَّمَا الْعِلْمُ نُورٌ يَجْعَلُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ». أخرجه الخطيب في«الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1526).

العلم ليس بكثرة المحفوظات ولا بكثرة الروايات .قال ابن رجب رحمه الله في «فضل علم السلف على علم الخلف»: فليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال ،ولكنه نور يُقذَف في القلب ،يفهمُ به العبدُ الحقَّ ويميز به بينه وبين الباطل ،ويعبِّرُ عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد. اهـ.

وهو القائل رَحِمَهُ اللَّهُ: كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِه وَيُتْرَكُ إِلاَّ صَاحِبَ هَذَا القَبْرِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما في «سير أعلام النبلاء» (8/93) للذهبي.

وعلى هذا اتفاق العلماء أنه ليس هناك عصمة للعلماء وللأئمة، قال شيخ الإسلام رحمه الله في « رفع الملام عن الأئمة الأعلام»(9):

فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينِيًّا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.اهـ .

وهذا فيه ردٌّ على الرافضة الذين يدَّعُون العصمة لأئمتهم.

 وفيه تربية لطالب العلم على تحرِّي الدليل ،وترك التقليد والتثبُّت في أمور الدِّين.

(عَنْ أَبِي الزِّنَادِ)

عبد الله بن ذكوان، أبو عبد الرحمن.

(عَنِ الأَعْرَجِ)

عبد الرحمن بن هرمز.

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)

حافظ الصحابة قال الإمام الذهبي رَحِمَهُ اللَّهُ في «الموقظة» (1/69): والحُفَّاظُ طبقات: في ذِرْوَتِها: أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رواه مسلم أيضًا برقم (2751).

 وقد تقدم معنا برقم (7422)من كتاب التوحيد من هذا الكتاب،فنحيلُ على ما تقدم.

 والشاهد من الحديث الإيمان بالقدر.

******************

7454 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ: «أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيَكْتُبُ: رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى لاَ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا».

******************

حديث ابن مسعود رضي الله عنه  رواه مسلم أيضًا برقم (2643).

(حَدَّثَنَا آدَمُ)

هو آدم بن أبي إياس عبد الرحمن.

(حَدَّثَنَا شُعْبَةُ)

هو ابن الحجاج بن الورْد، أبو بسطام أمير المؤمنين في الحديث.

(حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ)

سليمان بن مهران، أبو محمد.

(سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ)

من المخضرمين.

(سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)

هو أبو عبد الرحمن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُود بنِ غافل.

(وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ)

الصَّادِقُ فِي قَوْلِهِ، الْمَصْدُوقُ فِيمَا يَأْتِي مِنَ الْوَحْيِ. كما قال الإمام النووي في «شرح صحيح مسلم» (16/190).

في هذا الحديث من الفوائد:

-الإيمان بالقدر ،وهذا الحديث يضيق به القدريةُ ذرعًا، وقد جاء أن عمرو بن عبيد المعتزلي قَالَ: لَوْ سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُولُ هَذَا لَكَذَّبْتُهُ، وَلَوْ سَمِعْتُهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ لَمَا صَدَّقْتُهُ، وَلَوْ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُهُ مَا قَبِلْتُهُ، وَلَوْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا لَرَدَدْتُهُ، وَلَوْ سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ هَذَا لَقُلْتُ: لَيْسَ عَلَى هَذَا أَخَذْتَ مِيثَاقَنَا. المرجع «ميزان الاعتدال» (3/278) للذهبي.

-أطوار خلق الجنين في بطن أمه، كما قَالَ تَعَالَى: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) [نوح:14]. على أحد التفاسير أنه تقلُّبُ أحوالِ الجنين في بطن أمه . قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (8/ 233): قِيلَ: مَعْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ. اهـ.

وقال القرطبي في «تفسيره» (18/ 303- 304): وَالطَّوْرُ فِي اللُّغَةِ: الْمَرَّةُ، أَيْ: مَنْ فَعَلَ هَذَا وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ تُعَظِّمُوهُ. وَقِيلَ: أَطْوارًا صِبْيَانًا، ثُمَّ شَبَابًا، ثم شيوخًا وضعفاءَ، ثم أقوياء. وَقِيلَ: أَطْوَارًا أَيْ أَنْوَاعًا: صَحِيحًا وَسَقِيمًا، وَبَصِيرًا وَضَرِيرًا، وَغَنِيًّا وَفَقِيرًا. وَقِيلَ: إِنَّ أَطْوارًا اخْتِلَافُهُمْ في الأخلاق والأفعال. اهـ.

 وَقَالَ تَعَالَى في تقلُّبِ أحوال الجنين: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج:5].

(ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ) أي: أربعين ليلة.

(ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ)  أربعين ليلة، وهذه 4 أشهر ، مائة وعشرون يومًا.

- وفيه كتابة هذه الكلمات بعد الأربعة الأشهر كَتْب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ونفخ  الروح فيه، وهذا التقدير غير تقدير الله السابق،  روى الإمام مسلم (2653) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ».

- ظاهر حديث ابن مسعود يعارض ما رواه مسلم (2645)عن حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ  سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللهُ إِلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَجَلُهُ، فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ رِزْقُهُ، فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ ».فحديث حُذيفة بن أَسيد فيه أن تصوير خلق الجنين وتكوين عظامه ولحمه يكون في أول الأربعين الثانية.

والجواب: أنَّ هذا يختلف باختلاف الأجنَّة ،فبعضهم يكون في أول الأربعين الثانية كما دل عليه حديث حذيفة بن أَسيد، وبعضهم يكون بعد 120 ،كما دل عليه حديث ابن مسعود، وهذا الجمع ذهب إليه بعضُ أهل العلم.

وهذا قولُ والدي رحمه الله .

أخبرنا رحمه الله أنه قال لهُ طبيبٌ :كيف إذا خالف الطِّبُّ الدليلَ ؟

فقال له الشيخ: مثالُ ذلك ؟

فقال الطبيب : وجدنا في الأجنة من تُكوَّن خلقُها قبل الأربعة الأشهر .

فقال الشيخ رحمه الله: هذه حالة أخرى قد جاءت في حديث حُذيفة بن أَسيد، ثم ذكر له اللفظ المتقدم اهـ.

-وفيه أن الأرزاق مقدرة من عند الله،وهذا يفيد الحث على الرفق بالنفس في طلب الرزق، فلا أحد يأكل من رزق الآخر،ولا أحد يموت قبل أن يَستكمل رزقه وأجله ، وروى ابن ماجة (2144) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ». وقد شُغِل الناس بالاهتمام بالأرزاق وتأمين المستقبل كما يقولون، وهذا من وساوس الشيطان قَالَ تَعَالَى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:268]، فالتخوُّف من المستقبل السيء ،ومن قلة الأرزاق يُعَدُّ من وساوس الشيطان،والله عزوجل قد ضَمِن بأرزاق عباده قال سبحانه:﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[هود:6].

وما أحسن قول أبي حازم سلمة بن دينار: وَجَدْتُ الدُّنْيَا شَيْئَيْنِ: شَيْءٌ هُوَ لي وشيء هو لغيري، فأما الّذي هو لِي فَلَوْ طَلَبْتُهُ قَبْلَ حِلِّهِ بِحِيلَةِ السَّمَوَاتِ والأرض لم أقدر عليه، وأما الّذي هو لغيري فَلَمْ أُصِبْهُ فِيمَا مَضَى وَلَا أَرْجُوهُ فِيمَا بَقِيَ، وَيُمْنَعُ رِزْقِي مِنْ غَيْرِي كَمَا يُمْنَعُ رِزْقُ غَيْرِي مِنِّي، فَفِي أَيِّ هَذَيْنِ أُفْنِي عُمْرِي!!.رواه الفسَوِي في «المعرفة والتاريخ(1/694) بسندٍ حسن.

