السنة ألا يختِمَ القرآن في أقلَّ من ثلاث في رمضان وفي غيره
أخرج
الإمام مسلم في (746)عن عائشة رضي الله عنها
وَلَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ
كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ.
وأخرج
البخاري (1978)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ»
، قَالَ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ
يَوْمًا» فَقَالَ: «اقْرَإِ القُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ» ، قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ
فَمَا زَالَ، حَتَّى قَالَ: «فِي ثَلاَثٍ».
وقد
كان عبدالله بن عمرو شابًّا جلْدًا ،ويلقَّبُ بعَابِدِ الصَّحَابَةِ ،ولم يأذن له النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقرأ القرآن في أقلَّ من ثلاث .
وأخرج
أبوداود في «سننه» (1394)والترمذي في «سننه» (2949)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ
عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْقَهُ
مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ».
قال
الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (5053) وَهَذَا اخْتِيَارُ أَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدٍ
وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ.
ثم قال
الحافظ : وَأَغْرَبَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فَقَالَ يَحْرُمُ أَنْ يُقْرَأَ الْقُرْآنُ
فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ،وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ
لَا تَقْدِيرَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ فَعَلَى
هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ.
وقد
تعقَّب العلَّامة الألباني رحمه الله في «أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم» (2/521) القول بأنه لا تقدير في المدة وقال: قلت وهذا مخالف لصريح قوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"
من قرأ القرآن في أقل من ثلاث؛ لم يفقهه ".وهذا نص عام شامل لجميع الأشخاص، وفيه
التقدير بثلاث ليال؛ فكيف يقال:إنه لا تقدير في ذلك؟! فقد ذكر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أن كل من يقرأ القرآن في أقل من ثلاث لا يفقهه،ولا يفهمه الفهم المقصود من
تلاوة القرآن.
كما
قد أشار إلى ذلك قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ
أَقْفَالُهَا} .اهـ.
وما
جاء عن بعض السلف ختم المصحف في أقل من ثلاث هذا خلاف السنة.
قال أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص92) الذي أختار
من ذلك: ألا نقرأ القرآن في أقل من ثلاث للأحاديث التي ذكرنا عن النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم وأصحابه من الكراهة في ذلك.
اهـ.
وقال
الذهبي في ترجمة وكيع من «سير أعلام النبلاء » (9/142) عند أثر أن وكيعًا كان يصوم
الدهر ويختم القرآن كل ليلة، قال:قد صح نهيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. والدين يسر، ومتابعة السنة أولى. فرضي الله عن وكيع!
وأين مثل وكيع .اهـ.
وقال الحافظ ابن كثير في «فضائل القرآن» (ص:260): فهذا
وأمثاله من الصحيح عن السلف محمول إما على أنه ما بلغهم في ذلك حديث مما تَقَدَّمَ،
أو أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرؤونه.اهـ.وهنا كلمة للإمام الآجري نفيسة في «أخلاق حملة القرآن»يقول: أَلا تَرَوْنَ رَحِمَكُمْ اللهُ إِلَى مَوْلاكُمْ الْكَرِيْمِ ؛ كَيْفَ يَحُثُّ خَلْقَهَ عَلَى أَنْ يَتَدَبَّرُوا كَلامَهُ ، وَمَنْ تَدَبَّرَ كَلامَهُ عَرَفَ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ ، وَعَرَفَ عَظِيمَ سُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَعَرَفَ عَظِيمَ تَفَضُّلِهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ ، وَعَرَفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ عِبَادَتِهِ ، فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ الْوَاجِبَ ، فَحَذِرَ مِمَّا حَذَّرَهُ مَوْلاهُ الْكَرِيْمُ ، وَرَغِبَ فِيمَا رَغَّبَهُ فِيهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ عِنْدَ تِلاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ ، وَعِنْدَ اسْتِمَاعِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، كَانَ الْقُرْآنُ لَهُ شِفَاءً ، فَاسْتَغْنَى بِلا مَالٍ ، وَعَزَّ بِلا عَشِيرَةٍ ، وأَنِسَ بِمَا يَسْتَوحِشُ مِنْهُ غَيْرُهُ ، وَكَانَ هَمُّهُ عِنْدَ تِلاوَةِ السُّورَةِ إِذَا افْتَتَحَهَا : مَتَّى أَتِّعِظُ بِمَا أَتْلُوهُ ؟ ، وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ مَتَّى أَخْتِمُ السُّورَةَ ؟ ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ : مَتَّى أَعْقِلُ عَنْ اللهِ الْخِطَابَ ؟ ، مَتَّى أَزْدَجِرُ ؟ ، مَتَّى أَعْتَبِرُ ؟ ، لأَنَّ تِلاوَتَهُ لِلْقُرْآنِ عِبَادَةٌ ، وَالْعِبَادَةُ لا تَكُونُ بِغَفْلَةٍ ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ.