جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 31 أغسطس 2024

(9) بر الوالدين

 

                              عِظَمُ حق الوالدين

 

قال تَعَالَى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)﴾[الإسراء].

 

وقال تَعَالَى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الأنعام:151].

 

في أول هاتَين الآيتَين: الأمر بتوحيد الله سُبحَانَهُ والكفر بكل ما يعبد من دونه.

 

ثم ثنَّى تَعَالَى بحق الوالدين.

 

وهذا فيه عِظَمُ حق الوالدَين؛ فقد قرن الله سُبحَانَهُ حقه بحق الوالدين، وكثيرًا ما يقرن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حقه بحق الوالدين، وكما في قوله تَعَالَى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾.

و نستفيد من قوله: ﴿ فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا ﴾:

 النهي عن القول السيء والفعل السيء، ويشمل قوله سُبحَانَهُ ﴿وَلا تَنْهَرْهُمَا﴾ رفع الصوت عليهما.

ثم أمر سُبحَانَهُ بالقول الطيب اللين ﴿ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾.

 ثم حث على بر الوالدين بالفعل الحسن ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.

 

  ولعظم حق الوالدين قُرن العقوق بالشرك، كما في حديث أبي بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عند البخاري (5976)، ومسلم (87) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يَقُولُهَا، حَتَّى قُلْتُ: لا يَسْكُتُ.

كما يستفاد من سورة الإسراء: الحث على بر الوالدين عند كبرهما؛ لأن كِبر السن يحصل فيه الضعف والوهن؛ فلهذا وصى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بهما.

 

وفيه أن من عق والديه فما جازى الإحسان بالإحسان؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر تربية الوالدين ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾، فهما قد أحسنا إلى هذا الولد غاية الإحسان، في التربية والنفقة والرعاية والنظافة والسهر والألم؛ من أجله إذا مرض، أو تعب، ولاسيما الأم فهي التي تحمل به تسعة أشهر، وكل تلك الفترة آلام ومتاعب، وثقل، ثم الولادة والرضاعة، وإزالة أذاه، ومتاعب كثيرة يعلمها الآباء والأمهات؛ فلهذا وصى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالوالدين.

وفيه الدعاء للوالدين؛ مأخوذ من قوله تَعَالَى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا﴾.

 قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في «فتح المجيد» : (أي: في كبرهما وعند وفاتهما).

فنسأل الله أن يرحم آباءنا وأن يغفر لهم وأن يعفوَ عنهم.

ونسأل الله أن يعفو عن تقصيرنا وزلاتنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

[مقتطف من دروس فتح المجيد، الدرس الخامس لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله تَعَالَى]