والرزق نوعان:

رزقٌ حسي: كالمال والمأكل والمشرب والملبس.

ورزق معنوي:وهذا في الباطن كالإيمان والعلم والتقوى.

وأعظم الرِّزقَيْنِ الرزق المعنوي لأن مدارَ السعادة العاجلة والآجلة والحياة الطيبة عليه.

- وفيه أن الآجال مكتوبة، وهذا فيه رد على المعتزلة الذين يقولون إن المقتول يُخْرَمُ أجلُه. فلا يموت أحدٌ حتى ينتهي أجلُه المسمى، قَالَ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا) [آل عمران:145]، وَقَالَ تَعَالَى: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) [النحل:61] وقال سبحانه: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا) [المنافقون: 11].

- وفيه كتابة شقاوة الإنسان وسعادته وهو في بطن أمه.

-سعة علمِ الله سبحانه فهو يعلَمُ تقدير أمورِ الخلائق قبل وجودِهم،فهو يعلم عملَهم وسعادتهم وشقاوتهم وتقدير أعمارِهم وأحوالهم وأرزاقهم من غنًى وفقر .

-هذا الحديث استدل به بعضهم على جواز إسقاط الجنين قبل أربعة أشهر لأنه لم ينفخ فيه الروح ،وبعضهم يقول:يجوزُ قبل أن يصير علقةً.

والصحيح أنه لا يجوزُ إلقاءُ الجنين قبل نفخ الروح فيه لغير ضرورة . قال تعالى:﴿فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ (المرسلات: 21-22)،وقد أخَّر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  رجمَ المرأة الغامدية التي زنت إلى أن وضعت ،ثم إلى أن أرضعت ولدها المدة المطلوبة ،ثم أمر بعد ذلك برجمِها .روى الإمام مسلم رحمه الله(1695)عن بريدة بن الحُصيب رضي الله عنه الحديث وفيه:«جَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى، قَالَ: «إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي» ، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ، قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ» ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: «مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ».

وكنَّا نسمع هذا من والدي رحمه الله .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «شرح الأربعين النووية»(89): وقد يقول قائل: هذه النطفة هل يجوز إلقاؤها أولا يجوز؟

والجواب: ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يجوز إلقاؤها بدواء مباح، قالوا: لأنه لم يتكون إنسانًا، ولم يوجد فيه أصلُ الإنسان وهو الدم.

وقال آخرون: لا يجوز، لأن الله تعالى قال: (فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) (المرسلات: 21-22) فلا يجوز أن نتجاسر على هذا القرار المكين ونخرج الجنين منه، وهذا أقرب إلى الصواب أنه حرام، لكنه ليس كتحريم ما بعده من بلوغه أربعة أشهر. اهـ

فإن كان هناك ضرورة كأن يُخشَى على المرأة من التلَف –الهلاك- فهنا حياة الأم أقدم.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «شرح الأربعين النووية»(89):فإذا قدر أن المرأة مرضت وخيف عليها، فهل يجوز إلقاء هذه النطفة؟

الجواب: نعم يجوز، لأن إلقاءها الآن صار ضروريًّا اهـ.

وفي «فتاوى اللجنة الدائمة»(21/450):الأصل في حمل المرأة أنه لا يجوز إسقاطه في جميع مراحله إلا لمبرِّر شرعي، فإن كان الحملُ لا يزال نطفةً وهو ما له أربعون يومًا فأقل، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر يتوقع حصوله على الأم- جاز إسقاطه في هذه الحالة، ولا يدخل في ذلك الخشية من المشقة في القيام بتربية الأولاد، أو عدم القدرة على تكاليفهم أو تربيتهم ،أو الاكتفاء بعدد معيَّن من الأولاد، ونحو ذلك من المبرِّرات الغير شرعية.

أما إن زاد الحمل عن أربعين يوما حرم إسقاطه، لأنه بعد الأربعين يكون علقة وهو بداية خلق الإنسان، فلا يجوز إسقاطه بعد بلوغه هذه المرحلة ،حتى تُقرِّرَ لجنةٌ طبيَّةٌ موثوقة أن في استمرار الحمل خطرًا على حياة أمه، وأنه يُخشى عليها من الهلاك فيما لو استمر الحمل.اهـ المراد.

- هذا الحديث من أدلة الترهيب فالإنسان قد يعمل أعمالًا صالحة ويمشي على الطريق المستقيم فترةً من الزمنِ ثم يتغير، والعياذ بالله. لكن هذا على ندور، فمن مشى على خير الغالب يثبت عليه،قال تعالى:﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾[مريم:76]وقال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾[محمد:17]، والكثير أن الذي يعمل أعمالًا سيئة هو الذي يتحول عن طريق الشر إلى طريق الخير.

قال الإمام النووي رَحِمَهُ اللَّهُ في «شرح صحيح مسلم» (16/192):وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَعُ فِي نَادِرٍ مِنَ النَّاسِ لَا أَنَّهُ غَالِبٌ فِيهِمْ ،ثُمَّ إِنَّهُ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ انْقِلَابُ النَّاسِ مِنَ الشَّرِّ إِلَى الْخَيْرِ فِي كَثْرَةٍ ،وَأَمَّا انْقِلَابُهُمْ مِنَ الْخَيْرِ إِلَى الشَّرِّ فَفِي غَايَةِ النُّدُورِ وَنِهَايَةِ الْقِلَّةِ ،وَهُوَ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:« إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَغَلَبَتْ غَضَبِي».اهـ

وقد يكون هذا التغير بسبب دسيسة في الباطن .روى البخاري (2898)، ومسلم (112) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ..»، وهذا دليل على أن الاستقامة في الظاهر دون الباطن من أسباب سوء الخاتمة. الذي يتزين للناس بالاستقامة والتقوى والزهد وفي الباطن ليس عنده زينة التقوى، هذا من أسباب سوء الخاتمة. فعلينا بالإخلاص وإصلاح الباطن، الاهتمام بإصلاح السرائر فلاحٌ فإن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ» رواه البخاري (52)، ومسلم (1599) من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وزينة الباطن أقدم وأهمُّ من زينة الظاهر: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26].

وقوله: (فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ)

قد يكون هذا العمل كبيرة من الكبائر مع وجود الإيمان فهذا صاحبه لا يخلد في النار إذا دخلها، وقد يكون هذا العمل كفرًا أكبر وهذا يخلد في النار. قال الإمام النووي رَحِمَهُ اللَّهُ في «شرح صحيح مسلم» :« وَيَدْخُلُ فِي هَذَا مَنِ انْقَلَبَ إِلَى عَمَلِ النَّارِ بِكُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ ،لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي التَّخْلِيدِ وَعَدَمِهِ، فَالْكَافِرُ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، وَالْعَاصِي الَّذِي مَاتَ مُوَحِّدًا لَا يُخَلَّدُ فِيهَا ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِإِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَأَنَّ التَّوْبَةَ تَهْدِمُ الذنوب قبلها »اهـ المراد.

-وفيه الخوف من الكتاب السابق (فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ) وقد كان السلف يتخوفون من الكتاب السابق، ثبت من حديث أَبِي نَضْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ، دَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالُوا لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ أَلَمْ يَقُلْ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذْ مِنْ شَارِبِكَ، ثُمَّ أَقِرَّهُ حَتَّى تَلْقَانِي»؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ قَبَضَ بِيَمِينِهِ قَبْضَةً، وَأُخْرَى بِالْيَدِ الْأُخْرَى، وَقَالَ: هَذِهِ لِهَذِهِ، وَهَذِهِ لِهَذِهِ، وَلَا أُبَالِي» فَلَا أَدْرِي فِي أَيِّ الْقَبْضَتَيْنِ أَنَا. رواه الإمام أحمد (17593)، وهو في «الصحيح المسند» (1235) لوالدي الشيخ الوادعي رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.

