اختصارُ الدرسِ العشرين من (الفصول في سيرة
الرسول صلى الله عليه وسلم)
* غزوة بني قريظة: كانت في ذي القعدة بعد غزوة الخندق
مباشرة.
* سبب غزوة بني قريظة: أنهم في غزوة الخندق نقضوا العهد،
فقد جاء إليهم حيي بن أخطب هو وبعض أصحابه من بني النضير، وحاولوا مع سيدهم كعب بن
أسد حتى وافقهم في الخروج معهم يوم الأحزاب بشرط أن يكون حيي بن أخطب معهم في الحِصْن
فوافق على ذلك، فلما هزم الله الأحزاب ورجعوا خائبين تحصَّن بنو قريظة في حصونهم
وكان معهم حيي بن أخطب، وكان ممن قتل معهم.
* أول من نقض العهد بنو قينقاع ثم بنو
النضير ثم بنو قريظة، أما بنو قينقاع وبنو النضير فأجلاهم النبي صلى الله عليه
وسلم من المدينة، وأما بنو قريظة فقاتلهم. وكل غزوة من هذه الغزوات كانت عقب غزوة
من الغزوات الكبار. قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد»(3/ 123): وَكَانَتْ غَزْوَةُ كُلِّ
طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عَقِبَ كُلِّ غَزْوَةٍ مِنَ الْغَزَوَاتِ الْكِبَارِ.
فَغَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعَ عَقِبَ بَدْرٍ، وَغَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ عَقِبَ
غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَغَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ عَقِبَ الْخَنْدَقِ... اهـ.
* أمر صلى الله عليه وسلم أصحابَه
ألَّا يصلوا العصر إلا في بني قريظة كما في «الصحيحين» عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: «لاَ
يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ
العَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا،
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ
لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ». وذهب
الحافظ ابن كثير رحمه الله إلى تصويب من صلى العصر أثناء الطريق. لأنهم امتثلوا
أمره صلى الله عليه وسلم في المبادرة إلى الجهاد وفعل الصلاة في وقتها، ولا سيما
صلاة العصر التي أكَّد الله سبحانه المحافظة عليها. وقد تأسف النبي صلى الله عليه
وسلم على تأخير الصلاة يوم الخندق «فقال والله
ما صليتها».
وذكر ابن كثير في الفصول أن ابن حزم رحمه الله ذهب إلى تصويب الذين لم يصلوا
العصر إلا في بني قريظة .قال:ولكن ابن حزم معذور لأنه من كبار الظاهرية، ولا يمكنه
العدول عن ظاهر النص.
* وخرج النبي صلى الله عليه وسلم
وصحابته في ثلاثة آلاف، وتقدَّم جبريل وبعض الملائكة عليهم الصلاة والسلام أمامهم
لغزو بني قريظة كما في صحيح البخاري من حديث أنس، وأحاط بحصونهم من كلِّ جانب وحاصرهم
خمسًا وعشرين ليلة، وقذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب فلما أصابهم ذلك بعثوا إلى
أبي لبابة الأوسي لأن بني قريظة كانوا حلفاء الأوس. وبسبب شدَّة الأمر والحصار
والذِلَّة نزل بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم فيهم بما
شاء. ثم شفعت الأوس لبني قريظة أن يجليهم كما أجلى بني قينقاع فأحال النبي صلى
الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه. فحكم فيهم أن
يُقتل مقاتلتُهم، وتُسبى ذراريهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمتَ
فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة». فضُربت أعناقهم في خنادق حفرت في سوق المدينة،
وكان عددهم ما بين الستمائة إلى السبعمائة، وقيل: ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة
.وفي مسند أحمدبسند حسن كانوا أربعمائة .ففيه
خلاف .وقسم أموال بني قريظة على المسلمين للراجِل سهم وللفارس ثلاثة أسهم.
* وقد استجاب الله له دعاء سعد بن
معاذ قال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها، وإن كنت رفعت الحرب
بيننا وبينهم فافجرها، ولا تمتني حتى تشفيني من بني قريظة.. ثم انفجر جرحُه بعد أن
أقرَّ الله عينه في بني قريظة، ومات رضي الله عنه، وهو يُعد من شهداء غزوة الخندق؛
لأنه مات من إثر الجرح الذي أصيب به في أكحَله في غزوة الخندق. واهتز عرش الرحمن؛
لموته فرحًا بقدوم روحه. ومن فوائد قصة سعد بن معاذ تمني الشهادة. وفيه منقبةٌ
عظيمةٌ لسعد بن معاذ رضي الله عنه.
* قاعدة أصولية (كل
مجتهد مصيب) في المسألة قولان:
- أحدهما: تصويب هذه القاعدة.
- والقول الآخر: أن المصيب واحد، وهذا رجَّحه ابن
كثير وهو الصواب أنَّ المصيب واحد؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي
مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ
عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام:153]. وقال: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ
إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس:32]. وقال سبحانه: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ
إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا
لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء:78]. حكم داود وولده سليمان وامتنَّ الله
على سليمان بنعمة الصواب الذي اهتدى له ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ [الأنبياء:79]. وفي «الصحيحين» عَنْ عَمْرِو بْنِ
العَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا
حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ
فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ». ومن كان متجردًا للحق واجتهد في
مسألةٍ، فهذا إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، أما إنسان متبع للهوى ويجتهد
فهو غير مأجور، بل مأزور. يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ
عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص:26]. وقال: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا
لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ
اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص:50].
* الصلاة الوسطى: قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عنها:
هي العصر على الصحيح المقطوع به إن شاء الله من بضعة عشر قولا. وحديث علي ابن أبي
طالب في «صحيح مسلم» قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَحْزَابِ:
«شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللهُ
بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا». نص في المسألة أن صلاة الوسطى صلاة العصر.
وهذا قول أكثر العلماء كما في سنن الترمذي.
* الاختلاف على ثلاثة
أقسام:
- الأول: اختلاف أفهام. هذا يفهم من الدليل
شيئًا وهذا يفهم منه شيئًا آخر، ومن هذا اختلافهم في كثير من المسائل الفقهية،
مثل: اختلافهم في فهم دليل تحية المسجد، الجمهور فهموا منه الاستحباب، وآخرون
فهموا منه الوجوب، وغير ذلك. وقد قيل: الاختلاف لا يفسد الوُدَّ.
- الثاني: اختلاف تنوع. وهذا جائز. تنوع
العبادات، مثل: أدعية الاستفتاح وأذكار التشهد جاء في ذلك عدة أدعية، إلى غير ذلك.
جاءت بألفاظ مختلفة وهذا من تنوع العبادات يؤجر من يتحرَّى فعلها.
- الثالث: اختلاف تضاد. وهذا حرام، قال سبحانه:
﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ
جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:115].
اختلاف الأفهام يتحاكم فيه إلى الكتاب
والسنة؛ لأن الله يقول: ﴿...فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:59].
وقال سبحانه: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ
...﴾ [الشورى:10]. لكن
بدون أن يجرَّ ذلك إلى ضغائن وبدون إلزام في اختلاف الأفهام. وشريطة ألا يكون عنده
تعصب أوهوى وإنما قصده الحق. وبالله التوفيق .