جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 17 سبتمبر 2015

درس عمدة الأحكام /ثلاثة أحاديث من باب المواقيت

قال الإمام الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي
عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: (مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا , كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ) .
 وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ (شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى - صَلاةِ الْعَصْرِ - ثُمَّ صَلاهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) .
 [الشرح]
قوله (يوم الخندق) وقعة الخندق في السنة الرابعة والدليل ما رواه البخاري(2664 ) ومسلم (1868)عن ابن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي» .
قال النووي في شرح صحيح مسلم في شرح حديث ابن عمر : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَهَذَا الْحَدِيثِ يَرُدُّهُ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أُحُدًا كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَيَكُونُ الْخَنْدَقُ سَنَةَ أَرْبَعٍ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ اهـ
وخالف ابنُ القيم في زاد المعاد (3/ 240)وقال :غزوةُ الخندق كَانَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي شَوَّالٍ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ أُحُدًا كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَوَاعَدَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَهُوَ سَنَةُ أَرْبَعٍ، ثُمَّ أَخْلَفُوهُ لِأَجْلِ جَدْبِ تِلْكَ السّنَةِ، فَرَجَعُوا، فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ خَمْسٍ جَاءُوا لِحَرْبِهِ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي.
قال :وَخَالَفَهُمْ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ .
وَقَالَ بَلْ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْهُ، ثُمَّ عُرِضَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَهُ.
قَالَ: فَصَحّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا سَنَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهُ لَمَّا اسْتَصْغَرَهُ عَنِ الْقِتَالِ، وَأَجَازَهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَى السِّنِّ الَّتِي رَآهُ فِيهَا مُطِيقًا، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَنْفِي تَجَاوُزَهَا بِسَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَعَلَّهُ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي أَوَّلِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَيَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي آخِرِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ اهـ.
(الوسطى) يعنى الفضلى .
وقد نصَّ الله عليها ﻷهمية المحافظة عليها ولفضلها فقال سبحانه {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة : 238].
وفي الصحيحين من حديث جرير بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ نَظَرَ إلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: أَمَّا إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تَغْلِبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ (فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130].
وروى الإمام مسلم (830)عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» .
ولعِظَم صلاة العصر يقول النبي صلى الله عليه وسلم(من ترك صلاة العصر فقد حبِط عملُه ) .
من فوائدالحديث
1-أن(الصلاة الوسطى )هي صلاة العصركما في لفظ مسلم  ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر) والروايات يفسر بعضها بعضا وقدعزا الترمذي في سننه هذا القول إلى أكثر أهل العلم .
ولايلتفت إلى اﻷقوال الأخرى في تعيين الصلاة  الوسطى ﻷنه إذا جاء النص لايلتفت إلى غيره .
2-ظاهر هذه الرواية  أنه لايراعَى الترتيب في الصلاة الفائتة فله أن يقدم الحاضرة على الفائتة لقوله ( ثم صلاها بين المغرب والعشاء ) أي صلى صلاةالعصر.ولكنه في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما الآتي في آخر الباب (فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ. ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ) .
وهذا يوضِّح الرواية اﻷخرى التي في العمدة ( ثم صلاها بين المغرب والعشاء ) .
ففيه البدء بالصلاةالفائتة قبل الصلاة الحاضرة  .
قال النووي في شرح صحيح مسلم :وهذا مجمع عليه . لكنه عند الشافعي وطائفة من أهل العلم على الاستحباب .
ولو صلى الحاضرة ثم الفائتة جاز .
وعند مالكٍ وأبي حنيفة وآخرين على الإيجاب فلو قدم الحاضرة لم يصح اهـ
3-ظاهر الحديث أنه لم يفتِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا صلاةالعصر.
