محاجةُ منكري البعث
قال تعالى:{أَوَلَمْ
يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ
(77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْييِ الْعِظَامَ
وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ
بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ
نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ
الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)} .
من فوائد
الآيات
الاحتجاج
على منكري البعث ووحدانية الله عز وجل من عدَّة وجوه .
1-خلق
الإنسان من نطفة من ماء مهين دليلٌ أن الله قادر على إحياء الموتى .
وهكذا يحتج الله بأطوار
مراحل الجنين على ذلك يقول سبحانه في سورة الحج {يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ
ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ
وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ
لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً
فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ
كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي
الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)﴾ [الحج].
وقال سبحانه في سورة القيامة ﴿أَلَمْ يَكُ
نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ
بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} [القيامة].
2-الاستدلال
على إعادة الخلق وإحيائهم بالبدأة لقوله﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس:79].
وفي سورة
الروم يقول ربنا : ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ
أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الروم:27].
3-﴿وَهُوَ
بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ أي أن الله سبحانه وتعالى يعلم جميع المخلوقات صغيرها
وكبيرها وهذا دليل على أن الله قادر على إحياء الموتى.
4-{الَّذِي
جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ
تُوقِدُونَ} [يس:80]. احتج الله عليهم بوقود النار من الشجر الأخضر فإن هذا آية من
آيات الله وهو دليل على أن الله قادر على إحياء الموتى ودليل على وحدانية الله عز
وجل .
وفي وقود
النار بالشجر الأخضر قولان
أحدهما :
أنه شجر المَرْخ والعفار إذا ضُرِب أحدهما بالآخر انقدحَ نارٌ .
الثاني :
أن المراد به الشجر الأخضر ييبس ثم يوقَدُ به النار كما قال تعالى {أَفَرَأَيْتُمُ
النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ
الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ }.
5-احتجاج
الله عليهم سبحانه بخلق السماوات والأرض .
وفي سورة
الأحقاف يقول عز وجل : ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ
يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأحقاف:33].يحتج
الله على منكري البعث بخلق السماوات والأرض مع عِظَمِهِما كما قال تعالى{لَخَلْقُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر:57]. فهذا دليل على قدرة الله على إعادة الخلق.
وهذه
المسألة من مسائل أُصول العقيدة ،والركن الخامس من أركان الإيمان وهذا من تربية
القرآن لنا على التوحيد والعقيدة الصحيحة.