جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 23 مارس 2016

الدرس التاسع عشر من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري 15من جمادى الثاني 1437.


بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس التاسع عشر

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن
المغيرة بن بردزبه البخاري رحمه الله: بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75].
7410 - حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَمَا تَرَى النَّاسَ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكَ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ الَّتِي أَصَابَهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى، عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ، وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَتَهُ وَرُوحَهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ لِي: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّي، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، قُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعْ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنَ الخَيْرِ ذَرَّةً».
**********************
 (حَدَّثَنَا هِشَامٌ)
هشام عن قتادة هو ابن أبي عبد الله الدستوائي.
وقد مر معنا أن أثبت الناس في قتادة ثلاثة(هشام بن أبي عبد الله الدَّستوائي ، شعبة بن الحجاج، سعيد بن أبي عَروبة).
(عَنْ قَتَادَةَ)
ابن دعامة أبو الخطاب السدوسي، كان آية في الحفظ، وآيةً في التفسير، ورُمي بالقدر.
(عَنْ أَنَسٍ) وهو ابن مالك.
 (وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ)
وهي الأكل من الشجرة التي نُهي عن الأكل منها قال تعالى:﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:35].
(وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ)
وقد جاء مبيَّنًا يقول نوح «...وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي...» البخاري (4712) مسلم (194) واللفظ له. يشيرفي الحديث  إلى قوله تعالى: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]. ولم يدعُ عليه الصلاة والسلام على قومه إلا بعد أن أوحى الله عز وجل إليه بعدم إيمان من لم يؤمن منهم من قبل ، قال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [هود:36]. بعد ذلك دعا عليهم وعدَّ هذا ذنبًا.
(وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ الَّتِي أَصَابَهَا)
جاءبيان ذلك  في صحيح مسلم (2371) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَطُّ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللهِ، قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89]، وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء: 63]، وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَةَ...» الحديث.وهو في صحيح البخاري (3358)إلا أنه ليس فيه التصريح بالرفع . عدَّها إبراهيم عليه السلام ذنبًا، وهي في الحقيقة معاريض.

 (وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ)
وهي قتل النفس التي لم يؤمر بقتلها كما ذكر الله عز وجل في قوله: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ [القصص:15].
(وَكَلِمَتَهُ وَرُوحَهُ)
قال سبحانه: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12]. أي: من الأرواح المخلوقة عنده سبحانه ،وليس المراد أن عيسى جزء من الله، هذا قول منكر.
(تُشَفَّعْ) تقبل شفاعتك.
(يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ)
وهم أهل النار، المخلدون فيها.

- هذا الحديث العظيم يسمى بحديث الشفاعة، وفيه كرب الموقف وشدته ولهذا ينظرون إلى من يشفع لهم لأجل الخلاص مما هم فيه. وفي «الصحيحين» البخاري (4712) مسلم (194) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَةً، ثُمَّ قَالَ: " أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ، أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟... الحديث.

فإن الناس واقفون على أقدامهم في يوم طويل في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون، واقفون على أقدامهم والشمس قد دنت من رؤوسهم حتى إن عرقهم يذهب في الأرض سبعين ذراعًا، وهذا في صحيح البخاري (6167) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ).
والناس في ازدحام وضيق، أحدهم لا يجد إلا موضع قدمه. الناس كالفراش المبثوث كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة:4]. كالجراد المنتشر، الجراد إذا انتشر والفراش المبثوث يكون متلاصقًا، وربما ركب بعضه على بعض ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ [القمر:7].
فعلينا بأن نفكر فيما نحن صائرون إليه، وأن نستعد للقاء الله عز وجل. لا ينجو يوم القيامة من الكرب والشدة إلا أهل العمل الصالح، الذين قدَّموا لآخرتهم ولم تشغلهم الدنيا الفانية. نسأل الله أن يجنبنا فتنة المحيا والممات. الله عزوجل ينذرنا من ذلك اليوم، هذه نذارة من أرحم الراحمين لعباده ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18]. ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [مريم:39]. وسمى الله يوم القيامة يوم الحسرة لأن الحسرات فيه كثيرة ،والندم فيه كثير.

- وفيه الإيمان بالشفاعة التي تكون لفصل القضاء بين الناس، وهي المذكورة في أول الحديث، ولم ينكرها أحد من الأمة الإسلامية؛ لأنها لمجرد الفصل في القضاء بين الناس، وهي التي يقال لها الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود التي قال الله عنها ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79].
والشفاعة في آخر الحديث هي الشفاعة في خروج الموحدين أصحاب الكبائر من النار. وهذا من عقيدة أهل السنة والجماعة، الإيمان بخروج الموحدين من النار، خلافًا للخوارج والمعتزلة ومن كان على شاكلتهم كالرافضة؛ لأن عقيدة الرافضة هي عقيدة المعتزلة فهم يقولون بتخليد أصحاب الكبائر في النار، ولا يؤمنون بالشفاعة في خروج الموحدين من النار، وهذا الحديث رد عليهم.
وثبت في «سنن ابن ماجة» (4311) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتُرَوْنَهَا لِلْمُتَّقِينَ؟ لَا، وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ، الْخَطَّائِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ». وهو في «الصحيح المسند للوادعي» (822).
(أَتُرَوْنَهَا لِلْمُتَّقِينَ؟) أي: تظنونها.
وللشيخ الوالد رحمه الله كتاب في الشفاعة.
ودخول الموحدين أصحاب الكبائر النار دليل على خطورة الذنب، وأنه لا يتساهل في الذنوب. ورد على المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب، وقد رد عليهم أهل العلم ومنهم الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان.

أصحاب الكبائرمن الموحدين هم تحت مشيئة الله قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }.فقد يتجاوز الله عنهم ،وقد يدخلون النار ثم مصيرهم إلى الجنة .
- من فوائد الحديث أن الرسل والأنبياء قد يقع منهم الذنب قال تعالى عن آدم وزوجته حواء بعد أكلهما من الشجرة : ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].وقال سبحانه { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى }.
وقال سبحانه عن نوح عليه الصلاة والسلام لما سأل ربه في نجاة ولده ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود:47].
وقال تعالى عن خليله إبراهيم {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41] . وَقال سبحانه: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82].
وقال تعالى عن نبيه موسى :{أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ - وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 155 - 156] .وقال سبحانه :{ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)}.اعترف موسى بالذنب ثم تاب .
وقال سبحانه عن نبيه يونس لما ألقى نفسه في البحر فالتقمه الحوت: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87].
وعاتب الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال سبحانه { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وقد أجمع أهل العلم على أنهم معصومون من كبائر الذنوب.
واختلفوا في الصغائر، وجمهور أهل العلم على ما تقدم من الأدلة ونحوها في جواز وقوع الذنوب الصغيرة منهم غير الرذائل . وفي «صحيح البخاري» (6398)وصحيح مسلم (2719) من حديث أبي موسى الأشعري عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ، وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
قال ابن عطية رحمه الله في تفسيرسورة النمل في قصة موسى : وأجمع العلماء أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل .واختلف فيما عدا هذا.
وقال ابن عطية رحمه الله في تفسيره(1/352):والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا .اهـ.
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم في تلخيصه لكلام القاضي عياض من كتابه الشفا في شرحه لحديث الشفاعة : لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الصَّغَائِرِ الَّتِي تزرى بفاعلها وتحط منزلته وتسقط مروءته .اهـ.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(4/ 319): فَإِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ عَنْ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغَائِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَجَمِيعِ الطَّوَائِفِ حَتَّى إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ كَمَا ذَكَرَ " أَبُو الْحَسَنِ الآمدي " أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ بَلْ هُوَ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلَّا مَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ مَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ. . .(كذا في الأصل) وَإِنَّمَا نُقِلَ ذَلِكَ الْقَوْلَ فِي الْعَصْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الرَّافِضَةِ ثُمَّ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ ثُمَّ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ.
وقال السعدي رحمه الله في تفسيرفوائد الآيات التي في قصة نبي الله سليمان:ومنها: أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون من الخطأ فيما يبلغون عن الله تعالى، لأن مقصود الرسالة لا يحصل إلا بذلك، وأنه قد يجري منهم بعض مقتضيات الطبيعة من المعاصي، ولكن الله يتداركهم ويبادرهم بلطفه.
قلتُ: وهذا هو الذي استفدناه من والدي الشيخ مقبل رحمه الله .
وقد كان وقع عندي إشكال سابقا لأني كنت أظنها نفسًا معصومة. وهذا كبيرة فقلت له رحمه الله في سياق ذكر هذه المسألة :موسى عليه السلام قَتل نفسا لم يؤمر بقتلها ؟.
فقال : موسى عليه السلام قَتل نفسًا كافرة ،ولكن عدَّه ذنبًا لأنه ما أُمِرَ بقتلها .اهـ.
وقد قال الشوكاني في فتح القديرتفسير سورة القصص : وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَالْقَتْلُ الْوَاقِعُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ عَمْدٍ فَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ، لِأَنَّ الْوَكْزَةَ فِي الْغَالِبِ لَا تَقْتُلُ.اهـ. فبعضهم عدَّ ذلك قتل خطأ.
غير أن الأنبياء لا يُقَرُّون على الذنب إذا وقع منهم . قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (5/258):وَالْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ النَّاسِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْآثَارِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ السَّلَفِ إثْبَاتُ الْعِصْمَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الذُّنُوبِ مُطْلَقًا .اهـ المراد.