وقد جاء في موطأ مالك(1/184) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» .وهذا مرسل .
وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّر أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء .
أخرج الترمذي في سننه (179)والنسائي في سننه (622) من طريق  أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أبيه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُبِسْنَا عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاء، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا، فَأَقَامَ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى بِنَا الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى بِنَا الْعِشَاء، ثُمَّ طَافَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «مَا عَلَى الْأَرْضِ عِصَابَةٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُكُمْ» .
وأبو عبيدة عامربن عبدالله بن مسعود .
وهذا إسناد منقطع . أبو عبيدة لم يسمع من أبيه فقد قال الترمذي عقبه : «حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ».
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (239) ضعيف .
وأخرجه  النسائي (661) وأحمد في مسنده(17/293) من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الصَّلَوَاتِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ هَوِيًّا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِي الْقِتَالِ مَا نَزَلَ، فَلَمَّا كُفِينَا الْقِتَالَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] " أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَقَامَ الظُّهْرَ، فَصَلَّاهَا كَمَا يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَمَا يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَمَا يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا " .
ورجاله كلهم ثقات .
وعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ  : قال عنه الحافظ في التقريب ثقة .
وقد ذكر الدارقطني رحمه الله في العلل (11/300) الخلاف في إسناده ثم قال :والصحيح قول يحيى القطان، ومن تَابَعَهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ.
وجمع النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم بين هذا الاختلاف أن وقعةَ الخندق بقيت أياما فكان هذا في بعض اﻷيام وهذا في بعضها اهـ
4-تأخيرالنبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصريوم الخندق حتى غابت الشمس .
وقد كان هذا قبل شرعية صلاة الخوف يقول الله عز وجل
{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 239]
وصلاة الخوف استظهر ابن القيم في زاد  المعاد أن أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم للخوف بعسفان لما روى أبوداود  في سننه(1236) من طريق مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَصَبْنَا غِرَّةً، لَقَدْ أَصَبْنَا غَفْلَةً، لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، وَالْمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ الحديث.
(فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ)أي صلاة الخوف .
5-ظاهر الرواية أنه ما صلى إلا بعد الغروب  .
وفي حديث ابن مسعود الآتي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر حين احمرَّت الشمس أو اصفرت .
وهذا يكون قبل الغروب وجمع ابن دقيق العيد رحمه الله في شرح العمدة بين الروايتين
 وقال :قوله (حتى اصفرت) قد يتوهم مخالفة لما في الحديث اﻷول من صلاتها بين المغرب والعشاءوليس كذلك  بل الحبس انتهى إلى هذا الوقت ولم تقع الصلاة إلا بعد المغرب وقد يكون ذلك الانشغال بأسباب الصلاة أو بغيرها .
هذا ماذكره ابن دقيق العيد.
6-جواز الدعاء على المشركين لقوله(ملأ الله قبورهم نارا) وأحيانا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لهم حسب المصلحة فقد روى البخاري في صحيحه(2937) ومسلم  (2524) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ، عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ  وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ» .
وبوَّب عليه البخاري وقال : بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ .
قال الحافظ في فتح الباري قَوْلُهُ ( لِيَتَأَلَّفَهُمْ) مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفَ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَارَةً يَدْعُو عَلَيْهِمْ وَتَارَةً يَدْعُو لَهُمْ فَالْحَالَةُ الْأُولَى حَيْثُ تَشْتَدُّ شَوْكَتُهُمْ وَيَكْثُرُ أَذَاهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا بِبَابٍ وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمْ وَيُرْجَى تَأَلُّفُهُمْ كَمَا فِي قِصَّةِ دَوْسٍ اهـ

