(11) (التَّذْكِيْرُ
بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)
اختصارُ
درسِ الثامن عشر من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)
* غزوة
ذات الرقاع: وهي غزوة نجد ويقال لها غزوة محارب. خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم يريد محارب وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان، فسار حتى بلغ نخلاً، فلقي جمعاً من
غطفان فتوقَّفوا، ولم يكن بينهم قتال ،وقد كان استعمل على المدينة أبا ذر الغفاري.
* متى
كانت غزوة ذات الرقاع؟ اختلف أهلُ العلم في ذلك:
1. فمنهم من قال: كانت
في السنة الرابعة. وجزم به هنا الحافظ ابن كثير في كتابه الفصول من سيرة الرسول
صلى الله عليه وسلم فقال: (فخرج في جُمادى الأولى من هذه السنة الرابعة)، وجزم به
أيضًا الحافظ في فتح الباري (2718) وقال: «... لِأَنَّ ذَاتَ الرِّقَاعِ كَانَتْ
بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ».
2. وقال بعض أهل
التاريخ: إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة واحدة كانت قبل الخندق وأخرى بعدها وهذا رده الحافظ ابن كثيرٍ في الفصول بقوله:
(قلت: إلا أنه لا يتجه أنه صلى في الأولى صلاة الخوف إن صح حديث أنها إنما فرضت في
عسفان) ،وانتقَد أيضًا ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد هذا القول فإن عُسفان
كانت بعد الخندق بلا خلاف ، وفيها نزل صلاة الخوف .
3. ومنهم من قال: كانت
بعد خيبر. وهذا قول الإمام البخاري واستدل لذلك الإمام البخاري بأن أبا موسى وأبا
هريرة قدما أيام خيبر، أي: وقد شهدا غزوة ذات الرقاع، فقال رحمه الله في صحيحه
(4125): «بَابُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ
مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ، فَنَزَلَ نَخْلًا، وَهِيَ بَعْدَ خَيْبَرَ،
لِأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ».
وقال
البخاري تحت رقم (4137): «وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ خَيْبَرَ». ونصره ابن القيم. ولأجل هذا
الخلاف اختلف العلماء متى شرعت صلاة الخوف؟
* متى شرعت صلاة الخوف؟
من أهل
العلم والسيَر من يرى أنها شرعت في غزوة ذات الرقاع السنة الرابعة قبل وقعة
الخندق، ولكن يردُّ هذا القول أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة
الخندق ما صلى العصر حتى غربت الشمس مما يدلُّ أنَّ صلاة الخوف لم تكن
قد شُرِعت إذ لو كانت قد شُرِعت لصلَّوها، وقد ثبت في الصحيحين وهذا لفظ البخاري
عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَقَالَ: «مَلَأَ
اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ
الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» وَهِيَ صَلاَةُ العَصْر». وفي روايةٍ لمسلم
«شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ...».
ومما يدل
على تأخر غزوة ذات الرقاع عن وقعة الخندق حديثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا في البخاري (2664) ومسلم (1868) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ
سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ
خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي». دل هذا الحديث أن أول مشاهد عبد الله بن
عمر رضي الله عنهما وقعةُ الخندق.
وقد شهد
عبد الله بن عمر ذات الرقاع فدلَّ على تأخر ذات الرقاع عن غزوة الخندق ثبت في صحيح
البخاري (4132) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
«غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ،
فَوَازَيْنَا العَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ».
فصلاة
الخوف شرعت بعد الخندق ويدل لذلك ما رواه أبو داود في سننه (1236) عن أَبِي
عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ،
فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَصَبْنَا غِرَّةً،
لَقَدْ أَصَبْنَا غَفْلَةً، لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي
الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَلَمَّا
حَضَرَتِ الْعَصْرُ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَالْمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ، فَصَفَّ خَلْفَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَفٌّ، وَصَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّفِّ
صَفٌّ آخَرُ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ، وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِينَ يَلُونَهُ،
وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا صَلَّى هَؤُلَاءِ السَّجْدَتَيْنِ
وَقَامُوا، سَجَدَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ، ثُمَّ تَأَخَّرَ
الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى مَقَامِ الْآخَرِينَ، وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ
الْأَخِيرُ إِلَى مَقَامِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ
الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا جَلَسَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ،
سَجَدَ الْآخَرُونَ، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا،
فَصَلَّاهَا بِعُسْفَانَ، وَصَلَّاهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ. وهو في الصحيح
المسند للوالد رحمه الله.
الحاصل:
أن صلاة الخوف شُرعت بعسفان لحديث أبي عياش الزرقي وعسفان بعد الخندق بلا خلاف ،
وغزوة ذات الرقاع متأخرة بعد خيبرعلى الصحيح، ووقعة خيبر في السنة السابعة ومن
قدَّم غزوة ذات الرقاع على خيبر ،بل على الخندق ،فالصحيح خلافه وقد بين ذلك ابن
القيم رحمه الله في زاد المعاد.
* سبب
تسمية غزوة ذات الرقاع بهذا الاسم: جاء في الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ،
فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا، وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، وَكُنَّا
نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ،
لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا»، وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى
بِهَذَا ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ،
كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ.
* بعض
الأمور التي وقعت في غزوة ذات الرقاع:
1. قصة جمل جابر: وجاء
في بعض الروايات أنه في غزوة تبوك. وقد ردَّ هذه الرواية الحافظ ابن كثير رحمه
الله فقال في كتابه الفصول: (وفي ذلك نظر إلا أن هذا أنسب لِمَا أنه كان قد
قتل أبوه في أُحد، وترك الأخوات، فاحتاج أن يتزوَّج سريعاً من يكفلُهن له). فيكون
بيع جابر رضي الله عنه للجمل كان قريبًا من وفاة أبيه لاحتياجه إلى من يكفل أخواته
ويقوم برعايتهن .
2. قصه الرجل الذي سبوا
امرأته فحلف ليهريقن دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فجاء ليلاً ـ وقد أرصد
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر وعمار بن ياسر رضي الله عنهما ربيئةً
للمسلمين من العدو، فضرب عباداً بن بشر بسهم وهو قائم يصلي، فنزعه ولم يبطِل
صلاتَه، حتى رشقه بثلاثة أسهم، فلم ينصرف منها حتى سلَّم، وأنبَه صاحبَه، فقال:
سبحان الله هلا أنبَهتني؟ ! فقال: إني كنت في سورة فكرهت أن أقطعها. لكن هذه القصة
سندها ضعيف فيها عقيل بن جابر وهو مجهول عين.
3. قصة غورث بن الحارث
الذي هَمَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائل تحت الشجرة، فأخذ سيفه،
فاخترطه، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتخافني؟ قال: لا، قال فمن يمنعك
مني؟ قال: الله. قال: فتهدَّده أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأغمد السيفَ
وعلَّقه. ومع هذا كلِّه أطلقه وعفا عنه صلى الله عليه وسلم. وهذا من تمام حِلْمه
وعفوه وهذه طريق أنبياء الله ورسله العفو والصفح.
*غزوة بدر الصغرى: وهذه
الغزوة تسمى بدراً الثالثة، ويقال لها غزوة بدر الموعد؛ لأن أبا سفيان عند رجوعهم
من غزوة أحد، قال: موعدنا وإياكم بدر في العام المقبل فأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم، فلما كان شعبان خرج إلى بدر لملاقاة قريش
إمضاءً للوعد، فأقام فيها ثماني ليال، ثم رجع ولم يلق حرباً. وقد كان استخلف على
المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي. ويقال لها غزوة جيش السويق لأن أبا سفيان
وأصحابه لما خرجوا من مكة مشوا قليلًا ثم عرض عليهم أبو سفيان، فقال لهم: نحن في
زمن جدب فننتظر إلى عام خصب، فأكلوا السويق ثم رجعوا إلى مكة.
*غزوة
دُومة الجندل: كانت في ربيع الأول في السنة الخامسة .وسببها أنه بلغ النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم أن جمعًا من الكفار يتجمعون لقتال النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وفي أثناء الطريق بلغه
أنهم قد هربوا وتفرَّقوا ثم رجع في أثناء الطريق ولم يلق حرباً، وكان استعمل على
المدينة سباع بن عرفطة.