وقال رحمه الله في منهاج السنة(1/472): وَعَامَّةُ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهَا، فَلَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مَا يَضُرُّهُمْ.
وينظر/ منهاج السنة لشيخ الإسلام (2/ 400).
وحجة من قال: لا تصدر الذنوب الصغيرة من رسل الله وأنبيائه، الأمر بالتأسي بهم، قالوا كيف يُتأسى بهم إذا كان يقع منهم ذنب؟.
وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذا وقال في «مجموع الفتاوى» فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مَنْ أَعْظَمِ حُجَجِهِمْ مَا اعْتَمَدَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ حَيْثُ قَالُوا: نَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالتَّأَسِّي بِهِمْ فِي الْأَفْعَالِ وَتَجْوِيزُ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي التَّأَسِّي؛ فَأُجِيبُوا بِأَنَّ التَّأَسِّي إنَّمَا هُوَ فِيمَا أُقِرُّوا عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ النَّسْخَ جَائِزٌ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَلَيْسَ تَجْوِيزُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الطَّاعَةِ لِأَنَّ الطَّاعَةَ تَجِبُ فِيمَا لَمْ يُنْسَخْ فَعَدَمُ النَّسْخِ يُقَرِّرُ الْحُكْمَ وَعَدَمُ الْإِنْكَارِ يُقَرِّرُ الْفِعْلَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ كُلٍّ مِنْهُمَا.  اهـ.
ومن حججهم قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (5/ 258):وَكَذَلِكَ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ أَنَّ الذُّنُوبَ تُنَافِي الْكَمَالَ، أَوْ أَنَّهَا مِمَّنْ عَظُمَتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ أَقْبَحُ. أَوْ أَنَّهَا تُوجِبُ التَّنْفِيرَ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْحُجَجِ الْعَقْلِيَّةِ، فَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ، وَإِلَّا فَالتَّوْبَةُ النَّصُوحُ الَّتِي يَقْبَلُهَا اللَّهُ يَرْفَعُ بِهَا صَاحِبَهَا إلَى أَعْظَمِ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كَانَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ. وَقَالَ آخَرُ: لَوْ لَمْ تَكُنْ التَّوْبَةُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ لَمَا اُبْتُلِيَ بِالذَّنْبِ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَيْهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ حَدِيثُ التَّوْبَةِ: «لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا» إلَخْ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] وَقَالَ تَعَالَى: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] .
قال : وَالرَّادُّونَ لِذَلِكَ(أي وقوع الذنب الصغير من الأنبياء) تَأَوَّلُوا ذَلِكَ بِمِثْلِ تَأْوِيلَاتِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالدَّهْرِيَّةِ لِنُصُوصِ " الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ " وَنُصُوصِ " الْقَدَرِ " وَنُصُوصِ " الْمَعَادِ " وَهِيَ مِنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَأَنَّهَا مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ،...اهـ.
قالوا: يُتنافى مع كمالهم وجود الذنب منهم، ولكن ما من أحد منهم وقع في ذنب إلا وبادر بالتوبة، ورجع إلى الله عز وجل، وقد قال سبحانه في الثناء على التائبين: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222].
وحديث فرح الله بتوبة عبده ثابتٌ في «صحيح مسلم» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ، مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ، إِذَا وَجَدَهَا».
ومعرفتنا لهذه المسألة نستفيد منها التأسي بالأنبياء في تعظيم الله عز وجل، والتحسر من وقوع الذنب، والمبادرة إلى الإنابة والاستغفار.
ثم وقوع الذنب من الأنبياء والرسل نادرٌ جدًا.
والحاصل :عصمة الأنبياء من الكبائر كالكذب والفواحش وغيرها بالإجماع .
عصمة الأنبياء من الصغائر الرذيلة  بالإجماع .
عصمة الأنبياء عن المعاصي الصغائر غير الرذيلة فيه خلاف، وجمهور العلماء على وقوعه لما تقدم من الأدلة وما أشبهها.
أن من وقعت منه صغيرة لا يقرُّه الله عليها ،وأنهم يبادرون إلى التوبة ،فما ذكرالله عن نبي شيئًا إلا وقرنه بتوبته ورجوعه .
شبهة من نفى وقوع ذلك من الأنبياء والرد عليها من كلام شيخ الإسلام .
عرفنا من قول شيخ الإسلام المتقدم أن الرافضة يذهبون إلى عصمة الأنبياء من الصغائر .