      الحديث الثاني                                                        
وَلَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: (حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْعَصْرِ , حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَوْ اصْفَرَّتْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: شَغَلُونَا عَنْ الصَّلاةِ الْوُسْطَى - صَلاةِ الْعَصْرِ - مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً , أَوْ حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً) .
تقدم الكلام عليه في الذي قبله .

الحديث الثالث                    
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعِشَاءِ. فَخَرَجَ عُمَرُ , فَقَالَ: الصَّلاةُ , يَا رَسُولَ اللَّهِ. رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ: لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي - أَوْ عَلَى النَّاسِ - لأَمَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الصَّلاةِ هَذِهِ السَّاعَةِ) .
 [الشرح]
أعتم/أخرصلاة العشاء عن أول وقتها.
وثبت في صحيح مسلم (638) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» .
وقوله(حتى ذهب عامتها)
حتى ذهب عامتها/أي كثير منها لا أكثرها .
ﻷن وقت العشاء الاختياري ينتهي بنصف الليل وقد نبَّه على ذلك الإمام النووي في شرح صحيح مسلم .
في هذا الحديث من الفوائد
1-استحباب تأخير صلاة العشاء لولا المشقة على المصلين.
 وتقدم من حديث جابربن عبدالله (والعشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجَّل وإذارآهم أبطؤوا أخر)
فيستحب تأخير صلاة العشاء في حق المنفرد والمصلين في جماعة إذا كان لا يشق عليهم .
2- شفقةُ النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وقد وصفه الله عز وجل بقوله
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة : 128]
العنت/المشقة .
3- تنبيه المفضول للفاضل ،عمر بن الخطاب رضي الله عنه نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (الصلاة يارسول الله رقد النساء والصبيان) وذلك لاحتمال أنه غفل أو نسي أو ليستفيد كما يقوله أهل العلم.
4- شهود النساء والصبيان صلاة الجماعة في المسجد .
وأما ما رواه ابن ماجة في سننه  (750) عن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ، وَمَجَانِينَكُمْ » فهوحديث ضعيف جداً فيه الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ متروك .
5-أن النوم اليسير الذي لايكون مستغرقاً لايبطل الوضوء .
فالنوم إذا كان يسيراً بحيث يشعر صاحبه بنفسه وبمن حوله لايكون ناقضا والدليل حديث( الباب ).
وأخرج مسلم (376)عن أنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ» .
وأخرجه أبو داود في سننه (200) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ» .وسنده صحيح وأصله في صحيح مسلم كما تقدم .
أما النوم المستغرق الذي لايشعر صاحبه بنفسه ولا بمن حوله فهذا ناقض للوضوء .
والدليل ما أخرجه الترمذي (96 ) من حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» .
يعني هذه الثلاثة اﻷمور تبطل الوضوء وأنه إذا توضأ لا ينزع خفيه إلا من جنابة .
والمقصود في المدة المعلومة المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها للمسافر ويوم وليلة للمقيم .
وبهذا التفصيل في حق النائم يُجمع  بين اﻷدلة وهو قول جماعة من أهل العلم وهو ترجيح الوالد الشيخ مقبل رحمه الله .
وذكرابن رُشد في بداية المجتهد(1/ 42)عن فقهاء الأمصاروالجمهور :أنهم فَرَّقُوا بَيْنَ النَّوْمِ الْقَلِيلِ الْخَفِيفِ وَالْكَثِيرِ الْمُسْتَثْقِلِ، فَأَوْجَبُوا فِي الْكَثِيرِ الْمُسْتَثْقِلِ الْوُضُوءَ دُونَ الْقَلِيلِ.
وقال ابن رُشد رحمه الله : وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ حَمَلَ الْأَحَادِيثَ الْمُوجِبَةَ لِلْوُضُوءِ مِنْهُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالْمُسْقِطَةَ لِلْوُضُوءِ عَلَى الْقَلِيلِ، وَهُوَ كَمَا قُلْنَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ مَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ اهـ.
ومنهم من قال نوم الجالس ليس بناقض مطلقا وذكر ابن عبدالبررحمه الله  في الاستذكار(1/150) وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي عُبَيْد (القاسم بن سلاَّم)أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أُفْتِي أَنَّ مَنْ نَامَ جَالِسًا لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ إِلَى جَنْبِي يَوْمَ الْجُمْعَةِ رَجُلٌ فَنَامَ فَخَرَجَتْ مِنْهُ رِيحٌ فَقُلْتُ لَهُ قُمْ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ لَمْ أَنَمْ فَقُلْتُ بَلَى وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْكَ رِيحٌ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَجَعْلَ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ وَقَالَ لِي بَلْ مِنْكَ خَرَجَتْ فَتَرَكْتُ مَا كُنْتُ أَعْتَقِدُ فِي نَوْمِ الْجَالِسِ وَرَاعَيْتُ غَلَبَةَ النَّوْمِ وَمُخَالَطَتَهُ لِلْقَلْبِ .
ومنهم من يرى أن النوم قليله وكثيره ناقض للوضوء لعموم حديث صفوان بن عسَّال المتقدم ولحديث أبي هريرة المتقدم  «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ»فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ النَّوْمَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ. يُراجع بداية المجتهد .
أما نوم الأنبياء فمن خصائصهم أن النوم مطلقاً لا ينقض وضوءَهم فقد أخرج البخاري (138)عن ابن عباس رضي الله عنهما في قيام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ المُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» .
قال الحافظ في فتح الباري قَوْلُهُ (فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ )فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا بَلْ مَظِنَّةُ الْحَدَثِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ فَلَوْ أَحْدَثَ لَعَلِمَ بِذَلِكَ وَلِهَذَا كَانَ رُبَّمَا تَوَضَّأَ إِذَا قَامَ مِنَ النَّوْمِ وَرُبَّمَا لَمْ يَتَوَضَّأْ اهـ
وأخرج البخاري (1147) ومسلم (738) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي» .
وههنا إشكال وهو ما رواه البخاري (344 ) ومسلم (682) عن عِمْرَانَ بن حُصين رضي الله عنهما، قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً، وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ المُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ الحديث .
وقد أورد الإشكال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم وأجاب عنه وقال :فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي .
فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ كَالْحَدَثِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهُمَا وَلَا يُدْرِكُ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَغَيْرَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَإِنَّمَا يُدْرِكُ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ وَالْعَيْنُ نَائِمَةٌ وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ يَقْظَانُ .
وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا يَنَامُ فِيهِ الْقَلْبُ وَصَادَفَ هَذَا الْمَوْضِعَ .
وَالثَّانِي لَا يَنَامُ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِ وَهَذَا التَّأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ.
فتبين أن أمر الشمس وطلوع الفجر متعلق بالعين وأن أمر الحَدَث يتعلق بالقلب فلو أحدث لأحسَّ به  .
6-  ترك النبي صلى الله عليه وسلم تنشيف جسمه بعد الغسل .وقد تقدم في أبواب الطهارة  حديث ميمونةرضي الله عنها وفيه (قالت ثم أتيته بالمنديل فرده).
وعلى كُلٍ  جمهورأهل العلم أن التنشيف بعد الغسل لاكراهة فيه ﻷنه لم يثبت دليل في النهي.
7- تمني الخير وقد ذكر البخاري في صحيحه  لهذه المسألة كتاباً بعنوان (كتاب التمني ).
والمنهي عن استعمال (لو) ماكان يصحبه سخط وجزع وهو المقصود بما ثبت في صحيح مسلم (2664)عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ: احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.
فاستعمال( لو) لتمني الخير وفي شي لايصحبه سخط ولاجزع هذا لاشي فيه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لو استقبلت من أمري مااستدبرت ماسقت الهدي ولتحللت وجعلتها عمرة ) متفق عليه عن عائشة .
واستعمال لو مع جزع وسخط هذا حرام منهي عنه وهو ينافي الصبر والصبر واجب .
نكون قرأنا ثلاثة أحاديث .

