بسم الله الرحمن الرحيم
من آداب الصيام واحكامه:
منها :الحرص على تقوى الله لأن ربنا شرع
صيام هذا الشهر ليتحقق في عباده التقوى قال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ).
ومن هذه الآداب استغلاله في الخير والبِّر
والقرآن ومكارم الأخلاق فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ
فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ
رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ».
فهذا الشهر شهر جود وكرم شهر مسابقة إلى
الخير وشهر إقبال على الله لا شهر فراغ وبِطالة ونزهة وأكل وشرب ونوم وضياع .
ينبغي أن تعلو فيه الهمم .وأن يستغل في
الخير لأنه فرصة وشهر غنيمة وموسم من مواسم الخيرلا يضيع علينا فلا نستطيع أن نتداركه
لأنه ما مضى مضى .
هذه أيام تجارة رابحة فمن لم يربح في هذه
الأيام فمتى يربح ومن لم ينقد للخير في هذا الشهر متى يستجيب .
ومن آدابه ما في صحيح البخاري ومسلم واللفظ
له عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،
قال قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا
أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا
يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ:
إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ "
«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ،
لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ
الْمِسْكِ»" وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ
بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ".
لا يتم الصيام ولا يكمل إلا بترك المحرمات
كالكذب والفجور والغيبة والاعتداء على الناس في أموالهم ودمائهم وأعراضهم النبي صلى
الله عليه وسلم يقول: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع
طعامه وشرابه" أخرجه البخاري عن أبي هريرة
.
ولهذا يقول بعض السلف: أهون الصيام ترك
الشراب والطعام اهـ.
فصيام الجوارح عن الآثام أشد وأعظم يقول
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم
حظه من قيامه السهر. يحذر أمَّته من ذهاب أجور صيامهم بالمعاصي لأنه ليس الصيام الامتناع
عن الأكل والشرب والمنكح فحسب .
ومن هذه الآداب
حفظ السمع عن سماع الغيبة والأغاني والملاهي والأناشيد (إن السمع والبصر والفؤاد
كل أولئك كان عنه مسئولا).
حفظ البصر لا يُنظَر إلى الرجال الآن انتشرت
الصور ممكن الواحدة إذا لم تتق الله وتَخف
من الله تنظر إلى عشرات الرجال من خلال النظر إلى الشاشات وهي في غرفتها. هذه صومها
ناقص . أجرها ناقص . هذا يفسد القلب ويمرضه .
الزمي الحياء والحشمة والأدب وقلة الكلام
ودعي كثرةالمزاح وكل ما يتنافى مع الأدب في كل الأوقات وبالأخص في شهر رمضان ولا تخرجي متطيبة أو مبخرة فإنه منهي عنه عند الخروج
إلى المساجد وغيرها.
تصوير ذوات الأرواح تساهلَ فيه الكبار والصغار
مع أنه كبيرة من الكبائر أشد الناس عذابا يوم
القيامة المصورون كما جاء في الحديث . ونجد كثيرا لا يبالون تمسَك الجوال وتصور نفسها
أو أولادها أوصاحباتها أو بعض المناظر التي لا تخلو من وجود ناس فيها وهذا لا يجيزه
الشرع والميزان هو الدليل .فعودي نفسك وروِّضيها على الأخذ بالأدلة لتكوني قريبة من
رب العالمين ومن الناجين فإن التقليد في الدين يضر .
الصيام يحتاج إلى محافظة عليه في أثناء
الصوم . ويحتاج أيضا أن يحافَظ عليه بعد الصوم فلا ظُلم ولا اعتداء ولا سفك الدماء البريئة ولا يسب ولا يغتاب حتى لا يعطَى غرماؤه
حسناته نسأل الله العافية. أخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ
فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي
يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ
هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا،
فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ
قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ
طُرِحَ فِي النَّارِ» .