هذا والقول بأن الأنبياء والرسل معصومون من الكبائر دليل على أن إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام ليسوا بأنبياء؛ لأنهم وقعوا في كبائر كثيرة: وقعوا في عقوق أبيهم، وفي ظلم أخيهم يوسف، وفي بيعه وهو حُر، وقد ثبت في «صحيح البخاري» (2227) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ».
ووقعوا في النفاق، والكذب القولي والفعلي،والاعتداء ،وخلف الوعد، والتزوير....، إلى غير ذلك . وينظر رسالة السيوطي (دفع التعسُّف عن إخوة يوسف ). والله تعالى أعلم.

وقريب من المسألة المتقدمة في العصمةهل نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسائر الأنبياء معصومُون  من الخطأ في التبليغ ؟.
يقول الله تعالى :{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} .
وأخرج مسلم في صحيحه(2361)من طريق مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟» فَقَالُوا: يُلَقِّحُونَهُ، يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا» قَالَ فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا، فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».
وأخرج أبوداود في سننه (3646) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ، وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ: «اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ».والحديث صحيح .
وقد قال الإمام مالك :كلٌ يُؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر .
قال ابنُ عطية في تفسير { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (127) البقرة : وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ .ومن الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة .اهـ.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم في تلخيصه لما ذكره القاضي عياض في كتابه الشفا :وكذلك اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِبْلَاغَ فِي الْقَوْلِ فَهُمْ مَعْصُومُونَ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(18/7): فَإِنَّ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُمْ إلَّا حَقًّا وَهَذَا مَعْنَى النُّبُوَّةِ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ أَنَّ اللَّهَ يُنَبِّئُهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّهُ يُنَبِّئُ النَّاسَ بِالْغَيْبِ وَالرَّسُولُ مَأْمُورٌ بِدَعْوَةِ الْخَلْقِ وَتَبْلِيغِهِمْ رِسَالَاتِ رَبِّهِ.
وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة(1/470): فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الرِّسَالَةِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ هُوَ الَّذِي يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَخَبَرَهُ  ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ  بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْخَطَأِ. اهـ.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (6/290):
قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولاسيما خاتمهم محمد معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل من أحكام .
وعلَّق الشيخ ابن باز رحمه الله على قول مالك وقال: مالك رحمه الله من أفضل علماء المسلمين ، وهو إمام دار الهجرة في زمانه في القرن الثاني ، وكلامه هذا كلام صحيح تلقاه العلماء بالقبول ، فكل واحد من أفراد العلماء يرد ويرد عليه ، أما الرسول فهو لا يقول إلا الحق ، فليس يرد عليه ، بل كلامه كله حق فيما يبلغ عن الله تعالى ، وفيما يخبر به جازما به أو يأمر به أو يدعو إليه .اهـ.
فعلمنا أن ما كان طريقه البلاغ فالأنبياء معصومون من الخطإ فيه بدلائل الأدلة، وعليه الإجماع .
ومن هنا نستفيد بُطلان قصة الغرانيق التي يذكرها المفسرون في سورة النجم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أثنى على آلهة المشركين .
وأما الخطأ والنسيان في الفعل فقال النووي في شرح صحيح مسلم في تلخيصه لما ذكره القاضي عياض في كتابه الشفا : وَأَمَّا مَا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِبْلَاغَ فِي الْفِعْلِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْعِصْمَةِ فِيهِ رَأْسًا وَأَنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ فيه وتأولوا أَحَادِيثَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا بِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوَاضِعِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْمُظَفَّرِ الْإِسْفَرَايِنِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَشَايِخِ الْمُتَصَوِّفَةِ .
وَذَهَبَ مُعْظَمُ الْمُحَقِّقِينَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَوُقُوعِهِ مِنْهُمْ .وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ تَنْبِيهِهِمْ عَلَيْهِ وَذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ إِمَّا فِي الْحِينِ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَإِمَّا قَبْلَ وَفَاتِهِمْ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِيَسُنُّوا حُكْمَ ذَلِكَ وَيُبَيِّنُوهُ قَبْلَ انْخِرَامِ مُدَّتِهِمْ وَلِيَصِحَّ تَبْلِيغُهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ .اهـ.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة(3/ 264) في جواب على سؤال هل الأنبياء والرسل حقا يخطئون؟ وكان جوابهم  نعم، الأنبياء والرسل قد يخطئون، ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم، بل يبين لهم خطأهم، رحمة بهم وبأممهم، ويعفو عن زلتهم، ويقبل توبتهم؛ فضلا منه ورحمة، والله غفور رحيم .اهـ.

وقد أكثرت من النقولات لتتضِحَ المسألة جيِّدًا إن شاءالله ،وليُعْلَمَ كلامُ أهل العلم في المسألة فإنها قويَّةٌ مع ما يُخشى من فهم بعض ذوي الزيغ الطعن في أنبياء الله ورسله والطعن في شرعنا الحكيم { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}. مع ما لها من الارتباط بكتب العقيدة والسيرة والتفسيروالأُصول والفقه ،وأصحاب الفقه يذكرون ذلك في كتاب الصلاة في السهْو .نسأل الله أن يفقهنا في دينه.

وفي الحديث فضيلة عظيمة لنبينا محمد فالأنبياء يتخلَّون عن الشفاعة، وكل واحد منهم يحيلها إلى الآخر حتى قام بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد أن أُحيلت إليه .

**********************
قال الإمام البخاري رحمه الله:
7411 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَقَالَ: عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى المِيزَانُ، يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ».
**********************
(حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافع.
(أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة.
(حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان.
(عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز.
(يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ)
لاَ يَغِيضُهَا أي: لا ينقصها. الغيض: النقص، ومنه ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ [هود:44].
(سَحَّاءُ) مستمر.