إلى هنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاثنين، 14 سبتمبر 2015

إرسال الرجل بقيمة أضحيته إلى بلدته أو بلد أخرى ..

بعض الناس يكون مغترباعن بلده فيرسل  إلى أقربائه أو بعض المحاويج بنقود ويوكل في شراء أضحيته ثم يتم شراؤها وتوزيعها أو إعطاؤها لبعض الأسر فما الحكم ؟.
الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام وينبغي أن يشهدها ويقوم بذبحها كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو يوكل وهو حاضر لأنه ثبت في الصحيح عن أَنَسٍ، قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ».
و في صحيح مسلم عن جابر في حجة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم َنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ .
ويستحب أن يأكل منها لأن الله عزوجل يقول { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } .
ولهذا الأفضل أن يضحي في المكان الذي هو فيه سفراً أو حضراً لأن هذه شعيرة وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وممكن يُرسَلُ بنقود في التعاون معهم في الأضاحي وهو يضحي في المكان الذي هو فيه .

أما الجواز فوجدت أقوالاً للعلماء فيها الجواز ولكن الأفضل ما تقدم .

الأحد، 13 سبتمبر 2015

تفسيروفوائد قوله تعالى { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}

بسم الله الرحمن الرحيم
هم يوسف عليه الصلاة والسلام وهم امرأة العزيز

{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}الهمُّ على ظاهره في حق نبي الله يوسف عليه السلام وهو وجودُ

 داعي الشهوة .

قال شيخ الإسلام في فتاواه (7/725) قَالَ أَحْمَد: الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطِرَاتٍ، وَهَمُّ إصْرَارٍ.

وقال رحمه الله في فتاواه (10/279)الْهَمُّ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ " نَوْعَانِ " كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد 

الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطَرَاتٍ وَهَمُّ إصْرَارٍ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 

{أَنَّ الْعَبْدَ إذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ وَإِذَا تَرَكَهَا لِلَّهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً 

وَاحِدَةً} وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتْرُكَهَا لِلَّهِ لَمْ تُكْتَبْ لَهُ حَسَنَةً وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَيُوسُفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ وَلِذَلِكَ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ لِإِخْلَاصِهِ اهـ 