يوم القيامة يقام فيه القصاص للمظلومين
من الظالمين يقام فيه العدل والقصاص إنما هو بالحسنات والسيئات تؤخذ حسناته جهوده التي
قدمها فتعطى للمظلوم فإن فنيت قبل أن يقضي الذي عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم
طرح في النار . إنها إفلاس الحسنات . وهي أشد من إفلاس المال . وهوالفقر .تؤخذ حسناته
في وقت أشد ما يكون إليها . يؤخذ أعز شيء عليه وأغلى شيء عنده. فالذي يغتاب يبطش يظلم
يقدم حسناته لغيره يقدم صيامه ويقدم حجه الذي تعب فيه ويقدم صدقاته ويقدم حفظه للقرآن
ويقدم جهوده التي كان تعب فيها وجاهد في القيام بها لأنه كان يغتاب وكان يكذب على الناس
ويؤذيهم وكان وكان إنها لخسارة عظيمة لمن ساء
قِيلُه وساءفِعلُه كيف يخسر حسناته وثواب أعماله أعظم من خسارة المال .
وإن كان بعضهم يقول :حسنة الصيام لا تؤخذ لقوله :(كل عمل ابن آدم له
إلا الصوم فإنه لي ) على أحد الأقوال والذي يظهر بقاء عموم الحديث في الصيام وفي
غيره .
وقوله في الحديث المتقدم ( له فرحتان يفرحهما)فرحة
عند فطره هذه فرحة محمودة لأنها فرح بفضل الله وبرحمته فقد قال ربنا في كتابه (قُلْ
بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) فإنه صام وترك المباحات طاعة لله ولرسوله . وأفطر
طاعة لله ورسوله .فهذا فرح محمود . والنفس من عاداتها إذا منعت من مألوفاتها من المأكل والمشرب والمنكح في وقت ثم
أبيح لها في وقت آخر فإنها تفرح والفطامُ عن المألوف شديد.
وفرح عند لقاء ربه إذا وجد الثواب على صومه
في وقت أحوج ما يكون إلى الحسنات {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ
مُحْضَراً} (علمت نفس ما قدمت وأخرت) فهناك يجد العبد كل ماقدمه من الخير والشر . يوم
تبلى السرائر .
تَذكَّر يوم تأتي الله فردا وقد نُصبت موازين القضاء
وهُتكت الستور عن المعاصي وجاء الذنب كشوف الغطاء
هذا ولا نغفل عن قول الحمد لله عقب الفراغ
من الشرب والأكل حتى يرضى ربنا علينا نسأل الله من فضله .فقد روى مسلم في صحيحه عن
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة
فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها" .
ولا نغفل أيضاًعن احتساب السحور ففي الصحيحن
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال تسحروا فإن في السحور بركة
. فبأعمال القلوب تتفاوت الأعمال يتسحر اثنان لكن هذا ليس عنده نية ُالامتثال للدليل
والعمل بالسنة فلا يُؤجر . والآخر يتسحر عملا بالسنة وامتثالا لأمر النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم فيكون له الأجرويكون له فعله ذلك صدقة لأنه كل معروف صدقة .
كما نذكِّر أنفسنا أنه ينبغي قول دعاء كفارة
المجلس عند مغادرة المجلس سواء كان من حلقة علم أو قمنا من الصلاة أو قيام الليل أو
من الأكل ونحو ذلك فقد ثبت من حديث عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا قَطُّ، وَلَا تَلَا قُرْآنًا، وَلَا صَلَّى صَلَاةً
إِلَّا خَتَمَ ذَلِكَ بِكَلِمَاتٍ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ مَا
تَجْلِسُ مَجْلِسًا، وَلَا تَتْلُو قُرْآنًا، وَلَا تُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا خَتَمْتَ
بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: " نَعَمْ، مَنْ قَالَ خَيْرًا خُتِمَ لَهُ طَابَعٌ
عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ، وَمَنْ قَالَ شَرًّا كُنَّ لَهُ كَفَّارَةً: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ،
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ " رواه النسائي
في الكبرى وغيره .وذكره الوالد الشيخ مقبل رحمه الله في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين
.
ونسأل الله أن يبلِّغنا صيام هذا الشهر وقيامه والفوز
بخيره وبركاته .