في هذا الحديث من الفوائد:
- عظمة الله وقدرته وكرمه، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا [الإسراء:100]  .
- وفيه حث العبد على سؤال الله عز وجل ورفع الحاجات إليه سبحانه؛ لأنه بيده ملكوت السماوات والأرض، وبيده خزائن السماوات والأرض، وبيده الخير وبيده الملك. فالإنسان يسأل ربه حوائجه.
- نظيرقوله: (أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ)
مافي «صحيح مسلم» (2577) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «... يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ...». قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث أبي ذر :الْمُرَادُ بِهَذَا ذِكْرُ كَمَالِ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَكَمَالِ مُلْكِهِ، وَأَنَّ مُلْكَهُ وَخَزَائِنَهُ لَا تَنْفَدُ، وَلَا تَنْقُصُ بِالْعَطَاءِ، وَلَوْ أَعْطَى الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ جَمِيعَ مَا سَأَلُوهُ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، وَفِي ذَلِكَ حَثٌّ لِلْخَلْقِ عَلَى سُؤَالِهِ وَإِنْزَالِ حَوَائِجِهِمْ بِهِ .
(الْمِخْيَطُ) الإبرة.
- وفيه الإيمان بعرش الرحمن.
- وفيه أن الذي يرفع ويخفض هو الله سبحانه، فهذا بيد الله سبحانه ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26].
فلا عزيز إلا من أعزه الله، ولا عزةَ لمن أذله الله .وفي دعاء القنوت في الوتر «... وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ...» الحديث. «سنن أبي داود» (1425) وهو في «الصحيح المسند للوادعي» (1/150).
فعلى الإنسان المتقي إذا وجد تكالب الناس عليه أن يكون مطمئنًا، مادام على الحق ؛ لأن العزة بيد الله والذلة بيد الله ليست بأيدي المخلوقين، والله المستعان.
**********************
قال الإمام البخاري رحمه الله:
7412 - حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي القَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَرْضَ، وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ». رَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: سَمِعْتُ سَالِمًا، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ بِهَذَا.
7413 - وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ».
**********************
حديث ابن عمر رضي الله عنه تقدم بنحوه عن أبي هريرة برقم (7382).
وكان مما تذاكرنا أن «ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ» زيادة منكرة. من طريق عمر بن حمزة العمري.وهي في «صحيح مسلم» (2788) في الشواهد وليست في الأُصول  .
وفي «صحيح مسلم» (1827) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفيه «وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ» فالله عز وجل لا يثبت في حقه صفة الشمال، الدليل جاء بإثبات صفة اليمين لله عز وجل.
**********************
قال الإمام البخاري رحمه الله:
7414 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، وَسُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ. «فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91] قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ

7415 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ فَقَالَ: يَا أَبَا القَاسِمِ، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَالخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَنَا المَلِكُ، «فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام: 91].
**********************
(حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ)
هو ابن مسرهد، أثنى عليه شيخه يحيى بن سعيد القطان. قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الحج من صحيحه (1576): «كَانَ يُقَالُ هُوَ مُسَدَّدٌ كَاسْمِهِ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ –يعني البخاري -: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ: «لَوْ أَنَّ مُسَدَّدًا أَتَيْتُهُ فِي بَيْتِهِ، فَحَدَّثْتُهُ لاَسْتَحَقَّ ذَلِكَ، وَمَا أُبَالِي كُتُبِي كَانَتْ عِنْدِي أَوْ عِنْدَ مُسَدَّدٍ».
والأثر أخرجه البخاري في كتاب الحج؛ لأن الإمام البخاري ذكر حديثًا من طريق مسدد ثم ذكر الأثر في الثناء عليه.
وهذا فيه ثناء الشيخ على تلميذه، واهتمامه به.
(سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ)
هو القطان.
(عَنْ سُفْيَانَ)
هو ابن سعيد الثوري.
(حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ)
هو ابن معتمر.
(وَسُلَيْمَانُ)
ابن مهران الأعمش.
(عَنْ إِبْرَاهِيمَ)
ابن يزيد النخعي.
(عَنْ عَبِيدَةَ)
ابن عمرو السلماني.
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ)
هو ابن مسعود رضي الله عنه.