المراد.
وهمُّ يوسف همُّ خطرات حديث نفس جزم بذلك شيخ الإسلام فقد قال  في "الزهد والورع والعبادة" 169وَمن هَذَا الْبَاب –أي هم الخطرات -هم يُوسُف حَيْثُ قَالَ تَعَالَى وَلَقَد هَمت بِهِ وهم بهَا لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه الْآيَة .
وقال رحمه الله في منهاج السنة (2/412)يُوسُفُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا هَمَّ تَرَكَ هَمَّهُ لِلَّهِ، فَكَتَبَ اللَّهُ بِهِ حَسَنَةً كَامِلَةً وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً قَطُّ، بِخِلَافِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهَا هَمَّتْ وَقَالَتْ وَفَعَلَتْ، فَرَاوَدَتْهُ بِفِعْلِهَا وَكَذَبَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ سَيِّدِهَا وَاسْتَعَانَتْ بِالنِّسْوَةِ، وَحَبَسَتْهُ لَمَّا اعْتَصَمَ وَامْتَنَعَ عَنِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى الذَّنْبِ وَلِهَذَا قَالَتْ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ يُوسُفَ: 53]اهـ
فتبين من كلام شيخ الإسلام أن يوسف همَّ وفرق بين همِّه وهم امرأة العزيز.
وهذا يدل أن الهم في حق يوسف على ظاهره وأن الآية على ظاهرها .
قال ابن الجوزي في زاد المسير في تفسير هذه السورة وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، والضحاك، والسدي، وهو قول عامة المفسرين المتقدمين، واختاره من المتأخرين جماعة منهم ابن جرير، وابن الأنباري.
وهو قول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله.
 وقال الوالد :إن من قال :لم يهم يوسف قالوا لكمال يوسف ونزاهته .
وهذا أيضاً فتوى اللجنة الدائمة .
ونص الفتوى(4/237) :الصحيح من أقوال العلماء في ذلك: أن الهم الذي وجد من يوسف -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- هو: الميل الجنسي الطبيعي الذي يوجد مع أي إنسان عند وجود سببه، وقد صرفه الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}  ولا يجوز صرف الآية عن ظاهرها إلا بدليل اهـ المراد.
على هذا يوسف لم يقع في ذنب لأنه هم خاطر وفِكْر غير مستقر.
وقد ذكر شيخ الإسلام في  الفتاوى الكبرى(5/260)أن يوسف لم يقعْ  في ذنب.
قال :فإن الله عزوجل قال في آدَمَ وَزَوْجَتِهِ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وَقَوْلِ نُوحٍ: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
وَقَوْلِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82] .
 وَقَوْلِ مُوسَى: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ - وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}.
وقوله عزوجل عن داود{فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] .
 وقَوْله تَعَالَى عَنْ سُلَيْمَانَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] .
قال :وَأَمَّا يُوسُفُ الصِّدِّيقُ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ عَنْهُ ذَنْبًا فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ عَنْهُ مَا يُنَاسِبُ الذَّنْبَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ، بَلْ قَالَ: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ صَرَفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ سُوءٌ وَلَا فَحْشَاءُاهـ.
قلت :وقدذكر عدد من المفسرين تحت هذه الآية ما أخرجه البخاري (6491)ومسلم(131) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً».
وفي روايةفي مسلم (129)عن أبي هريرة وفيه  ارْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ.
وتبين أن يوسف لم يرتكب ذنباً بهمه لهذا لم يذكر الله عنه ذنبا لأنه مجرد خطرات بدون قول ولا فعل ولا عزم وتركه لله وكتب له من أجلها حسنة .
وهناك أقوال أخرى في الآية { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ }
منها :أنه أن يضربها ولا دليل عليه .
ومنها :أن المراد لم  يهم بها وقالوا هذا من باب التقديم والتأخير أي لولا أن رأى برهان ربه لهم بها .
ورده ابن جريرفي تفسيره وقال : إن العرب لا تقدم جواب"لولا" قبلها، لا تقول:"لقد قمت لولا زيد"، وهي تريد": لولا زيد لقد قمت" .
وقال ابن القيم في الصواعق المرسلة (2/716)وأما ما يدعى من التقديم والتأخير في غير ذلك كما يدعي من التقديم في قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ} [يوسف 24] وأن هذا قد تقدم فيه جواب لولا عليها فهذا أوَّلا لا يجيزه النحاة ولا دليل على دعواه اهـ المراد.
ابن القيم هنا يرده من وجهين :
أحدهما أنه لا يجيزه النحاة.
الثاني :أن دعوى لا دليل عليها .
وذلك أن الأصل عدم التقديم والتأخير فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل .

وقوله { لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} الله أعلم بالمراد بالبرهان .

قال ابن جرير في تفسير هذه الآية :الصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آيةٌ من الله، زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة  وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب  وجائز أن تكون صورة الملك وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا  ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك كان من أيٍّ.
 والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى، والإيمان به، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه اهـ.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: جواب «لولا» محذوف. قال الزجاج: المعنى: لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما همّ به. قال ابن الأنباري: لزنى، فلما رأى البرهان كان سبب انصراف الزنا عنه.
من فوائدالآية
1-فضل الإخلاص وأنه حرز وحصن من الوقوع في الفواحش والمعاصي .
وهذا كما في الحديث الآخر (احفظ الله يحفظك ).
ومن ثمار الإخلاص أنه حِصن من الشيطان الرجيم { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ  إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} .
ومن ثمار الإخلاص أنه سبب لصفاء القلب كما روى ابن ماجة (230)عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ".
2-كرامة ليوسف عليه السلام حيث ثبَّته الله وعصمه .

1-   شهادة الله ليوسف بأنه من عباده .

