جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 28 نوفمبر 2015

(بابُ الصُّفوفِ) من عمدة الأحكام للمقدسي رحمه الله17/من شهر صفر 1437.


عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ , فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ) .
*****************
 [الشرح]
أنس بن مالك خادم الرسول صلى الله عليه وسلم خدمه عشرَ سنين .
هذا الباب يتعلق بصلاة الجماعة .
وحديث أنسٍ من آدابِ الصفوف .
وظاهر اﻷمر الوجوب في تسوية الصفوف  .
وفي رواية عند البخاري(723) ( فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ ) .
ولفظ الإقامة هو الذي جاء في القرآن الكريم في آيات كثيرة كقوله سبحانه{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } .
وإقامة الصلاة كماقال ابنُ رجب في فتح الباري :الإتيان بها قائمةً على وجهها التَّام .
-ومن أدلة الوجوب حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه اﻵتي ( لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) .
وهذا قول جماعة من العلماء .
وعليه يدل تبويبُ الإمام البخاري في صحيحه فقد قال رحمه الله:
  ( بَابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ ) .
وقد قال أهلُ العلم  :فقهُ الإمام البخاري في تراجمِه .
أي أنه يُعرَفُ اختيارُ الإمام البخاري في المسألة من خلال تبويباته في صحيحه .
وأحياناً إذا كان الخلاف قويَّا في المسألة لايجزم بالحكم  ، ونجد الحافظَ ابنَ حجر رحمه الله  ينصُّ على هذا ، ويقول :لم يَبُتَّ البخاري  بالحكم  لقوَّة الخلاف .
و قال بالوجوب أيضا ابن حزم في المحلَّى مسألة 415 وقال : تَسْوِيَةُ الصَّفِّ إذَا كَانَ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فَهُوَ فَرْضٌ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الصَّلَاةِ فَرْضٌ؛ وَمَا كَانَ مِنْ الْفَرْضِ فَهُوَ فَرْضٌ.
 وهو قول الصنعاني في سبل السلام .
وبه يقول الوالد الشيخ مقبل رحمهم الله .
والشيخ ابنُ عُثيمين في الشرح الممتع (3/10) .
أما جمهور العلماء فيقولون : تسويةُ الصفوف مستحبة .
ويستدلون بالتعليل (فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ ) .
قالوا من كمال الصلاة وليس من أركانها ولا من واجباتها لأن لفظ التمام قدرٌ زائدٌ على الوجوب .
ولكن الأدلة  فيها الأمر وفي بعضها الوعيد حتى إنَّ ابنَ حزمٍ رحمه الله في المحلَّى مسألة (415)يقول عن حديث النعمان رضي الله عنه  : هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ. وَالْوَعِيدُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي كَبِيرَةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ.
وفي سُننِ أبي داود(667) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُصُّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَيْنَهَا وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهَا الْحَذَفُ» .
(الحَذَف)قال ابنُ الأثير في النهاية : هِيَ الْغَنَمُ الصِّغار الحِجازيَّة، واحِدتُها حَذَفَةٌ بِالتَّحْرِيكِ.
 وَقِيلَ: هِيَ صِغارٌ جُرْدٌ لَيْسَ لَهَا آذَانٌ وَلَا أذْنابٌ، يُجَاءُ بِهَا مِنْ جُرَشِ الْيَمَنِ .اهـ

ويدخل في  تسوية الصفوف تلاصق المصلين ، كالبُنيان المرصوص ، بدون فُرَج .

-ويدخل في تسويةِ الصفوف إلزاق الكعبِ بالكعب والمنكب بالمنكب .
 قال الإمامُ البخاري في صحيحه( بَابُ إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالقَدَمِ بِالقَدَمِ فِي الصَّفِّ ) ثم ذكر حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ» .
وعلَّق البخاريُّ في صحيحه عن النعمان بن بَشِيرٍ رضي الله عنهما: «رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ».
قال ابنُ رجب رحمه الله  في فتح الباري(6/282):  حديث أنس هذا: يدل على أن تسوية الصفوف: محاذاة المناكب والأقدام  .اهـ

-وفي قوله(يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ )دليلٌ على أن الكعبَ هو العظمُ الناتئ عند ملتقى الساق والقدم .
فهو الذي يصلح  فيه أن يلزق كعبه بكعب صاحبه .
وفي هذا  ردٌ على الشيعة الذين يقولون الكعب في ظهر القدم ، والشيعة لهم ثلاثُ مخالفات في الأرجل .
1- يقولون:  الكعب في ظهر القدم .
2-أن فرض الرِّجْل المسح ، وليس الغسل.
3- لا يرون جوازَ المسح على الخفين .
وهذا ذكرناه لمعرفة أقوالهم الباطلة في هذا الباب ، وإلا فلانحتاج في الحقيقة إليها ﻷنها باطلة .

ومن تسوية الصفوف استواءُ صدور المصلين لرواية النعمان بن بشير الآتية .
فلا يكونُ بعضها متقدم وبعضها متأخِّر .
ولا نستدلُّ بحديث ( إنَّ اللهَ لا ينظر إلى الصف الأعوج ) فإنَّه كما أفادنا والدي الشيخُ مقبل رحمه الله حديثٌ لا أصلَ له .

-مسألة الخطوط  لتسوية الصفوف
 استفدنا من والدي الشيخ مقبل رحمه الله تعالى: أنه بدعة لأنهم ما كانوا يفعلون هذا على زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد .

-ومن تسويةالصفوف ، إتمامُ الصف اﻷوَّل فاﻷوَّل،  فلا يُترك خللٌ في الصفوف لأن  النبي صلى الله عليه وسلم يقول :من وصل صفاً وصله الله ،ومن قطع صفاً قطعه الله) .
والملائكة تصُفُّ صفوفاً قال سبحانه عن الملائكة { وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ } .
وأخرج مسلم في صحيحه (430) عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : وَمَعْنَى إِتْمَامِ الصُّفُوفِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتِمَّ الْأَوَّلَ وَلَا يَشْرَعُ فِي الثَّانِي حَتَّى يَتِمَّ الْأَوَّلُ وَلَا فِي الثَّالِثِ حَتَّى يَتِمَّ الثَّانِي وَلَا فِي الرَّابِعِ حَتَّى يَتِمَّ الثَّالِثُ وَهَكَذَا إِلَى آخِرِهَا .
قال الشوكاني في نيل اﻷوطار :
فيه الاقتداء بأفعال الملائكة في صلاتهم وتعبُّداتهم . اهـ
وفي صحيح مسلم (522) عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ " .

-من آداب الصفوف المقاربة بينها   كما في حديث أنس المتقدم (وقاربوا بينها ) .
فالمشروع تقارُب الصفوف .

-هذا وينبغي للرجال  المسابقة إلى الصفوف اﻷُوَل أخرج الإمامُ مسلم في صحيحه (438) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ» .
قال الشيخُ ابنُ عثيمينَ رحمه الله في شرح رياض الصالحين(5/111) : وهذه خطيرة أن الإنسان كلما تأخر عن الصف الأول أو الثاني أو الثالث ألقى الله في قلبه محبة التأخر في كل عملٍ صالح والعياذ بالله .

وما يتعلق بصفوف النساء
أخرج الإمامُ مسلمٌ في صحيحه (440) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : أَمَّا صُفُوفُ الرِّجَالِ فَهِيَ عَلَى عُمُومِهَا فَخَيْرُهَا أَوَّلُهَا أَبَدًا وَشَرُّهَا آخِرُهَا أَبَدًا .
 أَمَّا صُفُوفُ النِّسَاءِ فَالْمُرَادُ بالحديث  صُفُوفُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يُصَلِّينَ مَعَ الرِّجَالِ،وَأَمَّا إِذَا صَلَّيْنَ مُتَمَيِّزَاتٍ لَا مَعَ الرِّجَالِ فَهُنَّ كَالرِّجَالِ خَيْرُ صُفُوفِهِنَّ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا
قال :وَالْمُرَادُ بِشَرِّ الصُّفُوفِ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَقَلُّهَا ثَوَابًا وَفَضْلًا وَأَبْعَدُهَا مِنْ مَطْلُوبِ الشَّرْعِ وَخَيْرُهَا بِعَكْسِهِ .
وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْحَاضِرَاتِ مَعَ الرِّجَالِ لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَرُؤْيَتِهِمْ وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهِمْ عِنْدَ رُؤْيَةِ حَرَكَاتِهِمْ وَسَمَاعِ كَلَامِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفِهِنَّ لِعَكْسِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .اهـ
وقال الشيخ ابنُ عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين(5/111): ما لم يكن النساء في مكان خاص لهن فإن خير صفوفهن أولها لأنه أقرب من الإمام ولا محذور فيه لأنهن بعيدات عن الرجال .اهـ
*******************
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما , قَالَ: سَمِعْتُ  رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) .
وَلِمُسْلِمٍ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَوِّي صُفُوفَنَا , حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ , حَتَّى إذَا رَأَى أَنْ قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ , ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ , حَتَّى إذَا كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ , فَرَأَى رَجُلاً بَادِياً صَدْرُهُ , فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ , لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) .
******************
-النعمان صحابي صغير ، وأمه عمرة بنت رواحة .
-النعمان بن بشير أبوه وأمه  صحابيان .
-وخاله عبدالله بن رواحة .
وعبدُالله بنُ رواحة : صحابي فاضل من شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(القداح) قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : الْقِدَاحُ بِكَسْرِ الْقَافِ هِيَ خَشَبُ السِّهَامِ حِينَ تُنْحَتُ وَتُبْرَى وَاحِدُهَا قِدْحٌ بِكَسْرِ الْقَافِ مَعْنَاهُ يُبَالِغُ فِي تَسْوِيَتِهَا حَتَّى تَصِيرَ كَأَنَّمَا يَقُومُ بِهَا السِّهَامُ لِشِدَّةِ اسْتِوَائِهَا وَاعْتِدَالِهَا .اهـ
-عقَلنا/ فهِمنا
-عبادَالله/ منادى بحرف نداء محذوف.
- قوله (أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ )أي قلوبكم  كما في صحيح مسلم (432) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: «اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» .
 قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: «فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا» .
في هذا الحديث من الفوائد
1-التحذير والوعيد الشديد من عدم تسوية الصفوف .
2-أن عدم تسويةِ الصفوف من أسباب انتشار العداوة والبغضاء بين المسلمين.
وقد كثُرتِ البغضاءوانتشارالتنافر وصارت القلوبُ مليئةً بالحقد والبغضاء بسبب إهمالِ تسوية الصفوف .
ومن أسباب العداوة  والبغضاء بين المسلمين : المعاصي .
قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة : 14]
وهذا من شؤم الذنب .
ومن  الأسباب : اﻷحزاب والفِرَق ،هذا مما يجلب التنافرُ والبغضاء والعداوة ولهذا ربنا يقول:
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام : 159]
ويقول:{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم : 32]
ويقول:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)} [هود : 118-119] .
وكان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يقول: الأحزاب ولاؤُها ضيق ،من كان معنا في الحِزب نواليه ،ومن ليس معنا نُعاديه .
هذه  ثلاثة أسباب  تجلب العداوة  والتنافربين المسلمين.
 وقد بينا لنا الشرع اﻷسباب التي تسبب التنافر بين المسلمين من أجل إجتنابها والحذر منها ، لأنَّ دينَ الإسلام حريصٌ على جمعِ الكلمة والأُلفة .

استفدنا خطر التساهل والإهمال في تسوية الصفوف ،وأعظمُ هذا أن يتركَه تكبُّراً على المصلين .
قال تعالى :{ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر : 60] .
(الكبرُ بطر الحق ، وغمطُ الناس)
غمط الناس :احتقارهم  .
وبعض  الناس يرفُضُ ، يقول:  إنه يأتي له بالزحام والضيق .
وهذا من تقديم هوى النفس ،والواجب نبذُ الهوى ،الواجب الإذعانُ للدليل لمن أراد لنفسه الخير والسعادة فإن امتثالَ الدليل سعادةٌ .
 -وقد ذكر لنا الوالد الشيخ مقبل رحمه الله:  كيف إذا وقفتَ بجانب رجل وكلَّما قرَّبتَ رجلك منه يهرب ؟.
 يقول رحمه الله :  قف وقوفا معتدلاً ولايضرك شيء .
تطبيق هذه السنة ،إتمام الصف الأوَّل فالأوَّل ، وسدُّ الفُرَج ، وإلزاق الكعب بالكعب ، والمنكب بالمنكب ،مما أحياهُ الوالد الشيخ مقبل رحمه الله في مساجد أهل السنة في اليمن وهكذا في غيراليمن ممن استفاد من الوالدالشيخ مقبل رحمه الله .
نسألُ الله أن يكتُبَ له استمرار أجرِ كلِّ حسنة أحياها إلى يوم الدين  وقد وعد بذلك جلَّ شأنُه {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } .
ومن السنن التي أحياها رحمه الله :الاقتصار  يوم العيدعلى خطبةٍ واحدة  .
وكان يقول مُعترفاً بفضل نعمة الله :من كان يظنُّ أن الناسَ يقتصرون على خُطبةٍ واحدةٍ يومَ العيد ،فإنَّ الناسَ كانوا قد ألِفوا خُطبتينِ يوم العيد كخطبتي الجمعة .
هذا و بعضُ الناس يبالغ  في تسوية الصفوف  حتى إنه يضع  حافة قدمه على قدم صاحبه ، وهذا ليس من السنة  ،السُنَّة أن يضعَها وضعا  بجانب رجل أخيه ، بحيث تُسدُّ الفُرج  .
-وفي هذين الدليلين حديث أنس بن مالك و النعمان بن بشيراهتمامُ الإمام  بتسوية الصفوف  .
وفي حديث النعمان أنه  يقومُ  بتسويتها والإشرافِ عليها كما في رواية(يُسَوِّي صُفُوفَنَا , حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ ) .
وفي حديث أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ ..رواه مسلم .
فلايكفي أن يقف مستقبلاً القبلة ويحثهم على تسوية الصفوف ، بل يلتفتُ إليهم ويقوم بنفسه في تسوية الصفوف .

والله أعلم .