جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 22 مارس 2016

(33)سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

             
            فوائد في العقيدة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى العَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي»متفق عليه.


**************

-
في هذا الحديث أن الخالق للكون هو الله عز وجل ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [فاطر:3]. وهذا داخل في توحيد الربوبية، توحيد الربوبية: إفراد الله بالملك والخلق والتدبير.

-
 إثبات صفة الكتابة لله عز وجل، وفي البخاري(6614) ومسلم (2652) من حديث أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى " ثَلاَثًا .

وفي سنن أبي داود(4701) بلفظ (وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ .(

(فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) أي: غلبه بالحجة.

والكتابة قسمان: كتابة كونية قدرية، وكتابة شرعية دينية.

 
الكونية القدرية: مثل قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء:105]. وقوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة: 21].

والكتابة الشرعية كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183]. وقوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء:23،24]. وقد ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل (281(

صفة الكتابة صفة فعلية يكتب الله متى شاء، وفيما شاء سبحانه. فالكتابة تتعلق بالإرادة والمشيئة.

-
وفيه الإيمان بالعرش، والعرش سقف الجنة كما في صحيح البخاري (7423) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «... فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّة».

(فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ) هذا إرشاد أننا إذا سألنا الله عز وجل الجنة نسأله الفردوس الأعلى. وجاءت أدلة في سؤال الله عز وجل الجنة بدون ذكر الفردوس، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثًا، قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنَ النَّارِ ثَلَاثًا، قَالَتِ النَّارُ: اللهُمَّ أَعِذْهُ مِنَ النَّارِ». مسند الإمام أحمد (13173).

)
فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ) أي: خيار الجنة.

)
وَأَعْلَى الجَنَّةِ) الفردوس أعلى الجنة. وفوق الفردوس العرش، وفوق العرش الرحمن سبحانه وتعالى. قال  الله عز وجل: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5]. نؤمن بذلك وهذا من نعمة الله  الاستسلام والإيمان بما يدلُّ عليه شرعنا ولا نحكِّم العقل، العقل لا دخل له في أمورالدين .

المبتدعة مثل الجهمية والمعتزلة ينكرون العرش، ويقولون: المراد به المُلْك من أجل أن يفرُّوا من إثبات صفة العلو لله عز وجل.

العرش من أوصافه العظيمة أن الله عز وجل قال فيه: ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة:129]، وقال: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون:116]، وقال سبحانه: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [85:15]، المجيد:هو الشرف والكرم. وهذه صفات عظيمة لعرش الرحمن. وهو من أعظم مخلوقات الله عز وجل، فالعرش مربوب مخلوق لله عز وجل وهوداخل في جملة قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾[القمر:49].
واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (2726) عَنْ جُوَيْرِيَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ

، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ»على أَنَّ زِنَةَ الْعَرْشِ أَثْقَلُ الْأَوْزَانِ. مجموع الفتاوى (6/ 553(

وقد سألتُ الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله عن وجه الاستنباط من الحديث فقال: لأنه ذكر العرش دون غيره . والله أعلم.

(وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى العَرْشِ(

فيه إثبات صفة العلو لله عز وجل؛ لأن الله عز وجل مستوٍ على عرشه .ومن أسماء الله عز وجل العلي قال سبحانه: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾[سبأ:23] وقال {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} .ومن أسمائه الأعلى قال تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} . وعلو الله عز وجل يشمل علو الذات وعلو القهر وعلو القدر.

-
علو الذات: الله عز وجل عالٍ على خلقه بائنٌ عنهم ،ومع علوه فهو لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء .

-
علو القهر: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾[يوسف:21]. علو القهر والغلبة لله عز وجل: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:18]فنواصي الخلق كلهم تحت قهره وملكوته وتدبيره وتصرفه سبحانه .

-
علوالقدرأي علو القدر والمكانة .وهذا هو علو الصفات فلا يماثل صفاته شيء من صفات المخلوقين ،بل ولا نحيط بها { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } .

والمبتدعة لا يثبتون من العلو إلا علو القهر وعلوالقدر .أما علو الذات فينفونه لأنهم لا يؤمنون بعلوالله عزوجل .

وقد قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/ 55): وَكَذَلِكَ اسْمُ الْعَلِيِّ، وَاسْمُ الْحَكِيمِ وَسَائِرُ أَسْمَائِهِ، فَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ الْعَلِيِّ الْعُلُوَّ الْمُطْلَقَ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَلَهُ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ: عُلُوُّ الْقَدْرِ، وَعُلُوُّ الْقَهْرِ، وَعُلُوُّ الذَّاتِ، فَمَنْ جَحَدَ عُلُوَّ الذَّاتِ فَقَدْ جَحَدَ لَوَازِمَ اسْمِهِ الْعَلِيِّ.اهـ.

فالله عزوجل له العلو المطلق  من جميع الوجوه وهي علو الذات ، وعلوالقهر، وعلوالقدر .

-
وفيه إثبات صفة الرحمة لله (إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِ).

-
في هذا الحديث شبهة لمن قال بفناء النار، قالوا: رحمة الله واسعة، ورحمة الله تغلب غضبه، فلا يمكن أن يبقي أهل النار مخلدين فيها. ولكن الأدلة متكاثرة في خلود أهل النار، وبقاء النار مثل قوله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [المائدة:37].﴿وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة:167]. وقول الله عن أهل النار: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الأحزاب:65]. وفي صحيح البخاري (4730) وصحيح مسلم (2849) عن أبي سعيدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾ [مريم: 39]، وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا ﴿وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم: 39]». هناك رسالة للإمام الصنعاني رحمه الله (رفع الأستار في إبطال أدلة القائلين بفناء النار). وهذه الرسالة ذكر فيها الإمام الصنعاني رحمه الله الشبه الواردة في هذه المسألة، وردَّ عليها.

-
إثبات صفة الغضب لله عز وجل كما يليق بالله سبحانه: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [البقرة:90]. ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ [المائدة:60]. وفي الصحيحين البخاري (1712) مسلم (149) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قصة إثبات الشفاعة الطويل: «... إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ.... »

منكرو الصفات يؤولون هذه الصفة، ويقولون: غضب الله هو إرادة الانتقام. قالوا: لأن الغضب فَوَران الدم، قالوا: وهذا مستحيل في حق الله عز وجل، ولكن لا يقاس صفات الخالق بصفات المخلوق.