من أسماء
الله الحُسنى:الغفور والغفَّار
قال
سبحانه :{ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ }.
وفي سورة
طه قال سبحانه:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ
اهْتَدَى}.
وأخرج
البخاري (834)ومسلم (2705)عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي
دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: " قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي
ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ،
فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ
الرَّحِيمُ ".
هذا الحديث بوب عليه الإمام البخاري رحمه الله
(بَابُ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلاَمِ) وهذا أحد المواضع التي يدعى فيها بهذا
الدعاء. وإذا شاء أن يدعو به في السجود دعا.
واستفدنا
مما تقدم إثبات ثلاثة أسماء لله عزوجل وهي الرحيم والغفور والغفار .
أما الرحيم فيدل على إثبات صفة الرحمة لله سبحانه وقد تقدم الكلام عليه .
واسم الله الغفور والغفار يدلان
على إثبات صفة المغفرة لله عز وجل .
قال ابنُ
الأثير في النهاية: فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى :الْغَفَّارُ والْغَفُورُ
وَهُمَا
مِنْ أبنِية الْمُبَالَغَةِ، وَمَعْنَاهُمَا السَّاتِرُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ
وَعُيُوبِهِمْ، المُتَجاوِز عَن خَطَاياهُم وَذُنُوبِهِمْ.
وَأَصْلُ الغَفْر: التَّغْطِية. يُقَالُ: غَفَرَ
اللَّهُ لَكَ غَفْراً وغُفْرَاناً ومَغْفِرَة. والمَغْفِرَة: إلْبَاس اللَّهِ
تَعَالَى العَفْوَ للمُذْنِبين.اهـ.
ولابن
القيم رحمه الله في مدارج السالكين(1/419) كلامٌ جميلٌ على هذا يقول: فَمِنْ
أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ الْغَفَّارُ، التَّوَّابُ، الْعَفُوُّ فَلَا بُدَّ
لِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ مِنْ مُتَعَلَّقَاتٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ جِنَايَةٍ تُغْفَرُ،
وَتَوْبَةٍ تُقْبَلُ، وَجَرَائِمَ يُعْفَى عَنْهَا.
وقال
رحمه الله بعد ذلك : وَالرَّبُّ تَعَالَى يُحِبُّ ذَاتَهُ وَأَوْصَافَهُ
وَأَسْمَاءَهُ، فَهُوَ عَفْوٌ يُحِبُّ الْعَفْوَ، وَيُحِبُّ الْمَغْفِرَةَ،
وَيُحِبُّ التَّوْبَةَ، وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ
أَعْظَمَ فَرَحٍ يَخْطُرُ بِالْبَالِ
وَكَانَ
تَقْدِيرُ مَا يَغْفِرُهُ وَيَعْفُو عَنْ فَاعِلِهِ، وَيَحْلُمُ عَنْهُ، وَيَتُوبُ
عَلَيْهِ وَيُسَامِحُهُ مِنْ مُوجَبِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَحُصُولُ مَا
يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا يَحْمَدُ بِهِ نَفْسَهُ وَيَحْمَدُهُ
بِهِ أَهْلُ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلُ أَرْضِهِ مَا هُوَ مِنْ مُوجَبَاتِ كَمَالِهِ
وَمُقْتَضَى حَمْدِهِ.
وَهُوَ
سُبْحَانَهُ الْحَمِيدُ الْمَجِيدُ، وَحَمْدُهُ وَمَجْدُهُ يَقْتَضِيَانِ
آثَارَهُمَا.
وَمِنْ
آثَارِهِمَا مَغْفِرَةُ الزَّلَّاتِ، وَإِقَالَةُ الْعَثَرَاتِ، وَالْعَفْوُ عَنِ
السَّيِّئَاتِ، وَالْمُسَامَحَةُ عَلَى الْجِنَايَاتِ، مَعَ كَمَالِ الْقُدْرَةِ
عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ. وَالْعِلْمُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ بِالْجِنَايَةِ
وَمِقْدَارِ عُقُوبَتِهَا، فَحِلْمُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَعَفْوُهُ بَعْدَ
قُدْرَتِهِ، وَمَغْفِرَتُهُ عَنْ كَمَالِ عِزَّتِهِ وَحَكَمْتِهِ، كَمَا قَالَ
الْمَسِيحُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ
عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
[المائدة: 118] أَيْ فَمَغْفِرَتُكَ عَنْ كَمَالِ قُدْرَتِكَ وَحِكْمَتِكَ، لَسْتَ
كَمَنْ يَغْفِرُ عَجْزًا، وَيُسَامِحُ جَهْلًا بِقَدْرِ الْحَقِّ، بَلْ أَنْتَ
عَلِيمٌ بِحَقِّكَ، قَادِرٌ عَلَى اسْتِيفَائِهِ، حَكِيمٌ فِي الْأَخْذِ بِهِ.اهـ.
وهذا
كلامٌ عظيم يستفاد منه حثُّ المذنبين على التوبة لأن من أسماء الله الغفور
والغفَّار فهو يحب المستغفرين .ومن أسماءالله التوَّاب كما قال تعالى{فَتَلَقَّى
آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ}. ومن أسماء الله العفو كما قال تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ
مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ
لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}.
وأنه يفيد
معرفة هذه الأسماء (الغفور –الغفار- التواب - العفو)ونحوها أنه يوجد عند العباد
ذنوب واقتراف لكبائر وجرائم ،وأن العبد محتاجٌ لربه فيحمله ذلك على الاستكانة
والخضوع ،ويفتح للعبد الرجاء وحُسن الظن بالله ،وأن مغفرة الله لذنوب عباده صفة
مدحٍ وكمال لأنها عن قدرة وليست عن عجز ،فمن ارتكب ذنبًا فعليه بالمبادرة إلى
التوبة ،والتوبة عبودية يحبها الله ويفرح بها .
ومن
أدعية الصباح والمساء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه( اللهم استر عوراتي وآمن
روعاتي ) .والعورات تشمل العورة الحسية والعورة المعنوية وهي الذنب .
و لا
ييأس المذنب من رحمة الله مهما بلغت ذنوبه لأن من أسماء الله الغفاروالغفور. وهذا
يدل على الكثرة لأنهما من أبنية المبالغة فهو يتكرر منه مغفرة الذنب مرةً بعد مرة ،وقد قال تعالى{إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ
الْمَغْفِرَةِ}. فعلينا جميعًا أن نبادر بالتوبة والاستغفار، وأن نكثرمن التوبة
والاستغفار لأن ذنوبنا كثيرة ،فقبل فوات الفرصة ،قبل الموت فنقع في الندم ولات حين
مناص.
وقد كان
نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكثر من التوبة والاستغفار مع أن الله قد
غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. روى مسلم في صحيحه(2702) عن الْأَغَرِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي
أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ، مَرَّةٍ» .
ولا يحملُ
معرفة سعةِ مغفرة الله أن نتجرَّأ على الذنوب فرُبَّ معصيةٍ قد تكون سببًا
للانتكاسة قال سبحانه :{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
ولكن
علينا بالمجاهدة في البعد عن المعاصي ،وأن نكثر من الاستغفار حتى ولو لم نشعر بذنب
.
نسأل
الله أن يتوب علينا ،وأن يعيننا على فعل الأسباب التي ننال بها مغفرة الذنوب
كالاستغفار والعمل الصالح فقد قال تعالى :{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }.