جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

درس عمدة الأحكام /"باب فضل صلاةالجماعة ووجوبها"

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الحافظ عبدالغني بن عبد الواحد المقدسي
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)
الفذ/الفرد .
قوله  (بسبع وعشرين درجة) وفي رواية أبي هريرة الآتية (تضعَّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا)
ولامنافاة بين الروايتين فالعدد لامفهوم له عند جمهور اﻷصوليين.
فلاتنافي بين رواية (خمس وعشرين )و(سبع وعشرين) اﻷقل ( بخمس وعشرين )يدخلُ في اﻷكثر .
*************************************
قال الإمام الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال:رسول الله صلى الله عليه وسلم(صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لايخرجه إلاالصلاة لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة فإذا صلَّى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه :اللهم صل عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ولايزال في صلاة ما انتظر الصلاة) .
ش
قوله (فأحسن الوضوء) الإحسان لغة:الإتقان .
والإحسان في الوضوء أن يتوضأ كما شرع الله
.
قوله (لم يخط خُطوة) قال ابن الأثير في النهاية : الْخُطْوَةُ بِالضَّمِّ: بُعْد مَا بَيْنَ القَدَمين فِي المشْي، وَبِالْفَتْحِ المَرَّةُ. وَجَمْعُ الْخُطْوَةِ فِي الكَثْرة خُطًا، وَفِي القلَّة خُطْوَات بِسُكُونِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا.
قوله (لم تزل الملائكة تصلي عليه )أي تدعو له ما دام في مصلاه.
والدعاءمفَسَّربما بعده بقوله (اللهم صل عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه) فهذا فيه بيان دعاء الملائكة.
وفي هذين الحديثين –حديث ابن عمروحديث أبي هريرة- من الفوائد
1-فضل صلاة الجماعة.
 وهذا الفضل عام للرجال والنساء.
2-استُدل بهذين الحديثين على أن صلاة الجماعة سنة وليست بواجبة .
واختلف العلماء على أقوال في حكم صلاة الجماعة على الرجال الذين ليس لديهم عذر في التخلُّف .
-فمنهم من قال صلاة الجماعة واجبة .وهذا قول جماعة من التابعين -منهم عطاء ابن أبي رباح والحسن البصري .
وأخرج الإمام مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: « وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ» .وهذا نص من ابن مسعود على إجماع الصحابة رضوان الله عليهم في وجوب صلاة الجماعة وأن التخلف عنها من صفات المنافقين .
وممن ذهب إلى هذا القول الإمام أحمد في أشهر الرواية عنه واختاره ابن المنذر.
وعزاه ابن رجب في فتح الباري (5/ 450)إلى عامة فقهاء الحَدِيْث، منهم: ابن خزيمة وابن المنذر.
وهو قول الوالد الشيخ مقبل رحمهم الله .
ولهذا القول أدلة .
منها: قول الله تعالى {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء : 102]
فإذا كانت الجماعة واجبة وقت الخوف وقتال اﻷعداء ففي حال اﻷمن من باب أولى .
-ومنها :قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة : 43]
قوله {مَعَ الرَّاكِعِينَ} مع تفيد المعية أي أن صلاة الفريضةتصلى مع جماعة المصلين .
-ومنها: حديث اﻷعمى في صحيح مسلم (653) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ» .
فإذا كان اﻷعمى لايجد له رخصة فالبصير من باب أولى .
ومنها :حديث الباب الآتي عند المؤلف في هَمِّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يحرق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة .
وهمُّ الرسول صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوتهم دليل على الوجوب .
هذه بعض أدلة القائلين بالوجوب.
وهناك أدلة أخرى تراجع من (كتاب الصلاة) لابن القيم رحمه الله .
-ومنهم من قال :صلاة الجماعة سنة مؤكدة وهذا قول المالكيةوالحنفية .
ذكره ابن القيم رحمه الله صفحة(99) من كتابه الصلاة وقال : لكنهم يؤثِّمون تارك السنن المؤكدة ويصححون الصلاة بدونه.
قال  :والخلاف بينهم وبين من قال إنها واجبة لفظي وكذلك صرح بعضهم بالوجوب اهـ.
اﻵن هنا قول الحنفية والمالكية لكنهم يقولون الذي لم يصل الصلاة في جماعة آثمٌ .
ابن القيم يقول:الخلاف بين أهل هذا القول وبين الموجبين خلاف لفظي- أي في اللفظ  العبارات فقط مختلفة لأنهم يُؤثمون الذي لم يصل الصلاة الفريضة في جماعة .
ومن قال بالاستحباب فدليله حديث ابن عمر وأبي هريرة في الباب قالوا التفضيل يدل على الاستحباب .
وكان من أجوبتهم عن حديث أبي هريرة (لقد هممت أن آمر بحطب …) بأنه في التخلف عن صلاة الجمعة كما في صحيح مسلم (652) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ».
ولكن يستفاد من مجموع الروايتين التحذير من التخلف عن صلاة الجماعة وعن صلاة الجمعة .
وقالوا إنما همَّ بإحراق بيوتهم لنفاقهم.  وليس كما ذكروا .
-ومنهم من قال: صلاة الجماعة شرط في صحة الصلاة وهذا هو القول الثالث في المسألة وهوقول أحمد في رواية عنه وقول الظاهرية .
وأدلة أهل هذا القول هي أدلة الموجبين لصلاة الجماعة .
وأيضاً ما رواه ابن ماجة (793 )من طريق هُشَيْمٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ» .
وهشيم صرَّح بالتحديث عند الحاكم في المستدرك .
وتابع هُشيماً قُراد وهوعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ على رفعه  كما عند الحاكم في المستدرك(1/ 372) .
لكن قال الحاكم عقبه : هَذَا حَدِيثٌ قَدْ أَوْقَفَهُ غُنْدَرُ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ .
وقال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (5/ 449) ولكن وقفه هُوَ الصحيح عِنْدَ الإمام أحمد وغيره.
وهذا أيضاً ما استفدناه من الوالد رحمه الله أن الصحيح وقفه .
وهذا الحديث يستدل به من قال بوجوب صلاة الجماعة ومن قال بأنها شرط .
 و القول بالشرطية بعيد يرده اﻷدلة مثل: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) فقوله (أفضل) أفعل التفضيل تدل على المشاركة والزيادة فتستوي صلاة الفرد والذي يصلي في جماعة في الصحَّة هذه صحيحة وهذه صحيحة إلا أن الصلاة في جماعة أفضل .
ولما  روى الترمذي في سننه (219)عن يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ رضي الله عنه  قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ  النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّتَهُ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْحَرَفَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى القَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: «عَلَيَّ بِهِمَا» ، فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا» ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ».
الشاهد:أنه لو لم تكن اﻷولى صحيحة لماكانت الثانيه نافلة .
وقد ذكر ابن القيم في كتاب الصلاة هذه المسألة (حكم صلاة الجماعة )واﻷقوال فيها وناقش اﻷدلة فيستفاد مما أفاده رحمه الله .
مسألة :قلت للوالد الشيخ مقبل رحمه الله ألا يكون حديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَلَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ».دليل على أن صلاة الجماعة غير واجبة على الرجال ؟.
فأجابني : لا ، الحديث دليل على صحة صلاة المنفرد واﻷدلة اﻷخرى تبين وجوب صلاة الجماعة .
3-قوله :(ثم خرج إلى المسجد لايخرجه إلاالصلاة لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة وحُط عنه بها خطيئة).
فيه فضل الخطا إلى المساجد ، كل خطوة يرفع له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة.
 وأخرج الإمام مسلم في صحيحه (665) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ» ، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ».
وأخرج مسلم رحمه الله (1009) من طريق هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ» قَالَ: «تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ» قَالَ: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».
دلَّ هذا الحديث أن من جملة الصدقات الخُطَا إلى المساجد .
وقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}.
هذا فيه قولان للمفسرين أن المراد آثارهم التي أورثوها أي سنوها من بعدهم سواء من خير أو شركما قال تعالى  { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ النحل : 25 ] الآية . وقوله تعالى : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] .ولحديث جرير عند مسلم(1017)أن النبي  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» .
وعلى أحد التفاسيرفي قوله تعالى : { يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ }وقوله تعالى : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ }
أن المراد{ بما أخَّر} أعماله التي سنها بعده .
الثاني :آثار خُطاهم إلى الطاعة أو المعصية إلى المسجد أوغيره  فقد قال تعالى : { وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } [ التوبة : 121 ] قال الشنقيطي في تفسير يس { وآثارهم }فإن ذلك يستلزم أن تكتب لهم خطاهم التي قطعوا بها الوادي في غزوهم .

الحافظ ابن كثيررحمه الله في تفسيره يبين أنه لا تنافي بين التفسيرين وأن الآية دليل للمسألتين يقول رحمه الله :وهذا القول-أي أن الآثار هي الخُطا- لا تنافي بينه وبين الأول، بل في هذا تنبيه ودلالة على ذلك  بطريق الأولى والأحرى، فإنه إذا كانت هذه الآثار تُكتَب، فلأن تُكْتَبَ تلك التي فيها قُدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى، والله أعلم.
4-قوله (فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه)  . فيه فضل البقاء في مكان الصلاة عقب الصلاة .
الملائكة تصلي عليه فهذا وقت رحمة ووقت بركة فلاينبغي أن ينصرف المصلي مباشرة بعد الصلاة بل يبقى مبتغياً للخيرومحتسبا للأجر فيبقى يذكرالله ويقرأ اﻷذكار المشروعة بعدالصلوات .
فهذا من السنن التي ينبغي أن يحرِص عليها المصلي.
وبعض الناس ينصرف مباشرة بعد الصلاةلأنه يجهل هذا الفضل أو قد يتساهل .
5-الحديث هنا مختصرففيه زيادة عند البخاري بعد قوله (اللهم اغفر له اللهم ارحمه )(مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ)
 وهذا يفيد أن الملائكة تصلي عليه وتدعو له بشرط (مالم يؤذِ فيه مالم يحدث فيه) .
(مالم يؤذِ فيه)اﻷذى كالسب والكذب والغيبة .
ويشمل اﻷذى بالفعل أن يؤذي جليسَه بالمزاحمة أو ببعض التصرفات .
( مالم يحدثْ فيه)يشمل الحدَثَ الذي ينقض الطهارة .
ويشمل أيضا البدعة فإذا ابتدع في دين الله لاتدعو له الملائكة.
6-قوله:(ولا يزال في صلاة ماانتظرالصلاة) فيه فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة.
قال ابن عبدالبر رحمه الله في التمهيد (19/ 26)فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَضْلَ مُنْتَظَرِ الصَّلَاةِ كَفَضْلِ الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَمْ يُرِدْ به أن ينتظر الصلاة قائما وَلَا أَنَّهُ رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ فَضْلَ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بِالْقَصْدِ إِلَى ذَلِكَ وَبِالنِّيَّةِ فِيهِ كَفَضْلِ الصَّلَاةِ وَأَنَّ مُنْتَظِرَهَا كَالْمُصَلِّي فِي الْفَضْلِ وَلِلَّهِ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِمَا شَاءَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فِيمَا شَاءَ مِنَ الْأَعْمَالِ لَا معقب لحكمه لا رَادَّ لِفَضْلِهِ .اهـ
وهذا من جملة الرباط أخرج مسلم في صحيحه (251) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» .
قال الشيخ ابن عُثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين: يعني المرابطة على الخير وهو داخل في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} اهـ.
7- كثرة طرق الخير .
 نفعنا الله عزوجل بذلك وأعاذنا جميعاً من فتنة المحيا والممات .

      ونكتفي بهذا القدر.