جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

حكمُ قراءةِ شيءٍ من القرآن بعدَ الفاتحةِ في الرَّكعتين الأُولَيَيْن


أخرج  أبو داود (793) في سننه عن جَابِرٍ - وذَكَرَ قِصَّةَ مُعَاذٍ - قَالَ: وَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَتَى: «كَيْفَ تَصْنَعُ يَا ابْنَ أَخِي إِذَا صَلَّيْتَ؟» قَالَ: أَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ وَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا دَنْدَنَتُكَ وَلَا دَنْدَنَةُ مُعَاذٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي وَمُعَاذًا حَوْلَ هَاتَيْنِ» أَوْ نَحْوَ هَذَا   .
والدندنة :  أن يتكلم الرجل بالكلام تسمع نغمته ولا يُفهم ، وهو أرفع من  الهينمة قليلاً اهـ  من النهاية .
وهذا فيه دليلٌ على جواز الاقتصار على فاتحة الكتاب في الركعتين الأُوليين لأنهُ لم يذكر أنهُ قرأ شيئاً  غير الفاتحة .
وهذا عليه أكثر العلماء .
قال النووي رحمه الله في المجموع (3/343 ) (فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهَا سنة فلو اقتصر عَلَى الْفَاتِحَةِ أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ .
قال: وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَكَافَّةُ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ تَجِبُ مَعَ الْفَاتِحَةِ سُورَةٌ أَقَلُّهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ويحتج له بأنه المعتاد من فعل النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " .
قال: ودَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا اهـ .
وجاء في روايةٍ عن الإمام أحمد أنه يجب قراءة شيء بعد الفاتحة يُراجع الإنصاف (2/87)  .
وقال الحافظ في فتح الباري (756) فَائِدَةٌ : زَادَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ (أي لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )فَصَاعِدًا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ.
قال: وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ .
 وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ قَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى الْفَاتِحَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ( تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدا) .
 وَادّعى ابن حِبَّانَ وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهَا .
وَفِيهِ نَظَرٌ لِثُبُوتِهِ عَنْ بعض الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ فِيمَا رَوَاهُ ابن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ الْأَمْرَ اسْتَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ اهـ .
وبوَّب الشيخ الألباني رحمه الله لهذه المسألة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (جَوَازُ الاقتِصَارِ على {الفَاتِحَة})
وذكر قصة الفتى المتقدم ذكرُها .
وبذلك أفادنا الوالد الشيخ مقبل رحمه الله: أن قراءةَ شيء من القرآن  بعد الفاتحة مستحب وليس بواجب فلو اقتصر على الفاتحة ولم يقرأ بعدها شيئاً من القرآن فهذا جائزٌ .
قلت: والكلامُ على الجواز .
أمَّا الاستحبابُ . فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة رضي اللهُ عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مَا لاَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي العَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» .

فمن لم يقرأ شيئاً من القرآن بعد الفاتحة في الركعتين الأُوليين ، فإنه يفوتُه خيرٌ كبيرٌ منَ الربح والأجرِ ، ومنَ المسابقةِ إلى المستحبات ، وما يُقوِّي إيمانَه،  لأن الإيمانَ يزيد بالطاعةِ وينقصُ بالمعصية .