وهذه عبودية خاصة تفيد التشريف لأن العبودية الخاصة هي عبودية الامتثال والطاعة .

2-   ولهذا ربنا يصف نبيه بها محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم بها في أعلى المقامات .


3-   اهتمام الله عزوجل بيوسف ورعايته له فهو الذي حفظه ولهذا قال كذلك لنصرف عنه السوء ..

مسائل في عشر ذي الحجة

         بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} .
الأيام المعلومات :عشر ذي الحجة .
بيَّن ربُّنا سبحانه في هذه الآيةأنَّ هذه الأيامَ أيامُ ذكر وعبادة .
وأقسم ربنا سبحانه بليالي هذه الأيام فقال {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} وهذا يدل على شرفها وفضلها .
وأخرج البخاري في صحيحه (969) عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» .
وهذا من فضل الله وإحسانه أنه كلما انتهى موسم من مواسم الخير والعبادة تلاه موسم آخر.
  وهي أيام معدودات تنتهي في طرفة عين.
فلا نكن من الغافلين عن قدر هذه الأيام ، الخاسرين لهذه التجارة وهذا الربح العظيم .
فالمبادرة قبل الفوات فنندم ولات حين مناص.
 فهذه فرصة وغنيمة لِمن يسابق إلى الجنة والدرجات العُلى.
 فلنكثر فيها من قراءة القرآن ومن الذكر والدعاءوالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والتوبة والتضرع والإنابة إلى ربنا خوفاً وطمعاً .
ولنعمر أوقاتنا بالخيرات والقُرُبات وكل ما به يُنالُ رضا الله واتقاء سخطه سبحانه وعذابه .
كما نذكِّر أنفسَنا أننا لا نسى والِدَينا وشيوخَنا وعلماءَنا من الدعاء لهم لما لهم من الحق علينا وهكذا سائرالمسلمين الأحياء منهم والأموات فإن الله عزوجل يقول {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}.
مع ما يعود من الخير على الذي يدعو فهو في عبادة عظيمة(الدعاء هو العبادة ).
والملَك يقول للذي يدعو لأخيه بظهر الغيب :ولك بمثل .كما في الصحيح .

(العشر الأواخرمن رمضان أفضل أوالعشر الأول من ذي الحجة)
في المسألة حديث ابن عباس المتقدم .
ولهذا الحديث قرَّر شيخُ الإسلام أن عشر ذي الحجة أفضل من العشر الأواخر من رمضان .
وأن ليالي العشر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة .
قال ابن القيم رحمه الله  في بدائع الفوائد(3/162) وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل فأجاب فيها بالتفصيل الشافي فمنها: أنه سئل عن تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر أو العكس؟ فأجاب بما يشفي الصدور فقال: "أفضلهما أتقاهما لله تعالى فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة".
ومنها أنه سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فقال: "أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة"
قال ابن القيم :وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيا كافيا فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة وفيهما يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية .
وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة.
وأفاد الشيخ ابن عثيمين أيضاً بأن العشر من ذي الحجة أفضل فقال في مجموع فتاواه (25/191).. حتى إن العمل في هذه الأيام أيام عشر ذي الحجة الأولى أفضل وأحب إلى الله من العشر الأواخر من رمضان.
قال: وهذا شيء غفل عنه الناس وأهملوه، حتى إن عشر ذي الحجة تمر بالناس وكأنها أيام عادية ليس لها فضل وليس للعمل فيها مزية اهـ.
     وقال ابن رجب في فتح الباري(9/15) لكن فرائض عشر ذي الحجة أفضل من فرائض سائر الأعشار، ونوافله            أفضل من نوافلها، فأما نوافل العشر فليست أفضل من فرائض غيره  .
وحينئذ؛ فصيام عشر رمضان أفضل من صيام عشر ذي الحجة؛ لأن الفرض أفضل من النفل.
وأما نوافل عشر ذي الحجة فأفضل من نوافل عشر رمضان، وكذلك فرائض عشر ذي الحجة تضاعف أكثر من مضاعفة فرائض غيره.اهـ .
وعلَّق ابن رجب في فتح  الباري على حديث ابن عباس(مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ..) .
قال: فيدخل في ذلك تفضيل العمل في عشر ذي الحجة على العمل في جميع أعشار الشهور كلها، ومن ذلك عشر رمضان، لكن فرائض عشر ذي الحجة أفضل من فرائض سائر الأعشار، ونوافله أفضل من نوافلها، فأما نوافل العشر فليست أفضل من فرائض غيره، وحينئذ؛ فصيام عشر رمضان أفضل من صيام عشر ذي الحجة؛ لأن الفرض أفضل من النفل، وأما نوافل عشر ذي الحجة فأفضل من نوافل عشر رمضان، وكذلك فرائض عشر ذي الحجة تضاعف أكثر من مضاعفة فرائض غيره"
الحاصل من كلام ابن رجب : أن فرائض العشر الأول من ذي الحجة أفضل من فرائض العشر في كل الشهور رمضان وغيره . ونوافله أفضل من نوافلها لحديث  ابن عباس  المذكور .
وأن نوافل عشر ذي الحجة ليست أفضل من فرائض العشر من كل الشهور رمضان ولاغيره لأن الفريضة أفضل وأحب إلى الله من النافلة  كما في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه (وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إليَّ مما افترضته عليه ).

استعداد من عنده أضحية قبل دخول العشر

أخرج مسلم في صحيحه  (1977) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» .وفي رواية له ( فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا، وَلَا يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا ).
وهذا النهي للكراهة عند الشافعي وأصحابه قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم :وَاحْتَجَّ من قال بالكراهة بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يقلده ويبعث به ولايحرم عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ :الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ أَكْثَرُ مِنْ إِرَادَةِ التَّضْحِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لايحرم ذَلِكَ وَحَمَلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ.
قلت :وهو قول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله أن النهي نهيُ تنزيه .
وبعضهم قال : يجمع بين الحديثين فيؤخذ بحديث أم سلمة فيمن يريد أن يضحي في مصره وبحديث عائشة فيمن أرسل بهديه مع غيره وأقام في بلده كذا في "لطائف المعارف "ص 272.
وأفادنا الوالد رحمه الله أنَّ هذا النهي عام سواء ضَحَّى أو ضُحِّي عنه لِما أخرج الترمذي في سننه (1505)عن أبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَتْ كَمَا تَرَى» .
فكان يرى والدي رحمه الله أن الأسرة التي لديها أُضحية تجتنب ما دلَّ عليه حديث أم سلمة من عدم الأخذ من الشعر ومن الأظفار.
وكان أيضاً يأمرنا بذلك.
والمسألة خلافية بين علمائنا .

نفعنا الله وإياكم وجنبنا فتنة المحيا والممات .

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

س- ماحكم قول حياك الله يافلان ؟ وهل معناها أبقاك الله ؟.

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه العبارة من البِشْر عند اللقاء وإدخال السرور وقد روى الإمام مسلم في صحيحه (2626) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» .
لكن لا تُجعل بدلاً عن رد التحية لأن الله عزوجل يقول { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } .
وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح الأربعين النووية شرح حديث أبي هريرة وفيه (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )قال :فيه وجوب إكرام الضيف بما يعد إكراماً، وذلك بأن تتلقاه ببشر وسرور، وتقول: ادخل حيَّاك الله وما أشبه ذلك من العبارات.
أما معنى (حياك الله ) فقال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث"مَعْنَى حَيَّاكَ:
أبْقَاك، مِنَ الْحَيَاةِ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنِ اسْتقبال المُحَيَّا وَهُوَ الوَجْه.
 وَقِيلَ مَلَّكك وفَرَّحَك.

 وَقِيلَ سَلَّم عَلَيْكَ، وَهُوَ مِنَ التَّحِيَّةِ: السَّلَامُ.