مكافأة المعروف
قال
الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رَحِمَهُ الله:
عَنْ
رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «سَلْ»، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ
مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَ: «أَوَغَيْرَ ذَلِكَ»? قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ،
قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فيه
من الفوائد:
مكافأة
المعروف؛ فربيعة بن كعب كان يخدم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَسَلَّمَ، فقال له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «سَلْ» أي: اطلب حاجتك. وهذا من المكافأة لصاحب
المعروف، وقد كان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يكثر
أن يقول للخادم: ألك حاجة. كما روى الإمام أحمد (25/ 479) عَنْ خَادِمٍ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَقُولُ لِلْخَادِمِ:
«أَلَكَ حَاجَةٌ؟» قَالَ: حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
حَاجَتِي، قَالَ: «وَمَا حَاجَتُكَ؟» قَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَشْفَعَ لِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، قَالَ: «وَمَنْ دَلَّكَ عَلَى هَذَا؟» قَالَ: رَبِّي قَالَ: «إِمَّا
لَا، فَأَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» وهو في «الصحيح المسند» (1465) لوالدي
رَحِمَهُ الله.
والمكافأة من
شِيَمِ الأخلاق ومحاسنها؛ ولهذا يقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
آلِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ
تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ
كَافَأْتُمُوهُ» رواه أبو داود في سننه (1672) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ،
والحديث في الصحيح المسند (1/ 361) لوالدي رَحِمَهُ الله.
وذُكِرَ في
بعض التراجم أنه أُهدي لعالم طبق من رُطب، فرد إليه الطبق ذهبًا.
ومن لم يقدر
أن يكافئ بالعطاء والبذل فيدعو له، يقول: جزاك الله خيرًا، أو بارك الله لك، أو
نحو ذلك.
وفيه: همَّة
ربيعة بن كعب العالية؛ فلم يستغل هذه الفرصة في متاع الدنيا، ويقول: أريد راحلة،
أو بيتًا، أو غير ذلك من متاع الدنيا، مع أنه من فقراء الصُّفة.
وفيه: الزهد
في الدنيا وإيثار الآخرة.
والصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم كان هذا من
صفاتهم الزهد في الدنيا؛ لأنهم عرفوا حقيقتها وأنها متاعٌ فانٍ، وما عند الله خير
وأبقى، قال تَعَالَى: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا
عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل: 96]، وقال تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)﴾
[ص: 54]، فهكذا كانت هِمَمُهُم طلب الآخرة، والإقبال عليها، فهذه الدار إنما هي
مزرعة للآخرة، والقليل من يدرك ذلك، هي عبارة عن جسر نمر عليها إلى دار القرار،
إما جنة أو نار، وهناك يكون الجزاء إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)﴾
[البقرة: 281].
والذي يتعلق قلبه
بالدنيا لا يكون في عيش هنيء، كما قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «إغاثة
اللهفان»( 37): ومحب الدنيا لا ينفك من ثلاث: همٌّ لازم،
وتعب دائم، وحسرة لا تنقضي. اهـ.
وفيه: اغتنام
الفرص، والحياة فرص، والفرص أسرع ما تزول، وقد اغتنم هذا الصحابي الجليل ربيعة بن
كعب هذه الفرصة، وسأل مرافقة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَسَلَّمَ في الجنة، أي: يكون قريبًا من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في الجنة، وقد قال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَوَغَيْرَ ذَلِكَ» أو تسأل غير
ذلك، غير هذا السؤال العظيم، فقال: (هُوَ ذَاكَ)
لا أسأل غيره.
فقال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَأَعِنِّي
عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ).
قال الصنعاني رَحِمَهُ اللهُ في «سبل
السلام»(3/6): أَيْ: عَلَى نَيْلِ مُرَادِ نَفْسِك.
وفيه: فضل
الصلاة.
وفيه: أنه لا
يَقْرُبُ أحد من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إلا
إذا كان قريبًا من ربه، فإذا قرُب من ربه بالصلاة قَرُبَ من النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وكما قال تَعَالَى: ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾ [العلق: 19].