جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 12 نوفمبر 2016

(22) سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ



                قوله تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}

قال ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166] الْمَوَدَّةُ فِي الدُّنْيَا.

أخرجه ابن أبي حاتم ،وابن جرير في «تفسيرَيْهِما –سورة البقرة» وسندُهُ صحيح.

وقال مجاهد:«تَوَاصُلُهُمْ فِي الدُّنْيَا». أخرجه الثوري في «تفسيره»(54) ،ومن طريقه ابن أبي حاتم في«تفسيره» (1/278)،و ابن جرير في«تفسيره»(3/289)عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ عَنْ مُجَاهِدٍ به. وهذا أثر صحيح. عبيد :ابن مهران الكوفي المكتب ثقة .



وجاء عن بعضهم:الأسباب الأعمال . وجاء عن الضحاك: « تقطعت بهم الأرحام، وتفرقت بهم المنازل في النار».أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره»( 1495) وفيه جويبر بن سعيد :متروكٌ .



قال ابن القيم رحمه الله في «إغاثة اللهفان»(2/133):والكل حق. فإن الأسباب هى الوُصَل التي كانت بينهم في الدنيا، تقطعت بهم أحوج ما كانوا إليها. وأما أسباب الموحدين المخلصين لله فاتصلت بهم ودام اتصالها بدوام معبودهم ومحبوبهم. فإن السبب تبع لغايته في البقاء والانقطاع.اهـ

وفي هذه الآية :التحذير من التحابُب على باطلٍ،وأنها محبَّةٌ لا تدوم في الآخرة .

وقال تعالى:{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94].

وقال الله تعالى ذكره: {الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} [سورة الزخرف: 67].

فكلُّ محبَّةٍ وموالاة  تنقطع يومَ القيامة ،وتنقلب عداوة  وخصَامًا إلا محبة المتقين ،فلا تناصر بينهم {وقِفُوهُم إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ}،ولا تحابب ،بل يلعنُ بعضهم بعضًا ،ويتبرأُ بعضهم من بعض إذا عاينوا العذاب قال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 66 - 68].

بخلافِ محبة المؤمنين فإنها تدوم ،وثمرتها باقية .قال ابن القيم رحمه الله في «الرسالة التبوذكية»(50):ولا يبقى إلا السبب الواصل بين العبد وربه ،وهو حظه من الهجرة إليه وإلى رسوله، وتجريد عبادته له وحده ولوازمها ،من الحب والبغض والعطاء والمنع والموالاة والمعاداة والتقريب والإبعاد وتجريده متابعة رسوله وترك أقوال غيره، وترك ما خالف ما جاء به ،والإعراض عنه وعدم الاعتناء به ،وتجريد متابعته تجريدا محضًا ،بريئًا من شوائب الالتفات إلى غيره، فضلا عن الشركة بينه وبين غيره، فضلا عن تقديم قول غيره عليه.اهـ

نسأل الله أن يجعلنا من المتحابينَ فيه وعلى طاعته .