 (حَتَّى تَلْقَانِي) هذه بشارة لهذا الصحابي رضي الله عنه أنه سيلقى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ،فذكَّره الصحابة رضوان الله عنهم بهذه البشارة، ليحسن الظن بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

(ثُمَّ أَقِرَّهُ) أي استمر على الأخذ منه، وهذا يفيد الأخذ من الشارب. وهذا من الفطرة كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عند البخاري (5889)، ومسلم (257)، أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ».

(هَذِهِ لِهَذِهِ، وَهَذِهِ لِهَذِهِ) أي هذه القبضة للنار، وهذه القبضة للجنة.

كما أن السلف رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى كانوا يتخوفون من النفاق ،ويتخوفون من سوء الخاتمة، لأن الأعمال بالخواتيم، وهذا الحديث دليل على ذلك أن الأعمال بخواتيمها،قال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم»-شرح هذا الحديث-:وَفِي الْجُمْلَةِ: فَالْخَوَاتِيمُ مِيرَاثُ السَّوَابِقِ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَبَقَ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ يَشْتَدُّ خَوْفُ السَّلَفِ مِنْ سُوءِ الْخَوَاتِيمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقْلَقُ مِنْ ذِكْرِ السَّوَابِقِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قُلُوبَ الْأَبْرَارِ مُعَلَّقَةٌ بِالْخَوَاتِيمِ، يَقُولُونَ: بِمَاذَا يُخْتَمُ لَنَا؟ وَقُلُوبُ الْمُقَرَّبِينَ مُعَلَّقَةٌ بِالسَّوَابِقِ، يَقُولُونَ: مَاذَا سَبَقَ لَنَا.اهـ نسأل الله أن يختم لنا بخير.

******************

7455 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا»، فَنَزَلَتْ: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا) [مريم: 64]، إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَ: كَانَ هَذَا الجَوَابَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

******************

وهذا الحديث انفرد به البخاري.

(عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ) ابن عبد الله الهمداني.

- في هذا الحديث الاشتياق لزيارة الرجل الصالح وطلب الزيارة منه (يَا جِبْرِيلُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا). ومصاحبة أهل الفضل والصلاح سعادة ونعمة عظيمة، ولهذا يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:28]. (وَلَا تَعْدُ): أي لا تتجاوز عيناك عن أهل العبادة والفضل.

وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119]، أي صاحبوا الصادقين وجالسوهم.

ومصاحبة أهل السوء من أسباب الضلال والزيغ. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا(27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا(28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا(29)) [الفرقان].

فحديث  الباب فيه: تزاورُ الصالحين فيما بينهم للاستفادة والانتفاع.

- وفيه سبب نزول هذه الآية الكريمة (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا) [مريم: 64].

-الشاهد من الحديث أن الملائكة ليس لها تصرف إلا بأمر الله وقدره، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له الملك والتدبير والتصرف التام الكامل :(لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)،وعلمه سبحانه محيط بكل شيء.

******************

7456 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَسَأَلُوهُ، «فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى العَسِيبِ وَأَنَا خَلْفَهُ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقَالَ»: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ قُلْنَا لَكُمْ لاَ تَسْأَلُوهُ.

******************

حديث ابن مسعود رواه مسلم (2794) .

(حَدَّثَنَا يَحْيَى) يقول الحافظ ابن حجر : هُوَ ابن جَعْفَرٍ .«فتح الباري» (13/442)

(حَدَّثَنَا وَكِيعٌ)

ابن الجراح بن مليح، كان آية في الحفظ، روى ابن أبي حاتم رحمه الله  في «مقدمة الجرح والتعديل» (221) من طريق إسحاق بن إبراهيم -يعني: ابن راهويه- يقول:« حفظي وحفظ ابن المبارك تكلُّف وحفظ وكيع أصلي، قام وكيع يومًا قائمًا ووضع يده على الحائط وحدث سبعمائة حديث حفظًا»،والأثر صحيح.

وقال وكيع : «لَا يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِمًا حَتَّى يَكْتُبَ عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ وَعَمَّنْ هُوَ دُونَهُ وَعَمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ» .أخرجه الطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (2/ 216).

(عَنْ إِبْرَاهِيمَ) ابن يزيد النخعي.

(عَنْ عَلْقَمَةَ) علقمة عن ابن مسعود هو ابن قيس، وعلقمة عن عمر بن الخطاب هو ابن وقاص.

(عَلَى عَسِيبٍ) جريد النخل.

- في هذا الحديث التوقف عن الجواب لمن لم يعلم الدليل. وهذا واجب، قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]، وتقدم معنا شيء من المذاكرة في دروس ماضية، في التحذير من القول على الله بغير علم.

- وفيه الجواب على السائل المتعنت. والسائل المتعنت المعاند لا يلزم الجواب عن سؤاله، ولكن إذا كان في الجواب عليه مصلحة  ينبغي أن يجيب العالم، أو ينيب غيره - يوكِّلُ غيره - في الجواب .روى البخاري (4373)،ومسلم (2273) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ، وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ القِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ، مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي» ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ.

(مَا أَعْطَيْتُكَهَا) فيه إهانة أهل الباطل وتحقيرهم.

(ثَابِتٌ) ثابت بن قيس بن شماس خطيبُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

- وفيه أن كيفية الروح مما استأثر الله بعلمه، ولهذا يقول سبحانه: (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي مما استأثر الله بعلمه. وقد ذكروا في المسألة نحو مائة وثمانية عشر قولًا في حقيقة الروح وماهيتها. قال الإمام الشوكاني في «فتح القدير» (3/302): وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ أَقْوَالَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الرُّوحِ بَلَغَتْ إِلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ومائة قَوْلٍ، فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الْفُضُولِ الْفَارِغِ وَالتَّعَبِ الْعَاطِلِ عَنِ النَّفْعِ، بَعْدَ أَنْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ، وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَنْبِيَاءَهُ. اهـ.

وللروح أوصاف نؤمن بما ثبت في ذلكَ .قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى»(17/341):وَمَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَائِرِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ: أَنَّ الرُّوحَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا ،تُفَارِقُ الْبَدَنَ، وَتُنَعَّمُ وَتُعَذَّبُ، لَيْسَتْ هِيَ الْبَدَنَ ،وَلَا جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ ، وَلَمَّا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد مِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ.اهـ

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في «مجموع الفتاوى»(9/302): وَالصَّوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ ،وَلَا مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَجْسَامِ الْمُتَحَيِّزَاتِ الْمَشْهُودَةِ الْمَعْهُودَةِ ،وَأَمَّا الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُشَارُ إلَيْهَا ،وَتَصْعَدُ، وَتَنْزِلُ ،وَتَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ، وَتُسَلُّ مِنْهُ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ النُّصُوصُ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّوَاهِدُ الْعَقْلِيَّةُ.

قال:وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَيْنَ مَسْكَنُهَا مِنْ الْجَسَدِ؟ فَلَا اخْتِصَاصَ لِلرُّوحِ بِشَيْءِ مِنْ الْجَسَدِ بَلْ هِيَ سَارِيَةٌ فِي الْجَسَدِ كَمَا تَسْرِي الْحَيَاةُ الَّتِي هِيَ عَرَضٌ فِي جَمِيعِ الْجَسَدِ فَإِنَّ الْحَيَاةَ مَشْرُوطَةٌ بِالرُّوحِ فَإِذَا كَانَتْ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ وَإِذَا فَارَقَتْهُ الرُّوحُ فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ.اهـ

******************

7457 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إِلَّا الجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ، بِأَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ»

7458 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

******************

حديث أبي هريرة إسناده تقدم أول حديث في الباب.

- في هذَيْنِ الحديثَيْن فضل الجهاد في سبيل الله .

- التنبيه على الإخلاص والتحذير من الرياء ،ومن العمل لغير الله.

والإخلاص في العمل أحدُ شرْطَيْ قبولِ العمل ،والشرط الثاني :المتابعة ،قال تعالى:﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110].

وفي حديث أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذي بعد حديث أبي هريرة: (يُقَاتِلُ حَمِيَّةً) الحمية: الغيرة والأنَفَة.( وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً)والشُّجاع يكون مِقدامًا ،وقد يقاتل لإظهار شجاعته وحمد الناس له.

وقد يقاتل لأجل الدنيا، وقد يقاتل سمعة ورياء.روى البخاري(2810)،ومسلم (1904) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

 فالجهاد قد يدخله نية فاسدة، مع أنه يُضحِّي بنفسه، ويقدِّم روحَه الغالية ،وهذا هلاكٌ وخسارة، ومن أسباب الخزي والفضيحة في دار الدنيا والآخرة .روى البخاري (6499)، ومسلم (2987) عن جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ».

وروى الإمامُ مسلم (1905) من طريق سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ».

ثم ذكر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي موسى كلمة جامعة في بيان الذي يقاتل في سبيل الله ، فقال: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

وقوله في حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ» يشمل الكلمات الكونية والشرعية.

نكونُ انتهينا باختصار في الكلام على هذه الأحاديث بفضل الله وعونه .

والشاهد من هذا الباب الإيمان بالقدر خيره وشره .

ومراتب القدر أربعة مجموعة في قول الشاعر:

علم كتابة مولانــا مشيئته *** وخلقه وهو إيجاد وتكوين

والدليل على مرتبة العلم والكتابة قول الله تعالى:﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[الحج:70].

والدليل على المرتبة الثالثة قوله تعالى:﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾[التكوير:26].

والدليل على المرتبة الرابعة قول الله تعالى:﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾[الأنعام:102]وقال سبحانه:﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾[الحجر:86].

والإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان ، ولا يصل أحد إلى حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه كما  قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ» .رواه أحمد (45/482) (27489)عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وهو في «الصحيح المسند» (1046) لوالدي الشيخ مقبل الوادعي رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

ومن هنا نعلمُ أنه يجب على المسلم أن يعلمَ أن المصائبَ من عند الله وبقدره ،سواء في النفس أو المال أو الولد ،أو المصائب في الناس أو في البُلدان .قال تعالى:﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾[الحديد:22-23]. وهذا من أسباب تبريد حرِّالمصيبة وجلبِ الراحة والطمأنينة ،فلا يجزعُ المصاب ولا ييأس إذا أُصيبَ بنكبةٍ،ولا يفرح فرحًا إذا رُزِقَ خيرًا ينسيه طاعة الله والدار الآخرة، وهذا من ثمار الإيمان بالقدر، ومن حُسْنِ الإيمان بالقدر.

بخلاف من كان ضعيف الإيمان بالقدر ،أو لا يؤمن بالقدر أصلًا فإن همومه تكثر،وأحزانه تتزايد ،وفي قلَقٍ مستمِرٌ .

ومن ثمار عقيدة الإيمان بالقدر أنه يدفع إلى العمل الصالح ،يدفع إلى الإخلاص لأنه يعلم أن المُلكَ بيد الله يختص برحمته من يشاء فلا يتزلَّف للبشر،ويدفع إلى الكَرَم والجُودِ لأنه يعلم أن الرزق مكتوب،ويدفع إلى الشجاعة لأنه يعلم أن الأجل مقدَّر،ويدفع إلى  التوكل على الله- مع الحكمة والأخذ بالأسباب - فلا يهاب البشر لأنه يعلم أنهم لا يستطيعون إيصال نفع إلى أحدٍ ،ولا دفع ضر عن أحد إلا بإذن الله فلا يخشاهم قال الله: (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) [المائدة:3]..إلخ.

ويراجع /«الجامع الصحيح في القدر»لوالدي رحمه الله فقد ذكر جملةً من ثمار الإيمان بالقدر،و«الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد» للعلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله.واللهَ نسألُهُ التوفيقَ .