والحديث الذي بعده ساقه لبعض المتابعات وللاختلاف في اللفظ قليلًا.
وفيه من الفوائد:
- إثبات خمس أصابع لله عز وجل. وثبت في «صحيح مسلم» (2654). عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ».
وثبت في تفسير ابن جرير الطبري من طريق حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف: 143]. قَالَ: وَضَعَ الْإِبْهَامَ قَرِيبًا مِنْ طَرَفِ خِنْصَرِهِ، قَالَ: «فَسَاخَ الْجَبَلُ» فَقَالَ حُمَيْدٌ لِثَابِتٍ: تَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: فَرَفَعَ ثَابِتٌ يَدَهُ فَضَرَبَ صَدْرَ حُمَيْدٍ، وَقَالَ: يَقُولُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُهُ أَنَسٌ وَأَنَا أَكْتُمُهُ». والحديث  في الصحيح المسند للوادعي (96) رحمه الله.
 وقد جاء بلفظ (ذه) بدل إصبع ،وهذا في «سنن الترمذي» (3240) عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا يَهُودِيُّ حَدِّثْنَا» فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا القَاسِمِ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ عَلَى ذِهْ، وَالأَرْضَ عَلَى ذِهْ، وَالمَاءَ عَلَى ذِهْ، وَالجِبَالَ عَلَى ذِهْ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى ذِهْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام: 91].
وكان الوالد الشيخ الوادعي رحمه الله يضعف الحديث بهذا اللفظ ويقول هو من طريق عطاء بن السائب وهو مختلط. اهـ والثابت في الصحيح «عَلَى إِصْبَعٍ» البخاري (4811،7414،7415،7451،7513) مسلم (2786).

أهل التأويل يؤولون الإصبع بالقدرة وهذا تحريف والواجب أن نؤمن بظاهر الحديث في إثبات الأصابع لله عز وجل.
- لغات أصبع:
وهَمْزَ أَنملةٍ ثلّثْ وثالثةٍ  ***  التسعُ في إصبع واختم بـأصبوع
الأصبع فيها التثليت في الهمزة وفي الباء.
- أسماء الأصابع: الخِنْصِر، البِنْصِر، الوسطى، المسبِّحة (السبابة)، الإبهام وهي (الأصبع العظمى).

- هذا الباب في إثبات صفة اليدين لله عز وجل. وقد أنكر أهل التأويل إثبات صفة اليدين لله عز وجل وفسروها بالنعمة والقدرة، وهذا تأويل. وقد رد أهل العلم على هذا القول بأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، فهذا تشريف وبيان ما اختص به آدم عليه الصلاة والسلام ولو كان المراد بقدرتي أو بنعمتي لما كان فيه مزية لآدم، والله عز وجل ذكرها في سياق التشريف لآدم عليه الصلاة والسلام.
وفي البخاري(6614) ومسلم (2652) من حديث أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى " ثَلاَثًا .
وفي سنن أبي داود(4701) بلفظ (وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ) .
وهذا أيضًا ذُكِر في سياق التشريف لموسى عليه الصلاة والسلام وذكْر مزاياه مما يدل على إثبات صفة اليد لله عزوجل .
أيضًا لو كان المراد القدرة والنعمة لأنكر هذا إبليس؛ لأن الله عز وجل خلق إبليس بقدرته فدل على هذا أن فيه مزية.
أيضًا في قوله عز وجل: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64] مما يدل على أنها تفيد إثبات صفة اليدين لله عز وجل؛ لأن قدرة الله شاملة ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [2:284]، ليست في شيء أو شيئين، وكذلك نعم الله ليست في واحدة أو اثنتين ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:18].

وهنا تنبيه : قوله سبحانه: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ [ص:75]. يقول عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله في كتابه «النقض» (79): (...غَيْرَ أَنَّهُ وَلِيَ خَلْقَ الأَشْيَاءِ بِأَمْرِهِ، وَقَوْلِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَوَلِيَ خَلْقَ آدَمَ بيده مَسِيسًا،...).
وقد كان الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله ينبه على قول عثمان الدارمي وأنه لا يقال: خلق آدم بيديه بمسيس؛ لأن الدليل لم يأت بهذا، والله تعالى أعلم.

فنؤمن بالآية على ظاهرها ليس في الآية بمسيس، ولا بغير مسيس. والواجب علينا أن نقف عند النصوص في الصفات لأنها توقيفية .