جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 30 مايو 2016

(45)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

                           رؤية الله في الآخرة
قال تعالى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 23].
وقال سبحانه وتعالى في الكفار: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين:15].
قال الشافعي: لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءَه يرونه في الرضي، قال الربيع بن سليمان: فقلت يا أبا عبد الله وبه تقول. قال: نعم وبه أدين الله. «حادي الأرواح» (ص:292.(
وروى الإمام البخاري ومسلم عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا».
)
كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ)
الكاف للتشبيه والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية من حيث الوضوح وعدم التزاحم، لا تشبيه المرئي بالمرئي؛ لأن الله عز وجل لا نِدَّ له ولا شبيه، قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الشورى:11.
(لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ)
قال ابن الأثير في «النهاية» (3/101): يُروى بالتَّشديد وَالتَّخْفِيفِ، فَالتَّشْدِيدُ مَعْنَاهُ: لَا يَنْضَمّ بَعضُكم إِلَى بَعْض وتَزْدَحِمون وقتَ النَّظَر إِلَيْهِ، ويجوزُ ضمُّ التاءِ وَفَتْحُهَا عَلَى تُفَاعِلون، وتَتَفاعلون. وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ: لَا يَنَالُكم ضَيمٌ فِي رُؤْيتِه، فَيرَاه بعضُكم دُونَ بعضٍ. والضَّيْمُ: الظُّلْم. اهـ.
هذا الحديث يقال له حديث جرير في الرؤية، وقد أخرج عبد الله بن أحمد في «السنة» (2/527)عن وكيع بن الجراح «يَقُولُ مِنْ رَدَّ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَةَ فَاحْسَبُوهُ مِنَ الْجَهْمِيَّةَ». و إسناده صحيح.

ورؤية الله عز وجل أعظم نعيم أهل الجنة وأعلاه مع ما هم فيه من النعيم مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين لكن رؤية الله أعظم من كل شيء. أخرج الإمام مسلم (181) عَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ».
و كان من أدعية النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ فِي وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءٍ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (427) من حديث فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ. وهو في «الصحيح المسند» (2/8) لوالدي رحمه الله .
فرؤية الله عز وجل لذةٌ وسرورٌ ونعيمٌ.
فخيبةً  للمبتدعة كالمعتزلة والجهمية والرافضة الذين ينفون رؤية الله في الآخرة .
 قالوا: لأن إثبات الرؤية يستلزم التشبيه، ولأن في إثبات الرؤية إثبات الجهة لله عز وجل، وأوَّلوا الأدلة التي فيها إثبات الرؤية بالثواب والأجر، وبالعلم، وقالوا: في قوله عز وجل: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 23] قالوا: تنتظر ثواب الله عز وجل.
وقد ذكر أهل العلم أن النظر إذا عُدِّي بنفسه فالمراد به التوقف والانتظار كقوله سبحانه عن المنافقين: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ [الحديد:13]. وإذا عُدِّي بـ (في) فمعناه التفكر والاعتبار كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف:185]. وإذا عُدِّي بـ (إلى) فمعناه النظر بالعين قال تعالى: ﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ [الإنعام: 99]. وقال: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 23].
ينظر «حادي الأرواح» (ص: 296 )

وأدلة الرؤية متواترة:
مما تواتر حديث من كذب *** ومن بنى لله بيتًا واحتسب
ورؤيةٌ وشفاعة والحـوض *** ومسح خفين وهـذي بعض

اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم.